رغم أن فراس السواح فعلاً قدم دراسة تلخيصيّة رائعة لشخصية ولفظة وفكرة المسيح في اليهودية والمسيحية والإسلام، لكنني أجد أنه لم يستخلص كافة الحقائق التي يمكن للإنسان أن يستخلصها فعلا من خلال قراءته لكلمات يسوع في الأناجيل، خاصة في الخلاصة التي قدمها في ثلاث نقاط تجاهلت الكثير من "الحقيقة" التي قدمها يسوع في كلماته.

كما إنني لا أستطيع أن أفهم كيف يمكننا أن نفصل بين أقوال التلاميذ وبين أقوال يسوع في أسفار خطها التلاميذ لينقلوا لنا أقوال يسوع وإيمان الكنيسة الأولى بيسوع؟!

على أية حال، سألقي نظرة على الخلاصة الأخيرة لفراس السواح في دراسته الجميلة:

1. المسيح شخصية إنسانية ذات طبيعة فائقة، يحلُّ عليها روحُ الله، ويرفعها إلى مرتبة وسطى بين العوالم الدنيوية والعوالم القدسية.

لا أدري ما هي الآيات التي اعتمد عليها السواح لبلوغ هذه الخُلاصة؟! أعتقد أن انتقاله من قراءة لفكرة المسيح في العهد القديم (اليهودية) وصولا إلى فكرة المسيح في العهد الجديد (المسيحية) دون تمييز واضح للفرق الشاسع بين الفكرتين، هو الذي جعله يستخلص هذه النتيجة غير الدقيقة.

فبينما لا يختلف مسيحيان حول حقيقة أن أهل العهد القديم لم يكونوا يتصورون فكرة ابن الله كحقيقة وواقع، وفكرة تجسد ابن الله كحقيقة وواقع، يبقى أن الأناجيل تفصح في عدة أماكن عن هذه الحقيقة الواقعة مستبعدة كل شك حول حقيقتها التاريخية. وهو ما سنراه في الآيات التي سأدرجها لاحقا.

2. يلعب المسيح دورًا أساسيًّا ومركزيًّا في نهاية الزمن وأحداث اليوم الأخير.

لا خلاف حول هذه النقطة.

3. يطلق النصُّ التوراتي والنصُّ الإنجيلي على المسيح مجازًا لقبَ "ابن الله" للتعبير عن مكانته الفذة والمميزة. وبشكل خاص، فإن القراءة المباشرة للنصِّ الإنجيلي، بعيدًا عن التأويلات اللاهوتية،
[*] تضعنا أمام صورة شعرية، لا أمام دوغما دينية فيما يتعلق بلقب "ابن الله".

هنا يكمن الخلط بين التوراة والإنجيل بوضوح، فالمسيحية لا تطلق لفظة "ابن الله" مجازا ، وليست التفسيرات والتأويلات اللاهوتية هي التي تحملنا على مثل هذه القراءة بل واقع وحقيقة كلمات يسوع وتلاميذه في حضرته.

لنرى معا.

الآية الأولى: متى 14

32ولمَّا رَكِبا السَّفينةَ، سَكَنَتِ الرِّيح، 33فسجَدَ لَه الَّذينَ في السَّفينةِ وقالوا: ((أَنتَ ابنُ اللهِ حَقّاً ! )).

صحيح أن يسوع لم يعلق بكلمة على هذه الكلمات، لكنه لم يتجاهلهم ولم ينهرهم عن السجود له، ولا شك لدى أيٍّ من التلاميذ بأنهم في حضرة "ابن الله". إنما الإنجيلي هو الذي لم يذكر ردة فعل المسيح، وذلك لأنه لم يكن لها داعي. الآية التالية مصيرية في هذا الشأن.

الآية الثانية: متى 16
15فقالَ لَهم: ((ومَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟ )) 16فأَجابَ سِمعانُ بُطرس: ((أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ )).
17فأَجابَه يسوع: ((طوبى لَكَ يا سِمعانَ بْنَ يونا، فلَيسَ اللَّحمُ والدَّمُ كشَفا لكَ هذا، بل أَبي الَّذي في السَّمَوات. 18
يسوع هنا لا يتجاهل إعلان بطرس، ولا يرفضه، بل على العكس مما يقول به السواح، فإن يسوع يشيد بإعلان بطرس ويمدحه عليه ويوضح له أن "وحيا من السماء" هو الذي كشف له هذه "الحقيقة". أما طلب يسوع إلى تلاميذه بعدم الإعلان عن هذه الحقيقة، فذلك لأسباب عملية تتعلق بعدم استعداد الناس بعد –وخاصة رؤساء الشعب- لهذه الحقيقة، ولأنه لم يتم رسالته بعد.

الآية الثالثة: إنجيل مرقص

مرقص، يعرف أن يسوع هو ابن الله. فهو يعلن ذلك في بدء إنجيله، ثم يضع إنجيله لكي يبين لقرائه هذه الحقيقة، ويختتم إنجيله بالنتيجة التي لا يمكن للقارئ إلا أن يقتنع بها وهي أن يسوع هو فعلا "ابن الله". لذلك لا يسعني اقتباس آية أو اثنتين، بل سأسير معكم خلال إنجيله كله لكي نتبين أنه فعلا يضع رسالة (المسيح يسوع هو ابن الله)، ثم يسير معنا من خلال أحداث حياة يسوع ليبين هذه الحقيقة، ويصل أخيرا إلى نتيجة لا شك فيها (أن يسوع هو فعلا ابن الله).

الفصل الأول:
1بَدءُ بِشارَةِ يسوعَ المسيحِ آبنِ الله
9وفي تلِكَ الأيَّام جاءَ يسوعُ مِنَ ناصِرَةِ الجَليل ، وآعتَمَدَ عن يَدِ يوحَنَّا في الأُردُنّ. 10وبَينَما هو خارِجٌ مِنَ الماء رأَى السَّمَواتِ تَنشَقّ، والرُّوحَ يَنزِلُ علَيه كَأَنَّهُ حَمامةَ. 11وانطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّمَواتِ يقول: ((أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضيت)).

((ما لَنا ولكَ يا يَسوعُ النَّاصِريّ؟ أَجِئتَ لِتُهلِكَنا؟ أَنا أَعرِفُ مَن أَنتَ: أَنتَ قُدُّوسُ الله)).25فانتَهَرَه.

الفصل الثاني
قالَ لِلمُقعَد((يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك)). 6وكانَ بينَ الحاضِرينَ هُناكَ بَعضُ الكَتَبَة، فقالوا في قُلوِبهم: 7((ما بالُ هذا الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بِذلك ؟ إِنَّه لَيُجَدِّف. فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه ؟)) وهذا يعني أن المسيح هو الله (ابن الله)

28فَابنُ الإِنسانِ سَيِّدُ السَّبتِ أَيضاً)).

الفصل الثالث:
11وكانتِ الأَرواحُ النَّجِسَة، إِذا رَأَته، تَرتَمي على قَدَمَيه وتَصيح: ((أَنتَ ابنُ الله !))12فكانَ يَنهاها بِشِدَّةٍ عن كَشْفِ أَمرِه. (كان ينهاها عن كشف أمره لا عن قول مثل هذا الكلام)

الفصل 12
35وتَكَّلمَ يسوعُ وهو يُعَلِّمُ في الهَيكَلِ قال: ((كَيفَ يقولُ الكَتَبَةُ إِنَّ المَسيحَ هو ابنُ داود؟ 36وداودُ نَفْسُه قالَ بِوَحيٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس: (( قالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اِجلِسْ عن يَميني حتَّى أَجعَلَ أَعداءَكَ تَحتَ قَدَمَيك)). 37فداودُ نَفْسُه يَدعوهُ رَبّاً، فكَيفَ يكونُ ابنَه؟))وكانَ مِنَ النَّاسِ جَمعٌ كثيرٌ يُصغي إِلَيه مَسْروراً .
هنا استخدم السواح هذه الآيات ليشير إلى أن يسوع المسيح ليس ابن داؤود، لكنه تجاهل تماما الإضراة الواضحة –والتي هي سبب استخدم يسوع لهذه الآيات- إلى أن المسيح هو في الحقيقة ابن الله.

الفصل 15، 39
فلَمَّا رأَى قائِدُ المِائَةِ الواقِفُ تُجاهَهُ أَنَّه لَفَظَ الرُّوحَ هكذا، قال: ((كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً !))ينهي (تقريبا) مرقص إنجيله باستخلاص النتيجة الوحيدة التي عرفها وهي أن يسوع هو فعلا وحقا ابن الله، حيث يضع هذا الاعتراف على لسان الوثني قائد المائة الروماني.


إنجيل لوقا، استعرضه معنا السواح ولا داعي لتكرار الكثير مما قاله.

إنجيل يوحنا، الذي يكشف بوضوح هوية ابن الله، سأكتفي منه بآية واحدة لتجنب الإطالة:

56إِبتَهجَ أَبوكُم إِبراهيم راجِياً أَن يَرى يَومي ورآهُ فَفَرِح)). 57قالَ له اليَهود: (( أرَأَيتَ إبراهيمَ وما بَلَغتَ الخَمسين؟)) 58فقالَ لَهم يسوع: (( الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: قَبلَ أَن يَكونَ إِبراهيم، أَنا كائن)).

وهذا يعني أن يسوع المسيح موجود منذ الأزل، وليس كما يفيد السواح بأنه كان في عقل الله أو إرادته، فنحن هنا لا نقتبس عن الأفلاطونية أفكارها، بل نعرض عقائد المسيحية التي أخذناها من ابن الله المتجسد حقيقة في التاريخ وعُرف باسم "يسوع المسيح".

شكرا لاسحق لأنه نقل الموضوع وشكرا لعزيزي "ميراج" لأنه دلني عليه.

تحياتي القلبية