{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أوراق العمر
Leftism oriented غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 3
الانضمام: Jun 2010
مشاركة: #3
10/6/2010
الخميس 10/6/2010..

الشارع في سكون.. ظلامه دامس، وأنا أسرع بخطواتي ربما استطعت اللحاق ببرنامجي المفضل من بدايته..

ليس هذا طريقي المعتاد، وإنما قادني إليه زحام حفل زفاف أغلق الشوارع المؤدية إلى شارعنا فاضطررت إلى الالتفاف.. ولا هو توقيت عودتي، يوم الخميس بالذات، وإنما أخرني ذهابي مجاملة بصحبة زملاء أصروا على دعوتي على ما أسموه طعاماً جميلاً ورحت إكراماً لواحد منهم يعاني ظرفاً اجتماعياً قاسياً وقد فرحت لأنه سيخرج قليلاً من دائرة وحدته..

هناك، بحي شعبي جداً، أكلنا عند أحد المشهورين. تناولت شيئاً قليلاً لأنني أعرف أن ما نتناوله ضار حتماً وإذا كانت مطابخ فنادق الخمس نجوم غير آمنة فهنا كارثة محققة. رحت أطعم قطة بائسة مع الحرص ألا تلمسني، وبذلك حققت أهدافي جميعاً بضربة واحدة: فقد أشبعت إشفاقي الحقيقي على تلك القطة التي لا تشبه القطط من فرط بؤسها، وقللت من حجم ما تناولته من هذا الصنف الخطر، وهربت من مشاركتهم أحاديثهم دون أن أتعرض لإحراج كبير بل ومنحتهم بعض التسلية بمشاهدة ما أفعل !

دخلت الشارع ولم أكن منتبهاً تماماً لما تهمس به نجاة الصغيرة في أذني لأن عقلي كان شارداً أفكر في موقف سخيف، على بساطته، تعرضت له أثناء يوم العمل أصابني ببعض الإحباط..

[ وفق قوانين العمل بمصر كفاءتك وحدها لا تكفي.. تحتاج بجانبها إلى مقومات أخرى لتحقق مكانة لائقة وهي مقومات غير أخلاقية من عينة النفاق والمداهنة والعمل جاسوساً متخصصاً في ضرب الأسافين وغير ذلك من حقير السلوكيات. أنا أحاول أن أتفانى في عملي وأحتفظ بعلاقة طيبة مع الجميع لا تتعارض مع امتناعي عن المسلك الجماعي المشين وتحميني من غدر المتربصين.. هي مسألة صعبة جداً ولكنني قادر عليها رغم عدم تكافؤ المعركة، ولذا من الطبيعي أن يصيبك سهم حقود بخدش أو جرح ابتغاء لسقوط درعك ليكن صدرك خالياً مهيأ لاستقبال قاضية.. وأنا حريص على اجتناب شيء كهذا ]

قبل خروجي إلى النور دهمتني دراجة بخارية وكادت أن تصدمني، وحاول قائدها النزول ووضح من تألمه أن أذى قد أصابه..

---

- مالك.. انتا كويس.
- آه.. مش قادر.
- معلش.. على مهلك هات إيدك..

خلق شاب من العدم، وراح يتحدث ويتحرك بما يدل على تعاطيه مخدراً ما، حريص على الوقوف خلفي ويطالبني بأن أعالج هذا المصاب – الذي كاد يصدمني برعونته – وأنا مشغول بحالة هذا المصاب، رغم عدم منطقية وجود إصابة، بدافع من طيبة القلب التي سيتبين لي بعد ثوان أنها تنتمي إلى البلاهة أكثر من أي شيء آخر..

هجم شاب ضخم الجثة ومعه بعض التابعين وتفوهوا بألفاظ بشعة وأمسكوا بالمصاب وأشبعوه ضرباً هو والمتشرد المدمن الذي تحدثت عنه منذ قليل. كنت مذهولاً لا أفهم شيئاً ولم أدرك من سيل السباب البذيء إلا أن الشابين المتشردين من اللصوص وقام الشاب الزعيم بإعطائي هاتفي المحمول الذي تبين أنه سرق مني أثناء انشغالي بالمريض المتألم !

على الضجة أتى عم سيد، وهو شخص طيب يقطن حينا منذ سنوات طويلة ويعرفني ويعرف أهلي، واستغرب تورطي في مشاجرة بين هؤلاء العاطلين فأتى مستفسراً مني فأخبرته ما حدث فإذا به يذهب للزعيم ويخبره أنني ابن ناس طيبين ومحترم فيوجه الزعيم حديثه إلي سائلاً:

- خد منك الموبايل ولا لأ؟ هتيجي تعمل محضر.
- أنا مش متأكد بالظبط هو أخده من جيبي ولا وقع مني في اللخمة دي.
- أنا بقولك ده حرامي.. يا هتقول كدة يا إما مش هديك الموبايل.

حتى اللحظة التي سبقت تلك العبارة لم أكن أدركت إلا أنني تعرضت لحادث سرقة وأن بعض "جيراني" قد تدخلوا شهامة منهم في إنقاذ الموقف وأنني أغلب احتمال أن يكون المدمن قد سرق الهاتف من جيبي إلا أن شكاً ينتابني حيال ذلك وهو ما يمنعني من التأكيد على ذلك بدافع أخلاقي أولاً وإشفاقاً على هذين البائسين مما يمكن أن يحدث لهما في قسم الشرطة..

حتى تلك اللحظة كنت أتوهم أني صاحب القرار؛ قد أصر على العقاب كما نصحني أحد الشباب المحترمين ممن جذبتهم الحادثة وحذرني من الإشفاق على تلك النوعية كي لا يتكرر الأمر مع ضحايا آخرين، أو أن أقرر العفو فيكتفي الشباب الطيب بما فعلوه ويخلوا سبيل اللصين. وعرفت أن الأمر مختلف عما توهمت..

استمر الضرب وكأنه لا وجود لي، وفهمت أن المشكلة أن اللصين يعملان في منطقة لا يفترض الاقتراب منها وأن في هذا تعد وعدم احترام وأن هذا هو أصل المشكل، وقد قرروا العقاب ونفذوه وهو جلد هذين اللصين على الظهر مع الاستيلاء على الدراجة البخارية لحين حضور زعيم منطقة اللصوص لاستلامها، عقاباً له على عدم الاحترام !

كان عم سيد واقفاً بجانبي كي يكون حماية إن تطورت الأمور في غير صالحي، عن طريق استغلال رصيده كرجل مسن يملك محلاً خدمياً يحتاج إليه أغلب سكان المنطقة، مطالباً ألا أتدخل في مسار ما يحدث: "لا ليك في سكة دول ولا سكة دول".. وهو حريص في نفس الوقت ألا يبدو على مظهره التعاطف الشديد معي أو أنه طرف مباشر فهو غير متأكد أن رصيده هذا سيمنع عنه اعتداء أي من الطرفين..

أتى الزعيم ليحسم أمر الدراجة البخارية فقال له عم سيد: "دلوقتي الأستاذ وصيف ممكن يطلع بيته ولو انتا عاوزه في حاجة مش هيتأخر.. ده بعد إذنك يعني"، فرد الزعيم مخاطباً إياي: "اتفضل يا باشا.. موضوعك خلص.. مع السلامة"..

لم أدر كيف حملتني أقدامي إلى البيت وكيف أصبحت داخل غرفتي.. لحسن حظي ساعتها أن انقطعت الكهرباء كي لا يرى أحدهم وجهي بصورته التي كانت. قضيت زمناً لا أدري له قياساً حتى نمت. الظلام يلف المكان ويلف روحي والعدم يجتاح رأسي وانتابني شعور بأنني أعيش فعلياً في عالم آخر لا صلة له بالواقع، وأن غياب المعنى وتفاهة العالم التي طالما تلفظت بها غاضباً حقيقة يقينية كالموت وشروق الشمس وأن يدي لمست دليلاً حقيقياً للمرة الأولى على تفاهة ما في رأسي كله وتفاهة رأسي نفسها وأن الخيار الوحيد لأي عاقل هو ترك لعنة الحياة واختيار الموت والسعي إليه..

استيقظت فشاهدت البرنامج في إعادته لأن الميعاد الأصلي كنت فيه ضيفاً على برنامج آخر، ووجدت الأستاذ يحكي كيف اختلف مع الخالد جمال عبد الناصر حين عينه وزيراً لأنه يرى ألا يحق لأحد، ولو كان رئيس الجمهورية، أن يتحكم بمصيره ومستقبله.. فأصابتني الحلقة على جمالها بكآبة إضافية، لأسباب واضحة..

[ من أجمل ما أنتظره في حلقات الأستاذ الجانب الشخصي الذي قلما يتطرق إليه ]

---

صنعت كوب شاي وفتحت موقع Facebook لأجد جريمة قتل الشاب خالد سعيد على يد مجرمين من الشرطة، تلك الجهة التي كان يفترض أن تجلب لي حقي لو كان الزعيم أصر بالأمس على الذهاب للقسم !

تراكم ما سبق كله وترك أثراً ثقيلاً في نفسي..

بخلاف ترسخ قناعتي أن تلك البلد مقبرة ضخمة وأن الهرب منها لا سبيل سواه رغم صعوبته الجمة.. رأيتها في وضع جسد سليمان الحكيم.. ميت تحافظ عصاه لجسده على بعض مظاهر الحياة، وأنها هشة وتتآكل وستسقط لتبين الحقيقة ذات يوم، وعندها سيتحكم في حياتي المتشردين بالقوة العارية أو المستترة خلف الذقون والإرهاب الديني !

ورغم انقطاع الصلة المباشرة بما حدث رأيت حياتي كلها بغير قيمة يمكن تلخيصها في عبارات معدودة: صبي اكتشف أن حياته الخاصة خربة لانعدام التواصل بينه وبين المحيط كله وأن لديه شيئاً يميزه، فرأى المنطقي أن يستغل ما بين يديه ليجني ما ليس فيها واعتبر ذلك حقاً له تسانده السماء وتباركه وستحققه له إن اجتهد هو وعمل ما عليه. تعرضت خطته تلك لضربات تبدو في ظاهرها من فعل السماء نفسها وتكاثفت حتى أجهضتها فأدار ظهره للسماء حانقاً وعلم أن جهده لا يزال ضرورياً ولكن لهدف لا يمت للسمو بصلة هو شراء الطعام، فغمره إحساس الضياع، ولا يزال ضحيته، يهرب منه ملتمساً أوهام الأرض بعد أن ضاق حيز رأسه بأوهام السماء..

قضيت يومين بائسين، وما وجدت من عزاء في النهاية إلا كتابة تلك السطور ونشرها قبل فجر يوم عمل جديد أخطو إليه على الرغم مني وقد أصاب عمل عقلي الكثير من غموض الرؤية..
06-19-2010, 08:13 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
أوراق العمر - بواسطة Leftism oriented - 06-19-2010, 07:34 PM,
4/4/2014 - بواسطة Leftism oriented - 06-19-2010, 07:54 PM,
10/6/2010 - بواسطة Leftism oriented - 06-19-2010, 08:13 PM

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS