إذا عدنا إلى سورة النمل فسنجد أن الآية 88 جاءت تفصيلا للآية 86 ، يقول تعالى : أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
الآية كأنها تتعجب من الذين كفروا كأنهم لم يروا أن الله جعل الليل لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا الليل !!، والحقيقة أنهم رأوا أكثر من ذلك، رأوا الكيفية التي جعل بها الله الليل سكنا وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا وذلك ليس بدوران الشمس حول الأرض ،بل الأرض هي التي تدور حول نفسها وحول الشمس بحساب دقيق بحيث أن طول اليوم لم ينقص أو يزد ثانية واحدة منذ أن خلقها وذلك يدل على إتقان الله لصنعته، وهذا ما عبرت عنه وفصلته الآية88 من سورة النمل.
الساعة ستقوم نتيجة زلزلة عظيمة ( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيم)، وسترج الأرض رجا ، وسينتج عن هذه الرجة أن تتفتت الجبال(بست الجبال بسا)، فكيف يقال إن الجبال ستتحرك فوق الأرض كالقطار تراها العيون جامدة بينما هي تتحرك!!
إذا تحركت فلن تراها العيون جامدة.
وإذا تحركت فلن ترها الأعين جبالا.
قال تعالى : إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا،وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا).

إنها رجة لا يعلم عظمتها إلا الله، رجة قد تبلغ قوتها أن تقذف بأبي الهول ليسقط في نيودلهي، وقد تقذف ببرج إيفل ليسقط في أم درمان،
هل بعد هذا يقال إن الجبال ستمر مر السحاب يوم القيامة.

قلت من قبل إن الله تعالى لا يكشف الغيب قبل أوانه، وفي نفس الوقت يتلطف في العبارة، لو لم يذكر الله بعد آية الجبال آية تتعلق بيوم القيامة لفهم الناس أن الآية تتكلم عن الجبال في الدنيا، ولتعسر على الناس إدراك مرور الجبال مرور السحاب وهم يرونها جامدة !!
إذن هذه المعلومة كانت ستشوش أفكارهم وعقولهم لو كشفها لهم قبل إدراكها علميا، وهذا يتعارض مع تيسير القرءان للذكر، فكان من الحكمة أن يصيغها بكيفية حكيمة : يأتي بالآية 86 التي تستنكر على مكذبي آيات الله (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)،وبعدها يعطف بآية تتكلم عن يوم القيامة وهي الآية 87، ثم يأتي بالآية 88 لتفسر كيفية جعل الليل سكنا والنهار مبصرا، وبعد ها يأتي بالآية 89 وهي تحصيل حاصل للآية 87.
هذا الأسلوب يسمى (اللف والنشر) : يذكر شيئين ويعطف عليها ما يتعلق بهما، فالمعطوف الأول يعود على المعطوف عليه الأول، والثاني يعود على الثاني، هنا ذكر القرءان آيتية (86 و 87) وعطف عليهما آيتين (88 و 89) ، فالآية 88 تعود على 86، والآية 89 تعود على 87 .
إذا جعلت الآية 88 بعد الآية 86 فإن ذلك لن يخل ببناء النص فكأن الكلام مرتب ترتيبا طبيعيا ، وكذلك إذا جعلت الآية 89 بعد الآية 87.
ترتيب العلاقة تطبيقيا هو كما يلي:
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ86، وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ88.

ثم الآيتين 87 و 89
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ87، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ 89.