عيون وآذان (استقالتي من هذه الأمة)
السبت, 01 مايو 2010
جهاد الخازن

ثمة قوانين تمنع الاحتكار على مستوى الدولة الواحدة، وضمن التكتلات الإقليمية والدولية، وعلى أساس الطبيعة البشرية نفسها. لا أحد يحتكر الإبداع الثقافي أو العلمي، لا بلد يحتكر زراعة الرز أو استخراج النفط من الأرض، أو التكنولوجيا الحديثة.

نحن نحتكر التخلّف، وعندي أمثلة.

- في اليمن هناك حملة يقودها الشيخ عبدالمجيد الزنداني ضد محاولة الحكومة منع الزواج من أطفال بإصدار قانون يفرض حداً أدنى لعمر البنات في الزواج (كان صدر قانون السنة الماضية فرض 17 سنة حداً أدنى إلا أنه سُحب وأعيد الى اللجنة الدستورية في البرلمان تحت ضغط رجال الدين).

الشيخ الزنداني نافذ ومسموع الكلمة، وهو طالَبَ أنصاره وطلابه بجمع مليون توقيع للضغط على الحكومة ومنعها من فرض حد أدنى لسنّ زواج البنات.

لست عنيداً، ولا أُستَفَز، وزملائي عبر عقود سيشهدون لي أنني لم أرفع صوتي يوماً في جدل ولم أصرخ، غير إنني أعترف بأن هذا الموضوع يستفزني.

الطفلة في الثامنة لا تتزوج وإنما تُغْتَصب وتُمزَّق وقد تموت، كما رأينا في حالات مسجلة في اليمن وغيره، والذي يزوج بنته الطفلة في هذا العصر والذي يتزوجها مجرمان.

للشيخ الزنداني وكل الشيوخ الاحترام والتقدير ولكن سنّ الزواج يجب أن يترك للأطباء وعلماء النفس والاجتماع وخبراء الأسرة.

- في إيران أعلن حجة الإسلام كاظم صديقي أن سبب الزلازل التي تضرب البلد بين حين وآخر هو ارتداء النساء ثياباً فاضحة، من تنانير ميني وغيرها، وتحرشهن بالشباب وإفساد أخلاقهم.

لا أعرف من أين أبدأ. لو كان الأمر ثياباً فاضحة لدمِّرت فرنسا، وربما لبنان. ثم إن ثياب النساء الإيرانيات من الأكثر حشمة في العالم بفضل الثورة الإسلامية، إلا أن معدل الزلازل التي تضرب البلاد باقٍ على حاله كما كان أيام الشاه لأن إيران على خط زلازل معروف، ولو لبس رجال الدين الشادور، لا نساؤها، لما اختلف الأمر. وأسأل حجة الإسلام من يتحرش بمن؟ إذا كان هناك ألف رجل وألف امرأة، فالألف رجل سيتحرشون بالألف امرأة، وربما وجدت امرأة واحدة بين الألف تتحرش بالرجال.

حجة الإسلام المزعوم يلتقي مع المبشر البروتستانتي بات روبرتسون الذي قال يوماً إن الإعصار كاترينا الذي ضرب نيو أورليانز عقاب ربّاني لأن الأميركيين يقرون الإجهاض، ثم قال إن زلزال هايتي سببه عقد أهلها حلفاً مع الشيطان في القرن الثامن عشر للنجاة من الاستعمار الفرنسي.

التخلف الديني لا يعرف حدوداً، من اليمن الى إيران الى الولايات المتحدة، وإذا كان كاظم صدّيقي حجة الإسلام فأنا مفتي الديار.

- مصر أمّ الدنيا، ولها في عالمنا العربي القيادة والريادة، فإذا نجحت نجحنا معها وإذا فشلت فشلنا جميعاً.

في مصر أرسلت مجموعة محامين رسالة الى المستشار النائب العام ضد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة ومساعديه بتهمة نشر كتاب «ألف ليلة وليلة» في جزءين على اعتبار أنه من نفائس الأدب وذخائره والتراث العربي.

الطبعة على ما يبدو كانت أمينة للنص الأصلي القديم الذي يزيد عمره على ألف سنة، وهي ضمت كلاماً جنسياً قبيحاً اتفق مع المحامين على أنه كان من الواجب حذفه، ليبقى في طبعة محدودة للباحثين الأكاديميين بدل وضعه في أيدي عامة الناس.

«الف ليلة وليلة» من أجمل كتب التراث العالمي، لا العربي أو الفارسي، وقد قرأت الكتاب صغيراً. وقرأته في الجامعة، ولم أرَ في نُسَخه السابقة شيئاً من الكلام الجنسي الفاحش. ولعل أفضل دراسات قرأتها عن الكتاب وأفادتني كانت في المجلات الثقافية المصرية.

كما يرى القارئ اتفق مع المحامين المصريين في النقطة الأهم، إلا أنني لاحظت أن رسالتهم الى النائب العام، وهي عندي في سبع صفحات وربع صفحة، سجلت الكلام البذيء بدقة مع أرقام الصفحات حيث نشر، ثم كررت بعضه مرتين، فإذا كانت الهيئة العامة لقصور الثقافة نشرته مرة، فهم نشروه ثلاث مرات كأنهم يتلذذون بتكراره.

المحامون يطلقون على أنفسهم لقب «محامون بلا قيود»، ويبدو أن المقصود لا قيود عليهم وإنما على نشر كتب التراث، وكنت سأغفر لهم لو أنهم في سطر واحد من رسالتهم اقترحوا إعادة نشر «ألف ليلة وليلة» بعد حذف الكلام البذيء، إلا أنهم اختاروا أن يطلبوا منع الكتاب ومعاقبة الهيئة الناشرة، فكأنهم يروجون له، لأن كل ممنوع مرغوب.

هل هناك مكتب أقدم إليه استقالتي من هذه الأمة؟ دلّوني عليه إن وجد.