المعري .
أحجمت يا صديقي طويلا عن الدخول في موضوع خاص بالسياسة الداخلية السورية التي لا أعلم عنها سوى القليل ، ولكن الذي شدني للموضوع هو وجود قاسم مشترك بيننا هو حركة الإخوان المسلمين ،و التي رغم خلافنا معها لا بد أن نقرر أنها رقم لا يمكن تجاوزه عند حل أي معادلة سياسية في العالم العربي كله ، بل ربما كان التخوف من هذه الحركة هي ما يوحد الحكومات العربية حاليا !.
يا صديقي أعلم انك تعرض النتائج لتقبيحها ، فليس من المعقول أنه بينما يتجه العالم للانفتاح نتحول إلى النقيض .إننا لم نعط شهادات الميلاد للحركة و بالتالي لا يمكن أن نحرر شهادات الوفاة لها ، فالجماهير العربية هي التي تقرر ماذا تريد ومن يحقق لها ما تريد و لسنا نحن . إنني بالقطع لن أقيم هذه الحركة / الظاهرة ، فذلك شيء ليس سهلا ولا ممكنا في عجالة ،و لكنني فقط أريد أن أقول أننا عندما نتحدث عن حركة الإخوان فنحن لم نعد نتحدث عن مجموعة من الملتحين المنغلقين ،و لكن عن حركة تضم في صفوفها أفضل النخب العربية و تنتشر أساسا بين الفئات الأكثر تعليما . أقول هذا تقريرا لحقيقة رغم أنني مختلف مع الكثير من أطروحات الحركة .
حسنا اسمح لي أن أعرض مجموعة من النقاط :
1- إن ما يحدث من سماح ديمقراطي في سوريا اليوم ، يذكرني في ملابساته بحركة تغيير مناظرة تمت في عهد السادات بهدف إعادة تأهيل النظام للتعامل مع العالم الغربي و الولايات المتحدة خاصة بإجراء إصلاحات ديمقراطية شكلية ( ديكور ديمقراطي ) يحقق الحد الأدنى المطلوب للتعامل مع الديمقراطيات الغربية كما هو حادث في دول الخليج حاليا ، وهذا السماح الديمقراطي قد يكون بداية لتحول ديمقراطي حقيقي أو مجرد شكل بلا مضمون كما حدث في كل الدول العربية التي أجرته بضغط أمريكي . و لكني أرى أيضا أن مجرد ذلك السماح سيكون أشد عسرا بسبب أدلجة الجيش و تبعيثه ، إنني أعتقد أنه لا يمكن تأجيل قرارا حاسما مبدئيا بإعادة تكوين القوات المسلحة و نزع العقائدية الحزبية عنها ، حتى نتفادى ما حدث في تجربة العراق ، لقد أثبتت التجربة أن هذا التأهيل الديمقراطي ولو شكليا لم يمكن تحقيقه في دولة الأدلجة الكاملة خاصة للقوات المسلحة سوى بتدمير الكيان كله.
2- إننا أمام استحقاقات لا خيارات ، و أمام قرارات صعبة لا مسكنات مؤقتة ، ليس في سوريا فقط بل في مصر أيضا . لقد مضى الوقت الذي يمكن أن تتلكأ الأنظمة فيه أو تكابر ، فالشعوب لن تحمى طغاتها بل سترحب بالخلاص منهم .
3- إن المشكلة ليس في حركة الإخوان المسلمين ، ولم تكن فيهم طالما لم يحاكوا جلاديهم و يسعون إلى استخدام القوة المسلحة لفرض نظامهم كما حدث في السودان ، وهي تجربة أساءت للحركة خاصة للمثقفين فيها .
4- كيف تقرر أنه لا مستقبل للإسلام السياسي و نحن نشاهده ينمو بقوة في كل المجتمعات العربية من البحرين حتى الجزائر ، أما إذا كان التخوف من وجود فيتو أمريكي ضد هذا الفكر ، فذلك شيء تقرره الشعوب ،ولو اتبعنا كل فيتو أمريكي لما تنفسنا . أمريكا ليست ربا إلا عندما يوجد من يتبرع بالعبادة .
5- كيف تقول أن حركة الإخوان ميتة بعدما أقررت أنها (برزت منذ مطلع الثمانينات كجناح مهيمن وبارز في المعارضة السورية ، الأمر الذي جعل معظم الأحزاب المعارضة هياكل ورقية ليس لها أي وجود فعلي في هيكلية المعارضة السورية الخارجية ، ولا حتى من خلال الجبهة الوطنية لتحرير سوريا التي كان للإخوان الكعب الأعلى فيها ، ولا أيضا في ميثاق الشرف الذي وقعته الأحزاب السورية تحت مظلة الإخوان في لندن) .لا أعتقد أن هذا هو تعريف الحركة الميتة .
6- إن استخدام الأنظمة العربية لورقة الإخوان المسلمين كفزاعة و لتبرير تسلطها و طغيانها ليس مبررا لخنق تلك الفزاعة ، لأن تلك الأنظمة ستبحث عن فزاعة جديدة ولن تعدم أن تجد تلك الفزاعة حتى في حلفائها .
7- أعتقد أنه مخطأ تصور أن الأحزاب الديمقراطية المسيحية هي (تيار إشتراكي إجتماعي. لا يرتبط بالمسيحية إلا بالإسم) .نعم هذه الأحزاب هي أحزاب علمانية الأداء و لكنها تعتمد القيم المسيحية كمرجعية أخلاقية ، وهي أيضا ليست اشتراكية بل هي أحزاب يمينية تؤمن برأسمالية غير مقيدة و بحرية السوق .
8- الاعتقاد بخصوصية ثقافية لسوريا لا يفهمها سوى بعض السوريين و ليس إخوان سوريا يبدوا لي غريبا ، فالحزب الذي نعترف بشعبيته التي جعلته على رأس أحزاب المعارضة في الخارج حيث تتوفر حرية العمل ، هو بالتالي الأجدر بالتعرف و التعبير عن تلك الخصوصية ، خاصة أن فكر الإخوان ليس غريبا عن الخصوصية السورية فرشيد رضا السوري هو أحد أهم مصادر فكر الإخوان في بدايته الأولى ، إن لم يكن أهمها على الإطلاق .
9- لا أعتقد أنه يسيء لحزب الإخوان في سوريا أو في مصر السعي للحكم فتلك مهمة الأحزاب في العالم كله بل وواجبها طالما أنها تتبع السبل المشروعة .
10- من واقع التجربة السياسية الحزبية في مصر ، فإن وجود أحزاب سياسية منضبطة ذات توجه إسلامي و تخضع للقيود القانونية ، مثل حزب الإخوان المسلمين هو أفضل كثيرا من ترك التيار الإسلامي الذي لا يمكن إنكار وجوده -العريض وربما الكاسح في كل المجتمعات العربية و الإسلامية- فريسة لأحزاب و تنظيمات غير شرعية و متطرفة . وهو ما وصلت إليه بعد رفض طويل و عداء متصل لكل ما يمت للإخوان المسلمين بصلة .

أتمنى أن يكون كلامي خفيف على السامعين !

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	شَرَف الجيش وعُهر الإخوان	فارس اللواء	1	627	02-14-2014, 03:19 AM آخر رد: خالد
	كيف ترى تأثير انهيار الإخوان المسلمين في مصر على حماس ؟	فلسطيني كنعاني	10	1,767	07-04-2013, 02:17 PM آخر رد: فلسطيني كنعاني
	رسالة في السياسة	فارس اللواء	0	511	06-06-2013, 12:15 AM آخر رد: فارس اللواء
	سأظل أحب الإخوان ولكن!	فارس اللواء	0	823	06-22-2012, 12:42 AM آخر رد: فارس اللواء
	انكماش الرأي حسب تغير الدافع.."قراءة في جدلية الإخوان والولايات المتحدة"	فارس اللواء	4	1,310	03-11-2012, 03:04 PM آخر رد: فارس اللواء