العزيز إميل
كيف أحوالك يا صديقي؟
رأيك محترم، فهل تسمح لي بالاختلاف قليلاً؟ ولأبدأ أولاً بالموافقة على أن زمن العمالقة ولّى، ولكنه لم ينته بعد. العملاق الفني في عصرنا لم يعد إنساناً، فقد استحال إلى شركات إنتاج وفضائيات. هي تتحكم بالناس وأمزجتها بل يمكنني القول أنها تستعبدهم أيضاً، فلم يسلم منها لا قزم ولا عملاق. من حسين الجسمي وكاظم الساهر والرويشد إلى شعبولا. وأظن أنه لو بقي أولئك العمالقة إلى اليوم لانضووا تحت مظلة شركات الإنتاج، وهذه وردة الجزائرية مثال حي أمامك.

أما بخصوص حكمك على إيهاب توفيق، فأكرر أن رأيك محترم، ولكن النظرة إلى أولئك الفنانين ليست عادلة إذا ما اعتمدت مقارنة بينهم وبين من ذكرت من الكبار. فكما أننا بحاجة للكباب والمجدرة حيث لكل منهما خصوصيته، فكذلك نحتاج إلى أنواع خفيفة من السمع لخصوصيتها وضرورتها في كثير من الأوقات. ما له إيهاب توفيق؟ صوته حاد يزعج أذنيك بالتأكيد ولهذا لا تحبه ولكنني أجد صوته متميزاً لهذا النوع من الغناء. طيب فما رأيك إذن بصوت "حكيم"؟ وليييي ... يا ما أحلى إيهاب توفيق!
لاحظ أن إسم إيهاب توفيق متميز جداً وهو يتصدر لائحة المطربين في كافة مواقع الغناء العربية، هل تعرف لماذا؟
لأن اسمه يبدأ بحرف الهمزة المكسورة "إ"

وبعيداً عن المزاح، لإيهاب أغان رائعة أحبها جداً، خذ مثلاً أغنية الأيـــام الحـــلوة - انقر للاستماع، كلام بيجنن، ولحن رائع، وقد أداها إيهاب ببساطة فأغنية كهذه لا تحتاج لقدرات عبوهاب أو عبحليم. كمان عندك أغنية الله عليــك يا ســـيدي - انقر للاستماع، خفيفة بلطف، أستظرفها وأسر بسماعها. وبالتأكيد ليس في كل الأوقات فهذا النوع من الفن له أوقاته ومناسبته ومن هنا تنبع ضرورته. أيضاً أغنيته تترجـّــى فـيــّـا - انقر للاستماع جميلة وتختلف عن سابقتيها. باختصار، هذا النوع من الفنانين اسمهم مغنين وليس (مطربين).

أما حكمك الآخر على الفن المصري فيتضمن أيضاً بعض المبالغة، تبقى مصر يا صديقي المركز الفني العربي الأول، وما زالت قبلة للفنانين العرب، ويا نياله الفنان الذي تستضيفه القاهرة مثلاً في حفل دار الأوبرا السنوي الذي يدفع كبار الفنانين العرب مثل عبد الله الرويشد أن يغني لعبد الوهاب.

بعد عصر العمالقة، لم يعد الناس في زمننا مستعدين لسماع مغن أو مطرب جديد مختص باللون القديم، فالناس في عصرنا ما زالت تشتري أغان أم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهما، أما أن ينبق لك اليوم فنان يعتمد هذا اللون فقط فالفشل حليفه بالتأكيد.
وكما يقول إخواننا في مصر: الكبير كبير والنص نص نص نص ... فالكبير في الفن هو أمر نسبي بالتأكيد. هذه القاعدة تؤدي إلى كون شعبولا كبير أيضاً ولكنه في لونه التافه الذي لا أستمجه لا أنا ولا أنت وفي الوقت ذاته لا يمكننا نكران أن فنه منتشر كما النار في الهشيم. لا تفهم قولي تبريراً ولكنه مجرد اعتراف بالأمر الواقع الذي لا يمكننا التأثير فيه.

بالقياس ذاته، فما زال في مصر كبار، ومن الحجم السوبر، فبرأيي أن علــي الحــجــار من أكبر أساتذة الغناء في أيامنا وهو حي يرزق وما زال نشطاً ويقدم فنه المتميز. أيضاً هناك كبير آخر له فنه المتميز وما زال نشطاً وله جمهوره الواسع وهو مـحـمـد مـنـيـر الفنان العظيم، الملتزم، صاحب الصوت النغش الذي يدخل قلبك مباشرة.

ولبالغ الأسف، هناك أصوات جديدة في مصر أكثر من رائعة، ولكن اتجاهها نحو الدارج من الغناء يشوه سمعتها على الأقل بالنسبة للسميعة. وكمثال على ذلك عندك "سعد الصغير"، أخو الشليتة صوته فلتة زمانه، جواب سلس غير مزعج، وعنده قدرة طيبة على التحكم بحنجرته، ولكن المسكين اختص بأغان لا تصلح إلا لفيفي عبده ونجوى فؤاد. رحم الله أيام بدرية السيد، فما زال صوتها الرجولي يلعلع في المحطات مع نجوى فؤاد. هذا اللون (بدرية) صار مطلوباً بشدة في أيامنا ليس في مصر وحدها بل في كل بلد عربي يحتاج لجلسات هز وسط. ولا تحسب أن هذا النوع الغناء القادر على تحريك "الرعاشات" هو فن سهل بل بالغ الصعوبة، ولكن الخسارة هي في أن تضيع أصوات جميلة لخدمته فقط.
ملاحظة: سعد الصغير هو صاحب أغنية "الحـــنــطــور"، وهي أغنية ظريفة جداً.

وعندما نفتش عن مثل هؤلاء في سوريا ماذا تجد؟ أكثر المطربين السوريين شهرة عالمية حالياً هو علي الديك، علماً أنه في سوريا اليوم أصوات لا تقل روعة وقدرة عن صباح فخري مثل نهاد نجار، ولكن أين هو؟ وما الذي يملكه من رصيد متميز على صعيد الإنتاج سوى أغنيته الرائعة "ما عاتبك"؟ وما الذي يعرفه عنه إخواننا العرب مصريين أوغيرهم؟ علماً أن أغنيته تلك موجودة في الموقع المصري "رهطاوي" وجديرة بالاستماع.

وهذا هو الرابط لمن ليس لديه عضوية في رهطاوي:
http://www.4shared.com/file/51242664/f89...nline.html
الأغنية من ألحانه، وهي لا تعطي صورة صحيحة عن قدراته الحقيقية.

بالنسبة للدراما، كلامك صحيح، لكن غزارة إنتاج الدراما المصرية تتضمن المليح والقبيح ولا أرى عدلاً أن نحكم على كل الأعمال بسوية واحدة. هنا يجدر التنويه أيضاً إلى البعبع السابق وهو شركات الإنتاج، يلعب هذا البعبع اليوم دوراً مرعباً في توجيه الدراما المصرية والسورية معاً. هل لاحظت الضربة القاصمة التي وجهتها mbc للدراما العربية بشكل عام بقصد كسر أسعار تلك الدراما؟ هذا الفعل المشين كانت له آثار سيئة على الفنانين في كلا البلدين، وهو عمل وقح لأن mbc صرحت علناً أنه إذا لم تنزل أسعار الدراما العربية فإنها ستزيد من عدد المسلسلات التركية المدبلجة الرخيصة، وللأسف لعب الدراميون السوريون دوراً مخرباً على أنفسهم وعلى غيرهم من الفنانين المصريين عندما وافقوا على دبلجة تلك المسلسلات بأصواتهم بأجور زهيدة.

أمر جميل أن يذكر العزيز عاشق الكلمة فيلم "خياط للسيدات".
عاشق، كنت أعتقد أنك أصغر سناً من ذلك
يمكن لأن الفيلم كان من بطولة الفنانة المصرية العظيمة شادية، التي قال عنها نجم: كيف تقولون أن فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية وشادية موجودة؟ ولكن قصة الفيلم وإخراجه من الروعة بحيث يستحق جوائز عالمية. وأفخر أن فناننا الكبير الأستاذ سهيل عرفة قد أعطى شادية في هذا الفيلم لحناً طوره عن الفولكور السوري وهي أغنية "يا طيرة طيري يا حمامة". أنوّه أن الموسيقا التصويرية هي لسهيل عرفة.

وعلى ذكر السينما، قد أقول أن الغناء والدراما التلفزيونية في مصر ما زالا بخير ويزيدان بعض الدرجات عن سواهما من الغناء والدراما التلفزيونية السوريين. أما في مجال السينما فالأمر مختلف. صحيح أنه في مصر مخرجين كبار عالميين كشاهين وغيره، ولكن السينما في سوريا على شح إنتاجها هي سينما عالمية بمعنى الكلمة. المصيبة أن جهة الإنتاج السينمائي الوحيدة في سوريا وهي المؤسسة العامة للسينما لا تكلف نفسها عناء نشر منتوجها، فهي تتتج في السنة الواحدة فيلما أو فيلمين، وبنوعية من أرقى المستويات. وكما قلت، المصيبة أن هذه المؤسسة تنتج ويذهب إنتاجها إلى (الفريزا)، للتجميد! غالبية الأفلام التي أنتجتها هذه المؤسسة نالت جوائز في مهرجانات عالمية. ولعل أهم فيلم فيها برأيي هو "أحلام المدينة"، يخرب بيته ابن ملص شو بدّع بهالفيلم، ونال أكثر من 10 جوائز عالمية. كذلك هناك أفلام المبدعين عبد اللطيف عبد الحميد وريمون بطرس، فيلم "الطحالب" لريمون مثلاً نال أيضاً عشر جوائز ذهبية عالمية. أما لقب عبد اللطيف فهو "قنّاص الجوائز". ولكن لبالغ الأسف، كم الإنتاج محدود والانتشار صفر.

عزيزي The Holy Man
شكراً لك على موضوعك الهام جداً، وأتمنى تفاعلاً أكثر من الزملاء المصريين، كما أرجو أن يكون هذا الموضوع فرصة لاطلاع الزملاء العرب على ما يجهلونه من الفن السوري.
ولا تواخذني، بتعرفني بحب اللعي

وما رح اختم مشاركتي بدون مرحبا كبييييييييييرة للعزيز بسام خوري، ذلك السميع من الدرجة الأولى.