السد العالي سيصمد أمام تهديدات اسرائيل!

يقول المهندس سعد نصار رئيس هيئة أو جمعية بناة السد العالي لـ "الصنارة" في هذه المقابلة الحصرية والأولى لصحيفة خارج مصر: "شاركت في بناء السد منذ تخرجي من كلية الهندسة في جامعة الاسكندرية يوم 4 اكتوبر سنة 1960 واستمر عملي فيه حتى يناير 1970حيث قرب انتهاء العمل في السد. وكنت موظفاً في هيئة بناء السد، وقد اخترت أن أنتقل الى وزارة الري للعمل تحت اشراف المهندس ابراهيم القيناوي رحمه الله الذي كان العقل المفكر للسد العالي. كنت من أصغر المهندسين العاملين في السد، اذ كان عمري آنذاك25 عاماً تقريباً".

وعن فكرة بناء السد يقول المهندس نصار:"بدأت الفكرة في نهاية الاربعينيات من القرن الماضي، وهي بالأصل فكرة المهندس الزراعي ادريان دانينوس وهو مصري من أصل يوناني او "يوناني متمصر"، وتتلخص فكرته بضرورة إنشاء سد عند اسوان لتخزين المياه، خاصة أن سعة خزان اسوان القائم لم تكن تتجاوز الـ 5 مليارات متر مكعب مياه في السنة وهناك ضرورة لتفريغ الخزان قبل الفيضان الجديد. وهذا الخزان بسعته لا يتناسب مع احتياجات مصر المقبلة".

وأضاف نصار:" ان الحديث هو عن خزان اسوان او سد اسوان القديم الذي انتهت المرحلة الأولى من بنائه سنة 1902 وتمت تعليته لزيادة سعته سنة 1912 والتعلية الثانية تمت سنة 1932. ولذلك كان لا بد من البحث عن توسيع السد. ومن هنا جاءت فكرة المهندس ادريان لبناء سد اضافي اكبر وأوسع وأعلى وليس على الخزان القديم أو على السد القديم. وقد تمت الاستفادة من السد القائم خاصة لتوليد الكهرباء".

"الصنارة": وكيف عرضت هذه الفكرة على القيادة المصرية الجديدة بعد الثورة؟نصار: المهندس ادريان تقدم بفكرته أولاً للحكومة المصرية في سنة 1946 لكن هذه الفكرة لم تلق ترحيباً او حماسا من المسؤولين في وزارة الاشغال العامة المسؤولة والمعنية بالأمر ولذلك تنازل عنها.

وعند قيام ثورة يوليو سنة 1952 اعاد المسؤولون في الوزارة التفكير مرة أخرى وعرضوا المشروع على الرئيس عبد الناصر الذي تحمس له وتبناه، وقدمه الى مجلس الانتاج القومي الذي بدوره عرض الأمر على مجموعة من ذوي الخبرات الأجانب (أمريكان وفرنسيون وانجليز) والمصريين فكان ردهم في تقرير مفصل قدم لحكومة الثورة سنة 1954 محتواه ان هذا المشروع ينطوي على فائدة اقتصادية كبيرة جداً بالنسبة لمصر. فتقرر البدء بالتفكير والتخطيط للمشروع في عهد الثورة.

"الصنارة": بنظرة الى الوراء، ماذا قدم السد العالي لمصر؟نصار: مشروع السد العالي قدم لمصر الكثير من الفوائد أهمها زيادة الرقعة الزراعية بحوالي مليون ونصف مليون فدان وزيادة المساحة المزروعة بالأرز بحوالي 700 الف فدان، وتحويل طمي الحياض وهي الاراضي القائمة في محافظات سوهاج والقنا وأسوان التي كانت تزرع مرة في السنة فقد تم تحويلها الى الزراعة بالري الدائم طيلة ايام السنة. وقد حمى السد مصر من الجفاف ومن الغرق بسبب الفيضانات.

اضف الى ذلك طبعاً توليد الكهرباء بقوة 10 مليارد كيلواط / ساعة سنوياً وهو ليس بالرقم القليل. وكانت هذه الكمية في بداية تنفيذ مشروع السد العالي تغطي 30% من القدرة الكهربائية المولدة في مصر. وطبعاً هذه النسبة تقلصت بعد اقامة وتشغيل المحطات المولّدة حرارياً والتي تعمل بالبترول والغاز لتواكب النهضة الصناعية التي انطلقت في مصر بعد إنشاء السد العالي وبفضله.

"الصنارة": نفهم أنه ليس لدى السد امكانية لانتاج كهرباء تكفي وتغطي كل مصر؟نصار: هو يساهم بجزء كبير من القوة الكهربائية المستهلكة لكنه لا يغطي كل الجمهورية. وقد نقصت حصته من 30% الى حوالي 10%لسبب انشاء محطات جديدة في أنحاء اخرى من الجمهورية، ومن اساسه كان معروفاً أن السد سيغطي نحو 30% من حاجة الدولة من الطاقة الكهربائية. وقد تمت اقامة محطات توليد في مناطق قناطر نجع حمادي، الى جانب ذلك كله فأن السد العالي كان بمثابة مدرسة تخرج منها آلاف المهندسين والفنيين والعمال الذين اكتسبوا خبرات جديدة لم يكن لنا بها سابق عهد.

"الصنارة": ما هي هذه الخبرات؟نصار: مثلاً إنشاء الأنفاق، ففي محافظة الفيوم مثلاً قامت كتيبة الأنفاق التابعة لهيئة انشاء السد العالي، بشق نفق وادي الريان. فهذه المحافظة لديها مشكلة في الاراضي الزراعية المنخفضة حيث كانت مياه الصرف تصب في هذه المنطقة لانخفاضها، وتصب في بحيرة قارون مما ادى الى ارتفاع منسوب مياهها وادى الى مشاكل في التربة الزراعية. فكان الحل أنه يجب خفض منسوب المياه في بحيرة قارون بالقاء جزء من مياهها في منخفض وادي الريان. وتم انشاء نفق سحب جزءاً من المياه من بحيرة قارون وقذفها في وادي الريان.

"الصنارة": اضافة الى توليد الكهرباء لماذا لا يحل تخزين المياه في السد ازمة الجفاف او استهلاك المياه في مصر؟نصار: هذا ما تسعى اليه مصر من خلال التفاوض لزيادة حصتها من مياه النيل. فعند انشاء السد العالي كان نصيب الفرد في مصر اكثر من 1000 متر مكعب في العام والآن تراجعت هذه الكمية الى حوالي 700 او 800 متر فأصبح من الضروري زيادة الحصة لتغطي التوسعات والمشروعات القائمة. وهذا ما يتم التفاوض حوله مع دول الحوض.

"الصنارة": هذا يعني ان السد لا يغطي حاجة مصر من المياه؟نصار: هو يغطي كل احتياجات مصر من المياه سواء كان مياه الري ام مياه الشفة والشرب. ولكن اذا ما ازدادت الحاجة فأن ذلك سيمس في امكانية استصلاح الاراضي في الناحية الغربية- الصحراء ومنطقة غرب الدلتا لتي كانت سلة مصر من الحبوب. طبعاً كل هذا يضاف الى ما تم استصلاحه من مئات الاف الفدادين التي تتم زراعتها اكثر من موسم سنوياً بواسطة الري في كل انحاء الجمهورية.

وذلك من خلال استغلال المياه المجمعة في بحيرة ناصر التي تستعمل مياهها للري اضافة الى استغلالها للملاحة البحرية، وطول بحيرة ناصر هو 500 كم منها 150 كم في السودان وعرضها بين 10 و15 كم وتستوعب 164 مليار متر مكعب من المياه.

"الصنارة": لو تطلعنا الى الجانب السياسي، ماذا قدم السد العالي لمصر سياسياً؟ وماذا كان يعني قرار بناء السد بالنسبة للقيادة المصرية الشابة آنذاك؟نصار: كانت الفكرة بعيدة النظر في مواجهة الزيادة السكانية الرهيبة التي تعاني منها مصر. حيث كل سنة يزداد تعداد السكان بأكثر من مليون نسمة. فكان لا بد من بدء العمل بخطة تنمية لمواجهة هذه الزيادة ووضع تصور لمستقبل التنمية في مصر من خلال بناء السد العالي. هذا اضافة الى أن القرار هو قرار مصري صميمي مئة بالمئة وصادفه وواجهه الكثير من المصاعب والمتاعب السياسية والاقتصادية والعسكرية، فبعد رفض او سحب البنك الدولي عرضه للمشاركة في تمويل المكوِّن الاجنبي لم يكن امام مصر الا التفكير الجدي في إنشاء السد. وهذا ما دفع بالرئيس عبد الناصر الى تأميم القناة ثم الاتجاه نحو الكتلة الشرقية للمساعدة في تنفيذ المشروع ، وقدم الاتحاد السوفييتي قرضين بقيمة 114 مليون جنيه تم تسديدهما بفائدة بسيطة جداً قدرها 2.5 بالمئة سنوياً. وساهم القرضان بتمويل المشروع الى جانب ايراد قناة السويس. ومن هنا تم التغلب على الناحية الاقتصادية لتنفيذ المشروع. وطبعاً الغرب لم يعجبهم هذا الأمر فقاموا بشن العدوان الثلاثي على مصر في اكتوبر 1956 رداً على تأميم قناة السويس وتوجه مصر للكتلة الشرقية لشراء السلاح منها وتمويل بناء السد.

"الصنارة": كشاهد على الحقبة، حقبة بناء السد، كيف تقيم التعاون المصري السوفييتي في تلك المرحلة؟نصار: التعاون المصري السوفييتي بلغ ذروته في اثناء وخلال تنفيذ المشروع. وكان ذلك في كل نواحي ومراحل المشروع وهذا كان ملموساً من الجميع. ولم يكن مستغرباً ابداً. وقد تم انشاء مجسم رمزاً للصداقة المصرية السوفييتية، في موقع المشروع تأكيداً للعلاقات وللتعاون الذي حصل بين البلدين والشعبين خلال سنوات بناء السد. وهذا الرمز عبارة عن زهرة لوتس من خمسة فروع بطول نحو 72 متراً موجودة في موقع السد.

"الصنارة": تعرض السد في مرحلة معينة لهجوم مصري؟نصار: هناك شائعات كاذبة تخرج من وقت لآخر من أوكار بعض المعارضين والمشككين بجدوى السد العالي، لكن السد، ها هو عال وصامد في موقعه ويؤدي واجبه سواء بالنسبة للري أم بالنسبة لمخزون المياه او الكهرباء المولَّدة. ووزارة الري ووزارة الكهرباء تقومان بين فترة وأخرى بدعوة الكثير من الهيئات الأهلية والصحفيين ومنظمات الشباب لزيارة السد العالي لاطلاعهم على حقيقة السد ولكشف كل الافتراءات حوله.

"الصنارة": وكيف تفسر اذن عدم وجود سنة احتفالية بمناسبة الذكرى الخمسين لبدء مشروع السد ويكاد يمر هذا الحدث عادياً؟نصار: الى حد كبير هذا الكلام صحيح، ولكننا بدورنا كجمعية بناة السد العالي وبمشاركة وزارتي الكهرباء والري والجانب الروسي أقمنا هذا العام احتفالية كبيرة في اسوان وستنظم احتفالية كبيرة في القاهرة في المركز الثقافي الروسي يوم 15 فبراير بمناسبة الذكرى الخمسين لانطلاق العمل في السد العالي. وقد أخذ السد العالي هذا العام حيزاً طيباً من الإعلام وهو ما لم يحدث في سنوات سابقة.

"الصنارة": ما قصدته هو أن مصر الرسمية غائبة عن احتفاليات الخمسين لبناء السد؟نصار: الاحتفال الذي نُظم في أسوان حضره وزير الري وممثل لوزير الكهرباء والعديد من المسؤولين المحليين والتنفيذيين لكننا كنا نطمع بتمثيل اكبر وبصك عملة تذكارية مثلاً أو طابع بريدي تذكاري، لكن للأسف لم نجد استجابة من المسؤولين رغم تقدمنا باقتراحات.

"الصنارة": عندما تقول للمواطن المصري العادي "السد العالي" ماذا يذكر، هل يذكر عبد الناصر أم الاتحاد السوفييتي؟نصار: لا ينفصم دور الاثنين أبداً وهذان الاسمان متلازمان بالنسبة لهذا الحدث، ولهذا الانجاز. فجمال عبد الناصر هو صاحب القرار والاتحاد السوفييتي ساعد على التنفيذ وهو الذي مَدّنا بالخبرة الفنية التي كانت تعوزنا في هذا المجال.

"الصنارة": هل السد محصن وثابت هندسياً وقادر على مواجهة عوامل طبيعية مثلاً؟نصار: السد مكوّن من ركام الغرانيت والرمال والطين الاسواني وهذه المواد بمجملها تشكل جبلاً قادراً على مواجهة اي شيء.

"الصنارة": حتى القنبلة النووية؟نصار: اذا كانت القنبلة النووية قادرة على تدمير كل شيء فأشك أنها قادرة على تدمير السد أو لنقل المسّ به. وأقصى ما يمكن ان يتأثر من ذلك هو محطة لتوليد الكهرباء فقط مثلاً. وكلي ثقة أن الوسائل الدفاعية المكثفة حوله تمنع الوصول اليه لا بل تجعل ذلك امراً مستحيلاً.

"الصنارة": في اسرائيل هناك وزير اسمه ليبرمان هدد بقصف السد نووياً وتدميره؟نصار: مثل هذه التهديدات والأقاويل لأي مسؤول اسرائيلي لا نأخذ بها، فمصر لم تنشيء هذا السد العالي ليكون صيداً سهلاً لإسرائيل. فالسد العالي تحميه مصر ويحميه جيش مصر ولن ينال منه الاعداء. وهو قادر من الناحية الهندسية على الصمود أمام ما تهدد به اسرائيل. وهو قادر وقادر وقادر ولن يتأثر هندسياً بأي شيء من هذه التهديدات مهما بلغ زعيق ليبرمان وغيره من هذه الأسماء.

معجزة السد العالي بالارقام

كمشروع قومي حقق السد العالي معجزات تفوق كل التصورات ويصنّف كأحد اعظم المشروعات التي أنشئت في القرن الماضي عالمياً. فقد استخدم في بنائه 43 مليون متر مكعب من الصخور والرمال والطين الاستوائي بمعدل 17 مرة في حجم الهرم الأكبر ليعتبر من أكبر السدود الركامية في العالم، وهو سد ركامي يقفل مجرى النهر تماماً، ويبلغ طوله عند القمة 3820 متراً، منها 520 متراً بين ضفتي النهر، والباقي على شكل جناحين، الأيمن بالضفة الشرقية بطول 2550 متراً والأيسر بالضفة الغربية بطول 750 متراً، وعرضه عند القاع 980 متراً، ويتدرج على هيئة هرم حتى يصل عند القمة الى 40 متراً، اما ارتفاع السد فيبلغ 111متراً فوق قاع النهر بين منسوبي 85 و196 متراً، ويمكن أن يمر من خلاله تدفق مائي يصل الى 11000 متر مكعب من الماء في الثانية الواحدة.

ويتوسط جسم السد نواة مانعة لتسرب المياه من الطين الاسواني، تخترقها ثلاثة ممرات خَرَسانية تركب بها أجهزة لقياس حركة جسم السد وللقيام بأعمال الصيانة الدائمة.

ولما كان قاع النيل أسفل جسم السد مكوناً من طبقات رسوبية، فقد تم عمل ستارة رأسية قاطعة لمنع تسرب المياه أسفله، تمتد لمسافة 140 متراً حتى الطبقة الصخرية، هذه الستارة هي الأكبر من نوعها في العالم، إذ يصل حجم التربية المحقونة مليون و520 الف متر مكعب.

ويتم نقل المياه من أمام السد الى خلفه عن طريق قناة التحويل بطول 1950 متراً، وتتكون من قناة أمامية وأخرى خلفية تصل بينهما ستة أنفاق رئيسية بطول 283 متراً للواحد وقطر 15 متراً تم حفرها أسفل الجناح الأيمن للسد، وتسمح بمرور تصرف قدره مليار متر مكعب/ اليوم. ومداخل ومخارج الأنفاق مزودة ببوابات للصيانة والتحكم في تصرفاته كذلك بموانع للأعشاب.

وقبل نهايته يتفرع كل نفق الى فرعين، مركب على كل منها توربينة "12وحدة طراز فرانسيس" تنتج طاقة كهربائية تقدر بـ 10مليارات كيلووات ساعة سنوياً، تسهم في توازن سعر الكهرباء في مصر.

الجهات التي أسند اليها بناء السد العالي

أسهمت ثلاث جهات بصفة أساسية في التنفيذ وهي: الهيئة العامة لبناء السد العالي، وشركة المقاولون العرب وشركة مصر لأعمال الأسمنت المسلح، ومع هذه الجهات تعاون الخبراء والمهندسون والفنيون السوفييت البالغ عددهم 400 مع نظرائهم المصريين، بكل جدية وإخلاص لإنجاز هذا العمل الضخم في موعده، وفي ظل دعم غير محدود من القيادة السياسية. ولا يمكن إغفال دور القوات المسلحة المصرية التي شاركت بمجموعة من رجالها تولوا تسيير بعض القطاعات مثل المعدات والإمداد والتموين والخدمات الطبية، ايضاً لعبت وزارة النقل دورآً مهماً بمد خط للسكك الحديد الى محجر الرمال بالشلال ثم لموقع العمل وميناء السد العالي لخدمة العاملين بالمشروع ونقل معدات ومواد الإنشاء المختلفة خاصة من ميناء الاسكندرية ومنطقة حلوان.

http://www.sonara.net/articles.php?ID=32785