عزيزي اوارفي ..

بداية اشكرك على طرح هذا التساؤل الدقيق والحساس ، وعلى معالجتك الهادئة والجريئة .. واسمح لي أن اختلف معك فيما طرحت :

لا أحد ينكر أن نظام صدام كان عائقا أمام ديمقراطية حقيقية في العراق ، وقد اثبتت التجارب المتكررة استحالة أي تغيير سلمي أو حتى ثوري وطني داخلي .. ومن هنا فإن زوال نظام صدام بأي طريقة كانت ( غزو أمريكي أو ثورة وطنية أو حتى قصف اسرائيلي !! ) يعني من حيث النتيجة زوال عائق خطير يعيق انتشار الديمقراطية ..

ان مثل هذا الطرح هو طرح صحيح من الناحية النظرية البحتة ، ولكن هل هو صحيح من الناحية الواقعية ؟؟

أن هذا الطرح النظري يُغفل مجموعة من العناصر السياسية :

1 - فهو ينسى أن التغيير فُرض من الخارج ومن قبل قوة لا يمكن وصفها الا بالمحتل ، وبالتالي فمن الطبيعي أن النموذج الديمقراطي الذي ستبينه في العراق سيفصل وفق احتياجات امريكا ومصالحها القومية ، أي انها دمقراطية مهجنة ومشوهة ... ولا ننسى أن أمريكا ستتبنى شخصيات من معارضة الخارج لفرضها عنوة على الشعب العراقي ، ومعارضة الخارج تلك تكاد أن تكون صور مستنسخة عن صدام نفسه في تسلطه وفساده وديكتاتوريته ، بل ان قسما كبيرا ممن يسمى بـ ( المعارضة العراقية ) كان قبل اشهر فقط جزءا من نظام صدام !!!!! لكنه اختار أن يتمرد عليه لأنه طمع في استعباد الشعب العراقي ( وما حدا أحسن من حدا !!!!! )

اعلم أن ديمقراطية على هذا الشكل خير مليون مرة من نظام صدام الوحشي ، ولكن ... هل هناك أمل حقيقي في أن يتحرر الشعب العراقي مستقبلا من الاحتلال الأمريكي ويصنع ديمقراطيته الوطنية الحقيقية ؟؟

بصراحة ..... اشك في ذلك .. ودول الخليج ( المستعمرات الأمريكية ) شاهد على ذلك .. ولعل الزمن يخبئ لنا شيء آخر ..

2 – ان التصور السابق ينسى أن واقع التعددية السياسية والعرقية والاثنية والطائفية في العراق ، وقانون هذه التعددية هو الالغاء والتنافس الاقصائي ... ان العراق لم يشهد في أي مرحلة من مراحل تاريخه تعايش سلمي بين القوى السياسية والطائفية والاثنية المتصارعة .. واذا كانت تلك القوى قد اتحدت في الماضي لمواجهة نظام صدام فان تحالفها كان تكتيكا استراتيجيا مؤقتا فقط .. واليوم بدأ الصراع لتوزيع الغنائم ..

3 - ويبقى السؤال المصيري والحاسم :

ماذا عن الشعب العراقي الذي عاش سنينا في ظل ابشع اشكال القمع والظلم والبطش والاستعباد ؟؟ هل تعافى من سنوات القهر تلك ؟؟ هل تمكن من تجاوز ارث الاستبداد والقمع ؟؟

ان المواطن العراقي البسيط الذي شاهدناه اليوم وهو يبصق على صور صدام هو ذاته الذي كان قبل يومين فقط يصرخ بأعلى صوته : بالروح والدم نفديك يا صدام !!!!!!!!

والدم الذي يقدم بسهولة ... يُراق بسهولة ..

شهاب الدمشقي .