رأي / أراء
لماذا الله مهم لك؟
خضير طاهر
GMT 5
00 2010 الأحد 6 يونيو
فاجأني أحد الأصدقاء الذي يعيش حالة مكابدة روحية وتساؤلات لاتنتهي حول ماهية الأديان، وقد ألف كتابا باللغة الانكليزية حول هذا الموضوع.. فاجأني بسؤال في أمر كنت أعتقد أنه بديهي ومسلم به وهو : لماذا الله مهم لك؟
وأحببت ان انقل للقراء اجابتي على سؤاله :
عزيزي...
أرجو ان تكون بخير.
بخصوص سؤالك :لماذا الله مهم لك؟
أعترف أنني أهرب دائما من الاسئلة الدينية.. فأنا أشعر بالذعر منها، والسبب لأن في داخلي براكين نائمة من الثورة والتمرد والغضب العارم على الأديان ورجال الدين... لقد قضيت مدة طويلة من عمري وانا أثقف نفسي دينيا بأتجاه التسليم والقبول بكل شيء دون تمحيص وتفكير ومساءلة نقدية... ثم انفجر بركان التمرد في اعماقي وجرفت حممه واحرقت معها الكثير من معتقداتي الدينية وحرثت تاريخ طويل من الذاكرة والإيمان القائم على الأيديولوجيا الطائفية...
ووصلت الى حجم مساحة كبيرة من الغرق في طوفان براكين التمرد، وتوقفت خوفا من الغرق التام... فانا خائف لدرجة الذعر عندما يتعلق الأمر بطرح الأسئلة المتعلقة بالله !
نشأت في أسرة فقيرة غير متعلمة أمية، وتواثت عنها عقيدتي الدينية الاسلام والمذهب الشيعي مثل جميع البشر في كل كافة الأديان الذين توارثوا معتقداتهم، وعن طريق هذه الوراثة أصبحت متدينيا بدوافع الخوف من جحيم عذاب نار جهنم، ولم تكن صورة الله واضحة عندي، بل كنت مثل أكثر ابناء الطائفة الشيعية أعبد الأئمة الاثنى عشر الذين يطلق عليهم أهل البيت من أسرة الرسول محمد، وكذلك كنت مثل غالبية الجهلاء والمتخلفين الشيعة أعبد رجال الدين الذين يحتلون مرتبة المرجع الذي أقلده في كل شيء كتبه في كتابه الذي يسمى رسالة عملية مدون فيها الاحكام الفقهية الدينية من وجهة نظره الشخصية والتي تكتسب لدى اتباعه صفة القدسية التي حتى تفوق قدسية القرآن نفسه، والشيء بالشيء يذكر اكثرية ابناء الطائفة السنية يعبدون الرسول والصحابة وليس الله!
كنت لاأعرف من هو الله بسبب التخلي عن تفكيري وعقلي وغياب الوعي النقدي في مساءلة احكام وعقائد الدين، والانقياد الأعمى الى سلطة رجل الدين المرجع والانغماس المتعصب في الانتماء الى عقائد طائفتي... تصور وصل عندي مستوى التخلف الى أنني كنت مؤمناً ان جميع البشر هم كفار وسيحرقون في نار جهنم لانهم ليسوا شيعة، وكان تعاملي مع الناس على أساس طائفي غير انساني للأسف شديد، ولعل تدرك بشاعة الطائفية جيدا بأعتبارك لبنانيا مازال يحترق بنارها، لدى السنة ايضا هذا الفكر التكفيري للآخرين كالوهابية وغيرها!
وخلال سنين حياتي كنت أعزز تعصبي الطائفي بالمزيد من قراءة الكتب الطائفية بهدف الاستعداد لخوض الجدالات مع اتباع الطائفة السنية والانتصار عليهم على أمل النجاح في تغيير عقائدهم الدينية وكسبهم الى طائفتي، وطبعا لم يكن الله حاضرا في كل هذه الممارسات، بل كانت تطغى على تفكيري ومشاعري وسلوكي أيديولوجيا التعصب الطائفي والأعتقاد بأنني من اتباع الفرقة الناجية التي تحتكر الإيمان والحقيقة، وان كافة من يختلف معي هو مخطيء وعلى ضلال، وهذا الشيء مؤكد موجود ايضا لدى جميع المتعصبين الجهلاء من اتباع المذاهب والأديان الاخرى، فطبيعة التعصب واحدة لاتختلف من شخص الى آخر، وهي متشابهة منذ بداية الخليقة وحتى نهايتها، اذ ان كل انسان متعصب يتوهم ان طائفته أو دينة هو الذي يمتلك الحقيقة المطلقة والإيمان الصحيح والبقية على خطأ وكفرة!
بعد تهاوي التعصب في داخلي وانهياره وطرده من فكري، وبعد انتقالي الى في تحولاتي الفكرية والدينية الى مرحلة عزل الاديان وفصلها عن الله، والنظر اليها بأعتبارها منتوج بشري اوجده الافراد والجماعات لتلبية حاجاتهم الروحية لإيجاد معتقدات دينية تمنحهم الطمأنينة وتطرد عنهم الخوف، وتجعلهم يشعرون بالأنتماء الى قوى عليا مطلقة قادرة على كل شيء هو الله.. بعد مرحلة فصل الأديان جميعا عن الله هذه.. بدأت أتعرف على إلهي الخاص بي واخذت صورة الله تتضح في وعيي كرمز للنظام الكوني الدقيق والقدرة المطلقة والرحمة والحب والجمال والسلام والعدالة... لاأدعي أنني عرفت كل شيء عن الله، ولكني بعد تخطي حقبة التعلق بالدين أصبحت أكثر إيماناً بالله الذي شوهت صورته تلك الاديان والمذاهب جميعها.
ولأنني أتعامل مع مستقبل غامض مجهول هو الموت، فانا أرتجف من الرعب ولاأعرف على وجه اليقين مصيري وطبيعة حياة ما بعد الموت.. ولابد من التشبث هنا بالإيمان والأمل بالحصول على محبة الله ورحمته، ولهذا دائما تجدني أكافح كي لاأسقط في هاوية الفراغ، وأتعمد وقف الأسئلة الخاصة بطبيعة الله وماهيته فهو سر الأسرار، وحتى لو كان الدافع هو الحب والإيمان لمعرفة طبيعة الله فأن هذا النوع من الحب مدمر وقاتل للطمأنينة والسلام الداخلي في حال سمحنا لأنفسنا بطرح ما يحلو لها من الأسئلة حول الله، بينما نحن -اقصد الوعي البشري عموما - لانملك الأجوبة الكافية وبالتالي لابد من الإيمان والتسليم وليس خوض الجدالات في ماهية الله ووجوده.
وما بين اغراءات الحرية.. وبين الحاجة الى الطمأنينة والسلام، أعيش حياتي وانا خائف من مفاجآت المستقبل وماذا يخبيء لي من تحولات فكرية وروحية ودينية !