الشهيد عبد الكريم الخليل
عبد الكريم الخليل (1301 - 1334 ه = 1884 - 1916 م) عبد الكريم بن قاسم الخليل: محام، من شهداء العرب في عهد الترك.
عبد الكريم بن قاسم الخليل من أهل برج البراجنة (من ضواحي بيروت) تعلم الحقوق بالآستانة.
وانتخب رئيسا للمنتدى الادبي (العربي) فيها.
واحترف المحاماة.
وعاد إلى سورية في أوائل الحرب العامة الاولى، يحمل فكرة
انفصال العرب عن الترك.
وخدعه أحمد جمال باشا " السفاح " بإظهاره الموافقة * (هامش 2) * (1) هدية الزمن 221 - إلى آخر الكتاب وملوك المسلمين المعاصرين 410 - 420.
على جعل بلاد الشام " خديوية " تتبع الدولة العثمانية (كما كانت مصر) ويكون هو (جمال) الخديوي الاول فيها.
ونشط عبد الكريم، فألف جمعية شبه سرية لهذا الغرض.
ولم يلبث جمال أن قلب له ظهر المجن، فاعتقله وقتله شنقا، ببيروت، بعد محاكمة ظاهرية، في ديوان الحرب العرفي بعاليه (لبنان) استمرت شهرين.
الزركلي - الموسوعة الشاملة لأعلام العرب
إعدام القافلة الأولى 20/8/1915 أحد عشر شهيداً
شاع في منتصف شهر آب في عاليه أن جمهوراً من المسجونين فيها سيعدمون قريباً.. وانتقل هذا الخبر المشؤوم إلى بيروت وإلى أنحاء البلاد بسرعة البرق، فاضطربت الخواطر وهلعت القلوب، وأخذ الناس يتساءلون من يكون هؤلاء المساكين، لأن عدد المسجونين في عاليه كان كبيراً..
وفي اليوم العشرين من آب المذكور أخرجوا من سجن عاليه احد عشر شخصاً كان قد اتهمهم الديوان العرفي بارتكاب الجرائم المضرة بسلامة وأمن الدولة التركية، أخرجوهم من السجن وأركبوهم عربات أقلتهم مخفورين بالجنود إلى بيروت وكان ذلك عند المساء، وبقي جمع غفير من أهالي بيروت ساهرين في تلك الليلة على ساحة البرج ليحضروا مشهد الإعدام ويعرفوا من هم الذين سيعدمون.
وقبل انتصاف الليل سمعت طقطقة العربات تمر مسرعة على طريق النهر وكانت قادمة من جهة الجسر، ولم تمر تلك العربات من أمام ساحة البرج بل عكفت من وراء النزل الخديوي "البنك العثماني القديم" وذهبت تواً إلى دائرة البوليس..
والسبب في مرور العربات من تلك الجهة هو وجود المشانق منصوبة في ذاك الوقت في ساحة البرج فلم يشأ أُولُو الأمر أن يشاهد المحكومون بالاعدام آلة إعدامهم فأنزلوهم من عاليه على طريق جسر الباشا ومن هناك أخذوهم إلى جسر نهر بيروت.
وساعة بدأ العاملون بحفر الأرض لتركيز أعواد المشانق كان المشهد مهيباً جداً، وقبل أن يباشروا التركيز كانوا قد وزعوا كتائب الجند بالسلاح الكامل في كل الطرقات المؤدية إلى ساحة البرج ومنعوا الأهالي من المرور فيها حتى الصباح..
وأثناء تركيز الأعواد كان رجال البوليس يتلصصون هنا وهناك، علّهم يسمعون حركة أو ما يشبه الحركة، فقد كان الأتراك في ذاك الحين أشد خوفاً من أهل البلاد وكانوا يخشون نشوب الثورة..
وصلت العربات إلى دائرة البوليس وهناك أبلغوا المتهمين أحكام الإعدام فلم تتبدل هيئاتهم لأنهم كانوا يعرفون مصيرهم.
أوقف كل المحكومين في غرفة واحدة والجنود تطّوق تلك الغرفة من الخارج، أما المحكومون فكانوا:
عبد الكريم الخليل، صالح حيدر، محمد محمصاني، محمود المحمصاني، عبد القادر خرسا، نور الدين القاضي، علي الارمنازي، سليم أحمد عبد الهادي، محمود العجم، نايف تللو، ومحمد مسلم عابدين.
وتقدم عبد الكريم الخليل من قوميسيير البوليس الواقف أمامه وقال له:
ـ ألاَ يحضر الوالي اعدامنا؟
ـ كلا فيما أظن.
ـ ومن يحضر إذاً؟
ـ رضا باشا ومدير البوليس محيي الدين.
ـ أتريد أن تدعو لي قليلاً محيي الدين؟
ـ بطيبة خاطر.
وذهب القوميسيير إلى مدير البوليس وقال له:
ـ إن عبد الكريم الخليل يود أن يقابلك قبل أن يموت فهل تريد أن تلبي طلبه؟
فاسرع محيي الدين مقبلاً نحو عبد الكريم، وكان عبد الكريم أثناء وجوده في الآستانة قد انقذ محيي الدين من السجن مرتين. فلما تقابلا قال له عبد الكريم بصوت ملؤه الشهامة:
ـ اتذكر يا محيي الدين أنني أنقذتك من السجن مرتين؟
ـ أذكر جيداً غير أنني عاجز الآن عن مكافأتك على حسن صنيعك فقد حكم عليك من يد هي فوق يدي.
ـ أنا لا أطلب منك الآن أن تنقذني لأني أعرف الحد الذي يبلغ اليه عرفان الجميل عند أمثالكم، وإنني لواثق أنك لو كلفت أن تضع حبل المشنقة حول عنقي لما تأخرت ولفاخرت أقرانك بعملك هذا.
فاضطرب محيي الدين وقال:
ـ والآن ماذا تطلب يا عبد الكريم؟
ـ أطلب مواجهة الوالي عزمي.
ـ يستحيل علينا ذلك.
ـ أتمنعون عن محكوم بالإعدام رغبة يرجوها قبل موته؟
ـ قل لي ما تريد أن يعرفه الوالي وأنا أبلغه كلامك حرفاً بحرف.
ـ لا أريد إلا مقابلته وجهاً لوجه. فإن كان لا يجسر أن يقابلني فلا بأس غير أني أطلب اليك أن تمنع كل تركي من الدخول عليّ وهذه هي إرادتي الأخيرة. وقال ذلك وعاد إلى غرفته وأخذ يتمشى بسرعة وهو واضعاً يديه بجيوبه..
ومنع مدير البوليس كل المأمورين الأتراك من الدخول إلى غرفة عبد الكريم في تلك الساعة الرهيبة التي سبقت الإعدام.
وكان المحكومون يسمعون في تلك الليلة من حين إلى آخر وقع حوافر الخيل وصلصلة السلاح وأوامر الضباط لعناصرهم أن يذهبوا إلى هنا وهناك.
وجاء إلى غرفة المحكومين رجل من البوليس يحمل حبراً وأقلاماً وورقاً وقال لهم:
ـ اكتبوا وصاياكم إذا شئتم.
وخرج بعد أن ترك لهم الأدوات على طاولة كبيرة موضوعة في تلك الغرفة.
فجلس شهداء العرب يخطون على الورق آخر ما تمليه عليهم قلوبهم وعواطفهم قبل ساعة الإعدام. كتب كل منهم وصيته وتركها وديعة في يد دائرة البوليس لتسليمها إلى عائلته.
http://www.almustaqbal.com/Nawafez.aspx?pageid=25955