(3)

"فضول شوارعي"

أستقلَّ فيسي السرفيس مخترقا شارع حلب و متجها لشارع الملك فيصل. كان عليه أن يقطع شارع بغداد و ينزل عند تقاطع شارعي الثورة و الملك فيصل. توقف السرفيس فجأة و سمع السائق ينادي بصوته الجهوري الذي لا يناسب هزاله: يا كريـــــم. شعر بالقرف و تأمل الشارع القديم و بيوته الحجرية الأثرية، ثم أستذكر حنين صديق عراقي لتلك الشوارع التي تشبه شوارع برلين بأواخر القرن التاسع عشر: شوارع متحضّرة. نظرَ للأبنية و أصدر صوتا هازئا من فمه، ثم تخيل ركام المدينة بعد قصف إسرائيلي. كان يعتبر أن إلحاده بمجتمعه محنة، سمنته محنة، عذريته محنة، طمعه (المشروع) محنة، و شبقه الجنسي محنة. محنٌ كثيرة لا يحلّها سوى دمار العرب بكل ما يمكن لوجودهم أن يعنيه. أبنيتهم، مدارسهم، عاداتهم، أفكارهم، أديانهم، و حتى أبدانهم. كان مستغرقا بأفكاره، و لم يقاطعه سوى مشهد فتاة أشبه بياسمينة دمشقية تصعد السرفيس، و من خلفها صعد شاب رياضي ملتحي. كانت محجّبة بحجاب أسود يحيط بوجهها الناصع، و ترتدي معطف رمادي لم يوفّق بإخفاء وحشية الأنثى بها تماما. شعر برغبة لأن يضربها، يبصق عليها، يهينها و يغتصبها. ثم نظر لمن معها، و كان شابا أحمر اللحية و ذو شعر أحمر مجعد. تأمله لثوان و شعر بالحزن تجاه الفتاة التي كانت مظلومة بسبب هذا الديني الهمجي. صار يفكّر بأنه ديني مجرم، بأنه طلباني، بأنه وحشي. سمعه يحدثها: شو حبيبتي، أنتي كملي على المكتبة و أنا نازل عند شارع المهدي بن برَكة تا أشتريلك دوا الحساسية. سمعها تهمس مبتسمة: حاضر. أزعجته كلمة "حاضر" هذه. بدت إذعان ما، بدت توافقا، بدت شيء لا يريده أويريده ربما. قرر أن يتخذ الموقف البطولي، و تمتم لذاته: أنها لحظتك يا فيســ .. يا فرانسوا. طلب من السائق النزول، و بالمرآة المواجهة للسائق لمح عيني الأخير المتقلصتان ضيقا و كأنه أنزعج من مكان النزول. كان قد تعدّى شارع الثورة و وصل لتقاطع شارع بور سعيد، و كان عليه أن ينزل حتى و أن "أكل علقة" بذات المكان قبل أسبوعين. و قبل أن يغلق الباب صرخ بوجه الشاب: حلّ عن دينها يا إرهابي يا مجرم يا كلب. و شرع يركض لشارع المتنبي (شارع صغير مقارنة لذاك الذي ببغداد) الذي كان موازيا لشارع مهدي بن بركة و الذي يتصل بشارع الأرجنتين بتقاطع يوصل شارع الملك فيصل (الذي يتحول لشارع شكري القوتلي عند تلك النقطة) مما يعني أن هناك قدرة على اللحاق به من الطريق المعترضة للشارعين فيما لو قرر السرفيس التوقف بعد مئة متر. لكنه توقف عن الركض لاهثا و تأمل الشارع الموازي من شارع شكري القوتلي و لم يجد شيئا. أكمل سيره نحو شارع الأرجنتين مبتسما، و قد حقق شيئا ما، نصرا للحرية على الوحشية الدينية، و سوف يخبر من بالمنتدى اليوم. "توقف يا كلب". لم يلتفت للصوت، بل ركض بسرعة، فسيان إن كان هذا أنور أبو الليل أو ذاك الشاب، فهو مضروب لا محالة. ركض لدقائق و يأس عندما سمع لهاث الآخر يقترب و بالنهاية أستسلم بسقوطه أرضا. كان الشاب أحمر الشعر، الذي لم يتكلم بشيء بل عاجله بركلة و تبعها بعشرين أخريات على الأقل. تركه ممدا و مضى، بينما تلوى هو لدقائق حتى مضى لمنزله، و لم يفته أن يلعن كل ما يراه أمامه. وصل لبيته متربا، و قرر أن يفتح موضوعا عن تطهير العرب من البلاد.

تابع

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	تجربة أولى لميترو دمشق...	بسام الخوري	1	1,214	03-06-2011, 02:46 PM آخر رد: بسام الخوري
	Communislamic's الشيوعإسلامية " نقد ساخر"	caveman	15	3,967	10-16-2008, 12:08 PM آخر رد: caveman
	مغامرات سيستاني في جزائر الحرب الاهلية	سيستاني	14	4,080	08-18-2008, 01:31 PM آخر رد: Jugurtha
	محمد حمشو .. "سوبرمان" الاقتصاد!!	بسام الخوري	2	2,778	08-19-2007, 08:32 PM آخر رد: ماجن
	مواطن "سعودي" يقاضي نفر من الجن .....أنصفوا الرجل يا علماء النكاح	arfan	1	1,503	06-09-2007, 07:06 PM آخر رد: arfan