الأخ طريف سردست .
أرى المشكلة من منظور مختلف نوعا .
إننا أمام حالة واضحة من التصادم الثقافي .. تصادم مرتجل عبثي لا يمكن تجنبه ، ينمو وفقا لآلية ذاتية شيطانية ، تصادم أشبه بالدراما الإغريقية عندما يعرف كل إنسان أقداره مقدما و لكن لا يمكنه تجنب لعنة المصير ، بل على النقيض فتلك المعرفة المسبقة تصبح المحرك الرئيسي الذي يدفع لصالح حتمية المأساة القدرية .
لدينا بالفعل إطاران مختلفان تماما لا يمكنهما التحاور ، فقط يمكنهما التناطح .. إطاران يتزامنان وجوديا و لكنهما من حقبتين تاريخيتين مختلفتين ؛ المسلمون يعيشون الإطار السلفي النصي بكل مواصفاته عندما يعيش الشعب ماضيه و يهمش حاضره و يغيب مستقبله تقديسا لقبور و ساكنيها ، و تعظيما لنصوص و مفسريها ، هذا بينما تفرض العولمة عليهم التعامل كتابع يقبع على محيط عالم ما بعد الحداثة ، هذا العالم يقع داخل إطار آخر مختلف كلية يفصله قطيعة معرفية تامة .. إطار مادي عقلاني لا مقدسات لديه خارج الإنسان ، نفس الإنسان الذي يراه النص الديني الإسلامي مجرد خطاء لا يتوقف عن التوبة !.
إن أخطر ما في هذا الصراع ألا تكافؤ فيه. إن ما يحدث هو تصادم و ليس صراع مع الغرب ، فالصراع له طرفان و لكننا نصارع شبحا او وهما ، نحن أشبه بعملاق ينهال على عدو يتوهمه بالطعنات و لكنه معصوب العينين لا يرى هذا العدو بل يتخيله أو حتى يرتجله ، بينما يمكن لهذا الآخر إلحاق ما يشاء به من هزائم ، لأنه يرى جيدا ما يفعل .. إن العالم خارج المسلمين يعيش زمنا آخر.
إن النموذج الاسترشادي ( الباراديم ) الغربي للدين و رموزه متعارض مع النموذج النصي الإسلامي ( بل و حتى القبطي ) كلية ، فالنموذج الغربي يرى الرموز الدينية مجرد شخصيات مستمدة من الميثولوجيا التوراتية و ملحقاتها من ملاحم الساميين ، إنهم يتعاملون مع الرموز الدينية بشكل لا يختلف سوى في قليل عن آلهة الإغريق ، فقط ربما كانوا يرونهم أقل تنوعا و ثراء .
داخل الإطار الحداثي لن يكون هناك اهتمام حقيقي وواسع بتحقير دين ما بشكل متعمد ، فالدين قضية شخصية و ثانوية ،و لكن سيكون هناك تعبئة كبيرة من أجل حرية التفكير و التعبير ، و لن يقبل كثيرون تعليق تلك الحقوق على موافقة الآخرين و رضاهم . لقد أمضى الغربيون أكثر من 400 عام في صراعات طويلة كي يكون لهم الحق في نقد كل شيء و كل إنسان حتى المسيح ، إن المسيح الذي يعدونه ربا وجد طريقه إلى مسارح لندن بطلا لمسرحية ( المسيح سوبر ستار ) حيث يغني و يرقص و يمارس الجنس مع مريم المجدلية ،وهم لن يتخلوا عن هذا الحق من أجل محمد نبي الصحراء الذي يرونه مجرد شيخ بدوي أو قس متمرد على أحسن الفروض . في المقابل فالثقافة الإسلامية تقدس الرموز الدينية للغاية و ترى أن مجرد الحديث عنها بحرية ولو نسبية ستؤدي بالإنسان إلى جهنم خالدا فيها ، بينما عبادتها بخشوع و تلاوة قصص الساميين المملة ؛ مثل مغامرات يوسف النسائية و الحيل البصرية التي مارسها موسى هي السبيل ( الوحيد ) للوصول إلى النعيم حيث الخمور و النساء مفرطات السمنة و أيضا الغلمان .
لا أقصد أن أصدم المؤمنين في عقائدهم ، فقط أريد أن أوضح التناقض الكبير بل القطيعة المعرفية بين إطارين في رؤيتهما لما يبدوا أنه نفس الرموز الدينية .