أخي العزيز مواطن مصري:
انبهرت كثيرًا من صبرك وتفاعلك مع دقائق ما كتبته من "خربشات" فشكرًا لسعة صدرك واهتمامك. اسمح لي بالتعليق على بعض ما تفضلت وكتبت:
اقتباس:فعلا هذا حال اهل الدين فى كل زمان ومكان ، فالمسيحى يرى انه اولى بالاخلاق والتقى والعفاف وسائر المحاسن المسيحى يعيش فى المسيح والمسلم يعيش فى الله.
واهل الدنيا كذلك سواء كانوا ملحدون او علمانيون او بتنجانيون ، يرون انفسهم اولى بالانسانية وكل منهم يفسر الانسانية والخير على هواه ووفقا لما يرى عقله.
لقد وضعت إصبعك على مكان الجرح وضربت على الوتر الحساس
ما طرحه مسكويه هو بمثابة فرصة لي لمخاطبة أيٍ من ذي عقل لمجرد كونه إنسان وأن أسأله/ أسألها: هل أهل الدين وحدهم يملكون الأخلاق دون سواهم؟ وصحيح أن المسيحي يرى أنه أولى بالأخلاق والتقى والعفاف وسائر المحاسن من غيره وهو في هذا مخطيء كل الخطأ.
ولكني سأختلف معك في نقطة: العلماني أو الملحد لا يقول إنه أولى بالإنسانية من غيره. فكرة التفوق في شيء والاستحواز به ماركة مسجلة لأهل الأديان. لم أقرأ مثلاً لمفكر ليبرالي غربي إنه يقول إنه بليبراليته قد بلغ ما لم يبلغه غيره. هذا التفاضل وذاك التعالي النرجسي لمسته بالأحرى مع المسلمين والمسيحيين.
اقتباس:ما الدعارة الربانية (جازاك الله بها) او كما اسميتها لا حقا بسياسة العصا والجزرة فهى موجودة فى كل الاديان وفى الدنيا ايضا ، هل الخلود فى الملكوت للمؤمنين والجحيم والموت لغير المؤمنين لا تندرج تحت اعمال بوليس الاداب الكونى الذى تنظمه فى عقلك ام تعتبرها براءة علشان ما فيش فيها نسوان. أليست سياسة العصا والجزرة ايضا تتبع مع من يؤمنوا فى أى دين.
سياسة العصا والجزرة هي الغالب على أهل الأديان قاطبة باستثناء اليهودية تقريبًا. لا نقرأ في التوراة قصص التهديد والوعيد بعذاب النار الموجودة في الإسلام والمسيحية.
الرشوة الربانية أمر ممجوج سواء صدر عن الإسلام أو المسيحية. إدخال الناس في الملكوت عن طريق الهلع والتخويف بعذاب النار هو رشوة وعهر رباني من وجهة نظري. لا أستسيغ هذا وإنما أستسيغ من يعبد الله طواعية ودون رغبة في أي مكافأة ودون اكتراث لها.
اقتباس:فى الدنيا (من جد وجد) ومن حقق الحلم الامريكى دخل الجنة التى على الارض ، ومن اطلق لعقله الحرية تحرر من الخرافة والاسطورة وعاش سعيدا هى ايضا سياسة العصا والجزرة ولكن كما يعتقدها البشر.
يا أخي العزيز: الحلم الأميركي قضية إنتاجية والحلم الرباني خوف وهلع وعذاب نار وفراديس وأكاليل إلخ. فرق كبير يا أخي العزيز.
الحلم الأميركي يبلغه الرجل عندما يصبح كالبقرة ويربطونه في الساقية ويدور ويعمل كالعبد من السادسة صباحًا حتى السادسة أو السابعة مساء. يكدح ويتعب حتى يتنافس في مجتمع جشع رأسمالي فيه السمك الكبير يأكل السمك الصغير.
أنا لا أدعو للتكاسل أو التقاعس عن الفضيلة ولكن انظر لتعريفات الناس للفضيلة وإلى أي حالٍ صاروا. بين المؤمنين من كل جنس ولون يخطر ببالك لك أن تقول "إمرأة فاضلة" وأول شيء يخطر ببالهم هو منطقة الفرج وأعضائها التناسلية. لا يزال الناس يرزحون تحت كابوس هذه العقلية. طبعًا أنا أحب المرأة المتعففة الفاضلة ولكن تعففها لا يأتي من منطقة المهبل والأرداف وإنما يأتي من مواقفها الأخلاقية في الحياة إجمالاً بالسلوك بضمير مستقيم ونية سليمة.
اقتباس:كلام نظرى ولا يصلح الا للتسلية فقط ، لقد نفى الضعف البشرى عن نفسه وعن الناس ، كما قلت لك هو يتكلم عن مرحلة عليا من الايمان لا تتفق مع معظم اهل اى دين او مذهب ، فلا كل المسلمين على قلب رجل واحد ولا المسيحين ولا الشيوعيين ولا العلمانيين ولا الناس كلها.
مولانا مسكويه لم ينف الضعف البشري عن نفسه يا صديقي. الضعف حاضر فينا جميعًا ولكنه يقول إن توقنا إلى الصح أو الفضيلة يتأتى من داخلنا.. من فطرتنا.. أنت ألا تؤمن أن الإسلام دين الفطرة؟ عندما تفعل أفعال جميلة وتنسبها للإسلام ألا يخطر ببالك أن فطرتك الإنسانية بأية حال من الأحوال كانت ستدفعك للإقبال على ذلك؟ إذًا أنت صديقي "مواطن مصري" تفعل الخير بما أنك إنسان. هناك ضمير إنساني في داخلك وداخل كل إنسان يحركك ويدفعك لتفعل ما هو خليق بك كإنسان.
بأي حق أعمل معك خير وأقول لك إني عملت ذلك "لأن المسيح يحبك"؟ ألا يعتبر هذا تبجح؟! في نظري هو تبجح شديد. ذات مرة شكرني ضيف قبطي وقال لي إنه سوف يعوضها لي ويردها لي إلخ إلخ هذا الكلام المصري إياه. رددت عليه بابتسامة وحزم وقلت له: لا أريد منك تعويض ولا أريده حتى من الله شخصيًا. ما نفعله يجب أن نفعله لأنه اقتناعنا وقناعتنا وينبع من كون الواحد فينا إنسان و"بما هو إنسان" بتعبير مسكويه الجميل.
اقتباس:يعنى يا ابو خليل خلينى معاك للاخر ، لو جبنا عشرة رجال ووضعنا فى طريق كل واحد منهم قطعة ذهبية ، ترى ما تصرف الجميع فى هذه الحالة والجميع يعلم من صاحبها ؟ سأترك لك الاجابة
وخلى بالك انا بأضرب مثل على عشرة رجال وليس مليون ولا عشرة مليون رجل.
ترى كم رجل ستجعل سياسة العصا والجزرة سلوكه جيد
وكم رجل سيفعل ما يفعل نسكافيه اللى بتقول عليه
وكم رجل لن يفرق معه لا عصا ولا جزرة ويقول احيينى النهاردة وموتنى بكره.
أتمنى أن أكون قد فهمت ما ترمي إليه فهمًا جيدًا.
باعتقادي لو في طريقي قطعة ذهبية ووجدتها في الصحراء هنا مثلاً فحتمًا هي لي. سآخذها. لو شعرت أنها سقطت من حقيبة سيدة عابرة طبعًا سأناديها وهذا يحدث كثيرًا ولا دخل له بالدين أو الإيمان.
شعار "احييني النهاردة وموتني بكرة" شعار فطري إنساني وموجود في كل شعوب العالم وباللاتينية هو Carpe Diem بمعنى اغنم حاضرك. في رأيي هو شعار جميل ولا بأس به.
اقتباس:مش مضبوط يا ابو خليل فقد كان فى الماضى السحيق يقدم بعض الناس أولادهم قربانا للآلهة وكانوا يعتقدون انهم يفعلون الخير ، وبعض القبائل تخرم انوفها واذانها كمعيار للرجولة ، المفاهيم نسبية من مجتمع لآخر والخير نسبى بين البشر ووظيفة الدين توحيد مفهوم الخير لمجموعة من الناس.
كان الناس في الماضي السحيق يقدمون أولادهم قربانًا للآلهة؟ وكانوا يعتقدون أنهم يفعلون الخير؟ وربما كانت هذه هي مشيئة الله؟ اسمح لي أن أشاكسك.. تقصد زي سيدنا إبراهيم لما ربنا قال له إنه يقدم ابنه قربان؟
الطريف يا أخي أننا في الأديان نستبيح لنا كل شيء ولكن إن وجدنا ما يقابل هذا في أدياننا نبدأ في الروحنة والشعوذة والدجل من كل شكل ولون يخطر ببالك.. أقول هذا على أهل الأديان قاطبة. لا يوجد أحد يقرأ بذهن فاحص ويقرر أن يأخذ موقف شخصي... إلا من عصم ربي.
هل تصدق أنه تصلني رسائل من حين لآخر ممن يخشون على حياتي من خطر الإلحاد؟ هم يخشون الإلحاد ولا يخشون الخزعبلات التي يعتمدونها كوقائع يمررونها تمريرًا على عقولهم دون مُسـائلة.
اقتباس:حلوة ربط الفضيلة برجال الكهنوت ... وربط التحليل والتحريم والجلد بهوس الدين ... آآآه ه يا لئيم
احنا معك ع الخط يا برعي
اقتباس:ام انك تريد بالمسليمن خيراً؟ عموما جازاك الله كل الخير وانا كمسلم اوافق على الشريعة فى ان تطبق على الزانى ما دام قد استهتر بالناس واعراضهم. مش الموضوع حرية شخصية برضه ولا الناس احرار عندما يفعلون ما يريده غيرهم وليسوا احرار فيما يريدونه فى انفسهم.
طب بسيطة. هات لي مجتمع واحد طبق الشريعة الإسلامية وبقى مجتمع حضاري. الشريعة الإسلامية وكل هذه الشرائع كانت في قوانين قديمة من أيام حمورابي وهي نواميس بربرية.
من أين حكمت أن من يمارس الجنس مع فتاة أو من تمارس الجنس مع شاب "يستهتر" بالأعراض؟ رغم أني أحرص على مراعاة المسئولية لأن مع النكاح يأتي الحبل ومع الحبل تأتي المسئولية والمصاريف إلا أني أرى أن رفضنا للممارسة الجنسية بدافع الحب كثيرًا ما اقترن بذهنية الرعب التي تشبعنا بها وقامت تربيتنا الدينية بتغذيتها.
عندما يتزوج الرجل إمرأة بعقد زواج ويأخذ منها الجنس مدى الحياة باعتبارها قامت بالإمضاء على هذا العقد وهي لا تشعر منه بالحب.. ألا يعتبر الزواج هنا نوع من التعامل مع المحظيات والجواري؟ حب بلا زواج هو قصة يدونها التاريخ بفخر... زواج بدون حب هو دعارة وعهر.
شكرًا جزيلاً على تفاعلك يا أمير. أشكرك بشدة على ذوقك العالي وخفة دمك وسعة صدرك وطول أناتك.