RE: خلق الإنسان الأول (نظرية جديدة)
و القول بوجود بشر مع آدم عليه السلام يحل إشكاليتين كبيرتين , ألا وهما :
1- إشكالية الزواج : فكما جاء في الروايات أن حواء كانت تلد في البطن ذكر و أنثى , وكان ذكر البطن يتزوج أنثى البطن الأخرى , ولكن هذا لا ينفي أنهم لا يزالون أخوة , وهذا الذي استطاع مؤلفو الروايات أن يجدوه لحل هذه الإشكالية , أما نحن فنقول بكل سهولة أنه كان يوجد مع آدم عليه السلام بشر آخرون , وكان الأولاد يتزواجون بطريقة طبيعية بدون الحاجة إلى الزواج من الأخوة , و توجد العديد من الروايات الشيعية التي تنفي أن يكون أولاد آدم قد تزوجوا من أخواتهم , وروي ذلك أيضا عن أبي مسلم الأصفهاني الذي قال أن الله أنزل لهم حوريات من الجنة للزواج .[1]
2- إشكالية تنوع البشر .
فنحن نجد من البشر الأبيض والأسمر و الأصفر و الأحمر والزنجي , فكيف تنوع هؤلاء إلى هذا الحد طالما أن أصلهم من واحد ؟ أما القول بوجود بشر مع آدم عليه السلام , فإن هذا يحل المشكلة , والله أعلم .
و بما أننا نتحدث عن خلق الإنسان لا بد أن نعرض لقوله تعالى " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف : 172] "
حيث أن كل أهل الأثر تقريبا يقولون أن المراد من " بني آدم " هو آدم عليه السلام .!!!
و نحن نقول إن المراد هو ذرية آدم المباشرة وليس آدم نفسه كما تقول الروايات , فمن العجب العجاب أن الله تعالى يقول " بني آدم " , ونجد الرواية تأتي فتقول هو آدم ذاته وتقبل الرواية ويتمحك في تأويل القرآن حتى لا ترد الرواية , فإذا لم يكن هذا هو التنطع فماذا يكون , ومتى نرد الروايات التي تخالف القرآن إذا لم ترد هذه الروايات ؟
, ونعرض للقارىء هنا نموذجا من الروايات التي أوردوها في تفسير هذه الآية :
" روى مسلم بن يسار الجهني أن عمر رضي الله عنه سئل عن هذه الآية فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال : « إن الله سبحانه وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون » فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال عليه الصلاة والسلام : « إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار » وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة من ذريته إلى يوم القيامة » وقال مقاتل : « إن الله مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر تتحرك ثم مسح صفحة ظهره اليسرى فخرج منه الذر سوداء كهيئة الذر فقال يآدم هؤلاء ذريتك .
ثم قال لهم : { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى } فقال للبيض هؤلاء في الجنة برحمتي وهم أصحاب اليمين ، وقال للسود هؤلاء في النار ولا أبالي[2] وهم أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة ثم أعادهم جميعاً في صلب آدم » ، فأهل القبول محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال ، وأرحام النساء . وقال تعالى فيمن نقض العهد الأول { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ } [ الأعراف : 102 ] وهذا القول قد ذهب إليه كثير من قدماء المفسرين كسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وعكرة ، والكلبي ،" اهـ
ولقد ضعف الشيخ الألباني هذا الحديث بسبب سنده !!! , ولو كان السند صحيحا لقبلوه على الرغم من المخلافة الصريحة للنص القرآني , وبطبيعة الحال أخذ أهل الأثر بهذه الرواية قاطبة , ولكن المعتزلة لم يقبلوا هذه الرواية فردوها لمخالفتها الصريحة للقرآن , ونحن نردها كذلك لأن :
الآية تقول : { مِن بَنِى ءادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ } و لا شك أن قوله : { مِن ظُهُورِهِمْ } بدل من قوله : { وَإِذْ أَخَذَ } فيكون المعنى : وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم فقط . وعلى هذا التقدير : فلم يذكر الله تعالى أنه أخذ من ظهر آدم شيئاً , وطبعا التقديم هنا ليفيد الحصر فلا يدخل آدم مثلا في هذه العملية وحتى لا يظن أن هذه العملية تحدث مع جميع أبناء آدم , بل هي حصلت مع أبنائه الصلبيين فقط .
و كذلك : أنه لو كان المراد أنه تعالى أخرج من ظهر آدم شيئاً من الذرية لما قال : { مِن ظُهُورِهِمْ } بل كان يجب أن يقول : من ظهره ، لأن آدم ليس له إلا ظهر واحد ، وكذلك قوله : { ذُرّيَّتَهُم } لو كان آدم لقال ذريته .
الحجة الثالثة : أنه تعالى حكى عن أولئك الذرية أنهم قالوا : { إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا من قبل } وهذا الكلام يليق بأولاد آدم ، ولا يليق أن يكون محكيا عنه عليه السلام لأنه عليه السلام ما كان مشركاً .
أما كيف تمت عملية الأخذ فهذا ما لا نعلمه ونفوض فيه إلى الله , و لكن الغرض من العملية هو واضح وهو الإشهاد .
أما لماذا حدثت مع بني آدم و لم تحدث مع أبيهم , فالذي نراه أن آدم اصطفاه الله دونا عن باقي البشر , فكانت فيه مزية معينة بهذا الإصطفاء , و مع مجيء ذريته استجد عليهم أمر يستحق هذا الأخذ , فهم إما فقدوا شيئا من أبيهم وإما اكتسبوا شيئا ما كان ينبغي لهم أن يكتسبوه , فحدثت لهم عملية الأخذ هذه , ولا نقول أن عملية الأخذ هذه كانت عملية تعديل جيني أو ما شابه كما رأى بعض الأخوة , فالله أعلم بما حدث وكيف حدث , ولكن كل ما نود قوله أنه تم حدوث عملية معينة لأولاد آدم وليس لآدم نفسه وبسبب هذه العملية تمت إقامة الحجة على الناس إلى يوم القيامة , فلا يولد إنسان إلا و الحجة مقامة عليه بعدم الشرك أو الكفر بالله , والله أعلم .
لا بد من الانتباه إلى أن آدم عليه السلام و من كان معه في هذه المرحلة كانوا يرون الملائكة , والدليل على هذا قوله تعالى " فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [طه : 117] "
فلو لم يكن آدم يرى الملائكة – و إبليس كان واحدا منهم كما أسلفنا الذكر - , لكانت الإشارة بقوله تعالى " هذا " فاقدة الدلالة , فالإشارة لا تكون إلا مع وجود مشار إليه , فيحتم هذا أن آدم و من معه كانوا يرون الملائكة , الذين كانوا يعلمونهم أشياءا كثيرة .
و أيضا الدليل على أنه كان يرى إبليس لعنة الله عليه , قوله تعالى " وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف : 21] " , فهذا دليل على أن إبليس كان ظاهرا لآدم , و إلا كيف أقسم لهما ؟ إذ لا يعقل أنه قاسمهما في الوسوسة .
وطبعا هناك أدلة أخرى كثيرة على دور الملائكة و أن البشر كانوا يرونهم , ولكن هذا سنعرض له عند الحديث عن التأويل التاريخي للقرآن , والله المستعان .
إذا نخرج من هذا المبحث أن آدم عليه السلام لم يكن وحيدا , وأنه خلق من الأرض و لكن بطريقة طبيعية وليس بطريقة إعجازية , وذلك عن طريق الخلق في الأرحام الأرضية , وبعد ذلك اصطفاه الله واختاره ليعلم البشر , و أن ما يقوله السادة العلماء في تأويلهم للآيات لا يتفق مع القرآن , ونخرج بأن القرآن أعطى تصورا كاملا متكاملا غير منقوص أو أدبي لا مقابل له , وعلينا أن نسير في الأرض لننظر كيف بدأ الخلق والله أعلم .
تم ولله الحمد والمنة ووقانا الله الزلل .
[1]و نذكر هنا رواية عن الإمام جعفر الصادق تنفي هذه الخرافة وخرافة أخرى هي خلق حواء من ضلع آدم الأيسر حيث تقول الرواية " سأل رجل جعفر الصادق : كيف بدأ النسل من ذرية آدم فإن عندنا أناسا يقولون : إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يزوج بناته بنيه , و أن هذا الخلق كله أصلهم من الأخوة والأخوات , فقال الإمام جعفر الصادق : سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا , يقول من يقول ذلك أن الله عزوجل جعل أصل صفوة خلقه و أحبائه و أنبيائه ورسله والمؤمنين والمسلمين والمسلمات من الحرام , ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال , وقد أخذ ميثاقهم على الطهر والحلال والطيب ؟ قال زراره ثم سئل عليه السلام عن خلق حواء , وقيل له إن أناسا عندنا يقولون : إن الله عزوجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى , قال سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا , يقول من يقول هذا , أن الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجا من غير ضلعه , وجعل لأهل التشنيع سبيلا إلى الكلام , يقول إن آدم كان ينكج بعضه , إذا كانت من ضلعه , ما لهؤلاء , حكم الله بيننا وبينهم ." اهـ
[2] في الحديث ترسيخ واضح لعقيدة الجبر .
|