رسالة إلى بريجيت باردو (عندما زارت لبنان في مثل هذا الوقت تقريباً من عام 1967)


عَزِيزَتي بْريجيتْ

عزيزتي بريجيت...
أهلاً بك في لبنان، وشكراً للنائب الشيخ خليل الخوري الذي دعاك لزيارة ربوعنا في الوقت المناسب.
كنا قبل ان تأتي الينا يا عزيزتي بريجيت، على وشك ان نفقد احدى أجمل عطايا السماء لنا، وهي الابتسامة...
كنا نعيش في زحمة الأزمات والمتفجرات والمزايدات السياسية والطائفية!
وكنت انا أبحث عن موضوع ارفه به عن القرّاء، فلا اجد غير جرائم الشرف الرفيع وقطع الرؤوس او تحطيمها بالحجارة!
ولا اجد كذلك غير الثلوج تسدّ الطرقات، وتحبس الأزواج مع الزوجات...
كنت اكتب وأنا عابس، والناس من حولي عابسون على الرغم من اننا قوم خلقنا لنبتسم ونضحك ونمرح ونحبّ ونغني في حبنا لزوجاتنا وزوجات الآخرين.
وعلى الرغم ايضاً من ان النظام الاقتصادي الحر عندنا يوجب الضحك الى حد البكاء!
والديمقراطية التي نمارسها تجعلنا نؤمن بالحكمة القائلة: (اضحك تضحك لك الدنيا، او تضحك عليك)!


نعم، على الرغم من كل هذا كنا عابسين لا نبتسم، وعازبين لا نتزوج، ومتزوجين لا نحب سوى زوجاتنا العزيزات...
اما الآن، وبعد مجيئك الى لبنان يا عزيزتي بريجيت، يا رسولة السحر والعطر وسنابل الذهب...
اما الآن، وقد رأيناك تطلين علينا من باب الطائرة بساقيك الجميلتين العاريتين حتى ورقة التين...
اما الآن، وانت هنا على ارضنا الخضراء وفوق جبالنا البيضاء، بكل ما تضجين به من فتنة واغراء، وكل ما يرصّع جمالك من لطف وظرف وحس مرهف ومزاج رقيق وشهرة واسعة... فقد تبدلت الحال، وصرنا نبتسم من خلال همومنا ومتاعبنا واحمرار عيونناعلى زوجك الفاضل...
فشكراً لك يا بريجيت، والف شكر لابتسامة العصر التي تحملين لواءها وتنشرين سحرها في الناس، واعني تلك التي تشعّ من الساقين الجميلتين العاريتين حتى ورقة التين!
انها ابتسامة العصر حقاً، عصر السرعة واختصار المسافات.
كانت المرأة في الماضي تبتسم من شفتيها، ثم من عينيها، وأخيراً من ساقيها...
اما الآن، وبعد (الميكرو - جوب)، فقد صارت تبدأ ابتسامتها من الساقين رأساً، وعلناً، وانطلاقاً من مربط الجراب بالامس، ومن ورقة التين اليوم، وغداً... الله اعلم!

* * *

عزيزتي بريجيت.
انا واثق من ان صديقك وصديقي الشيخ خليل الخوري سيترجم لك هذه الرسالة بكل امانة وحسن نية، بعد ان يمهد لها بكلمة عني، فيقول لك مثلاً اني (اخو رأسه) في عبادة الجمال والدلال والسحر الحرام والحلال...
وقد يتلطف ويقول لك ايضاً ان عبادتي للجمال تنبع من عبادتي لله الذي قال لحواء كوني، فكانت... وقال لابنتها بريجيت باردو: تربّعي على عرش الشهرة والمجد، فتربَّعت... ويا لابتسامة الغد!...
واقف هنا لاسأل: (لماذا اختارك الله انت بالذات لتتربعي على هذا العرش?).
انك، على ما اعلم ويعلم الجميع، لست اجمل النساء، ولا اكثرهن فتنة واغراء.
ولست اقدر الممثلات، ولا اغناهن بجوائز الأوسكار.
ولا انت وحدك تملكين بشرة بيضاء، وعينين سوداوين، وشعراً جميلاً كسنابل الذهب.
ولا انت المرأة الفاتنة الوحيدة التي تبتسم من ساقيها.
اذاً فما هو سرك يا عزيزتي بريجيت?
يقولون انك تملكين جسدك... اي انك تسيطرين عليه، وعلى كل جزء من أجزائه سيطرة تامة مذهلة، كأن هذه الأجزاء مجموعة اوتار تحركينها كيف تشائين، او كأنها مجموعة ارواح في جسد واحد!
ويقولون ايضاً ان سرك في جرأتك وخفة دمك ومزاجك الرقيق.
وان لك شخصية جمعت بين براءة الطفولة ونضج الأنوثة.
وكل هذا صحيح، ولكنه ليس كل السر الذي جعل من بريجيت باردو أشهر نجمة في هذا العصر.
واعود الى السؤال: (ما هو السر، سرك الأول والأكبر يا عزيزتي بريجيت)?
ليس الحظ طبعاً، ولا المفاتن كلها حتى ولا الدعاية او الأشياء التي يهمس بها المقربون.
سرك على ما اعتقد، هو في ذكائك الخارق... على الرغم من ان زميلتك ومواطنتك الممثلة المشهورة (جان مورو) وصفتك بأنك اغبى نساء الأرض.
ولو كان هذا صحيحاً لنزلت عن القمة واحتلتها جان مورو.
ان الغباء، وان اقترن بالحظ والدعاية، لا يمكن ان يجعل بريجيت باردو تتربع على القمة كل هذه المدة الطويلة، اي قبل الميكرو - جوب وبعده...
والذكاء هو القاعدة الأساسية لتسلق القمم...
ويأتي بعد ذلك الجمال، جمال الروح وجمال الجسد، ثم سائر المتفرعات من ظرف وذوق وسيقان ضاحكة.

* * *

عزيزتي بريجيت
ان من أكبر الأدلة على ذكائك هو انك اصبحت تهربين من الأضواء...
ولو بقيت تقتربين منها لابتعدت عنك.
والعكس هو الذي يحدث اليوم، يا ماكرة، يا هاربة من الأضواء بساقين عاريتين حتى ورقة التين!
بقي ان تعلمي يا عزيزتي بريجيت، اننا جيران. فأنت تقيمين في الحازمية، وأنا كذلك...
واكثر من هذا، اني اليوم جار القمرين، انت وحلوة الحلوات صباح.
وصباح نجمة لبنان والعرب، كما انت نجمة فرنسا والعالم كله.
وفيها كما فيك، السحر والعطر وسنابل الذهب.
وعندها مثلما عندك، شباب مشعّ دائم الاشراق.
اما الظرف والأناقة وخفة الدم، فسبحان من اعطاها ما اعطاك.
واما الابتسامة، فيختلف مصدرها في صباح عن مصدرها في بريجيت باردو... الا في حالات عدم الانتباه!
واختلاف آخر، هو ان صباح، الى جانب كونها ممثلة قديرة، مطربة وذات صوت ساحر.
واختلاف ثالث وأخير، هو ان صباح شقت طريقها الى النجاح في الشرق وانت شققت طريقك في الغرب.
وشتان يا عزيزتي بريجيت، بين الشرق والغرب في الوصول الى النجاح وتسلق القمة.
هناك المجال الرحب لتشجيع المواهب، وهنا الطريق الصعب المليء بالحصى والشوك وألغام الحاسدين.
على كل حال أهلاً بك، وشكراً لك وألف ألف تحية لابتسامتك التي هي ابتسامة العصر واختصار المسافات!


(16/3/67)