قال تعالى : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.
انتبه إلى الآية (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، التي تعلن عهدا جديدا للبشرية ألا وهو العلم، فهذا العلم ليس للمؤمنين فقط بل للإنسان مطلقا (المهتدي والضال)، وبما أن العلم قسمين : نظري وتطبيقي، فإن النظري للمؤمنين بالقرآن، والتطبيقي لغير المسلمين، فالذي يتعلم الطب لا يتعلمه فقط نظريا بل لا بد من تطبيق النظري تجريبيا على جثة ، والميكانيكي لا يدرس الميكانيكا فقط من الكتب ثم يفتح ورشة لتصليح السيارات بل لا بد من التدريب عمليا ، وهكذا علم كل شيء لا بد أن يتحصل نظريا وتجريبيا.
إذا كان القرآن قد جاءنا بالعلم عن آيات كونية تتعلق بأجرام السماء وسباحتها في أفلاكها وحركة الأرض فغير المسلمين آتاهم من الأسباب ما تمكنهم من بلوغ العلم التجريبي الذي تكون نتائجه متطابقة مع العلم النظري، وهكذا كل نتيجة علمية ثابتة بالبرهان لا يمكن أن تتعارض مع القرآن
دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس حقيقة علمية ثابتة أجمع عليها علماء الفيزياء والفلك، فهل في القرءان ما يصدقهم!!
كتبت ردا في منتدى آخر على من ينكر دوران الأرض فقلت :

السلام عليكم
يقول المثل (حدث العاقل بما يعقل)،القرآن طبق هذه القاعدة إذ يأمر بالتعقل، وبديهي أن الخطاب القرآني يخاطب العاقل بما يعقل، فإذا أخذنا مثلا الآية:
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ.
الخطاب موجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام كمثل للإنسان المؤمن ، أي أن الخطاب يعني كل مؤمن قارئ للقرآن ، إذن يمكن أن أعتبر القرآن في هذه الآية يكلمني فيقول:
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) : إذا عدنا للمثل (حدث العاقل بما يعقل) فإن استعمال (وَتَرَى) يخاطب بها المبصر وليس الأعمى، وهي رؤية محققة بالفعل وليست افتراضية، لو كانت تتكلم عن قيام الساعة حين تدك الأرض وتدمر هي وجبالها فيومئذ لن أكون حيا واقفا على الأرض لأرى الجبال فأحسبها جامدة، كذلك النبي عليه الصلاة والسلام لن يكون موجودا على الأرض ليشاهد ما يجري للأرض والجبال من دمار.
إذن لو كانت الآية تتكلم عن قيام الساعة لأخبر المخاطب مستعملا الرؤية الافتراضية مثل (ولو ترى) بدلا من (وَتَرَى) التي تثبت للمخاطب الرؤية واقعا .
وهكذا يتضح لنا منطقيا وبقاعدة (حدث العاقل بما يعقل) أن الآية (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) تخص مشهدا في الدنيا رآه الإنسان منذ وجد على الأرض وسيراه مادام له في الأرض وجود ألا وهو (الجبال) ،رآها قديما ويراها الآن وسيراها في المستقبل جامدة.
كل إنسان مبصر إذا وقع بصره على دودة تتحرك ببطء فسيدرك أنها تتحرك وليست جامدة فكيف إذا وقع بصره على جبل يمر مر السحاب!!
أيحسبه جامدا في مكانه وهو يمر مر السحاب!!
إن هذا لشيء عجاب وغير معقول لأن (وَتَرَى) تخاطب مبصرا، والمبصر يرى المتحرك متحركا، ولا يمكن أن يرى المتحرك جامدا حتى لو كان هذا المتحرك دودة أو حلزونا.

إذن نقول للمجادل الذي يظن أن الآية تتكلم عن يوم القيامة: حتى لو سايرناك في ما ذهبت إليه فإن التجربة العقلية ستكون مستحيلة عقليا لا تؤيد فهمك، فالمشاهد للجبال التي تمر مر السحاب لن يحسبها جامدة إلا إذا كانت جامدة في ذاتها فعلا أو متحركة بحركة الأرض حول نفسها، مثل إذا كنا نركب طائرة تطير بسرعة 1000 كلم في الساعة فقلت لك يا فلان : إنك تراني تحسبني جامدا في مقعدي بينما أنا أطير بسرعة 1000 كلم في الساعة.
القرآن استعمل لفظا آخر للدلالة على أنها في الدنيا وليست في الآخرة ،وذلك في اختيار الفعل المناسب (تمر) مر السحاب، ففعل (تمر) تفيد الاستمرار (مر، يمر، مرارا، استمرارا)، فدوران الأرض حول نفسها حركة مستمرة إلى أن تقوم الساعة يصح أن يعبر عنه به (تمر)؛ أما عند قيام الساعة فالجبال لن تمر ولكنها ستسير فتكون سرابا، لو كنت تسوق شاحنة محملة بأكوام من التراب والحجارة وأنت تجري بسرعة عالية ثم فجأة فرملت الشاحنة أو لا قدر الله اصطدمت بجدار فإن حمولة التراب والحجارة ستندفع إلى الأمام بقوة فتسير من مكانها لتشتت في الأرض وستبدو بعد ذلك الشاحنة فارغة فبعدأن كانت محملة أصبحت سرابا.
كذلك الأرض إذا توقفت في لحظة واحدة عن الدوران من 1000 كلم في الساعة إلى 0 سرعة فإن الجبال ستسير من مكانها فتصير هباء وتسوى بالأرض فلن نجد مكان الجبل إلا السراب، كذلك المنازل والمباني والناس وكل شيء يتحرك سيتطاير في السماء.

الآية 88 من سورة النمل وصفت المشهد بأنه (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، لا يوصف بالاتْقان إلا الشيء الموجود الذي يؤدي وظيفته على أتم وجه، وليس الشيء الذي تم تدميره ولم يعد له وجود، وكان هذا دليل آخر على أن الآية تتكلم عن الجبال في الدنيا وليست الآخرة.
حين أنزلت سورة النمل التي فيها (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) كانت معارف الناس بمن فيهم المسلمون لم يتوصلوا إلى إدراك دوران الأرض ، ومن الطبيعي إذن أن يحسبوا الآية 88 تصف حركة الجبال عند قيام الساعة، والله تعالى يعلم ذلك وأنهم سيفهمون الآية فهما مخالفا للحقيقة لذلك ختم سورة النمل بقوله : وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
أي أن فهم تأويل آيات سورة النمل بما فيها الآية 88 لن تعلموا تأويلها في العهد النبوي وإنما في المستقبل سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ .