تحية للجميع وللأخ كحيلان على هذه المبادرة الجميلة.

أنا وضعت صوتي منذ بضعة أيام ولكن حالت بيني وبين المشاركة برأيي ظروف مختلفة.

أنا متأكد بأننا لن نحسم الأمر هنا كما أن الكثيرين لم يتمكنوا من حسم الأمر لأن مسألة "القتل الرحيم" مثلها مثل الإجهاض، هي مسألة متشابكة متداخلة قد نجد لها ما يبررها ولكننا سنجد الكثير لرفضها.

السبب الوحيد الذي يدعم تأييد القتل الرحيم هو تخليص إنسان معذب من آلامه التي لن تؤدي به إلا إلى الموت البطيء بعد مدة لا نعلمها.

اعتراضاتي تقوم على

أولا، هنالك الطبيعة الإنسانية التي تميل إلى إساءة استخدام كل الموارد لتحقيق مآرب شخصية

فالطاقة النووية والذرية هي خير للبشرية حوله الناس إى مصيبة
الأفيون والمخدرات هي خير للبشرية حولها الناس إلى مصيبة
الديناميت خير للبشرية حوله الناس إلى مصيبة
الطب وعلومه هو خير للبشرية فحوله الناس إلى مصيبة (استخدامه للتلاعب بالبشر وقتل الحياة قبل أن تولد وغيرها)

لذلك سرعان ما سنجد أن "القتل الرحيم" يتحول إلى قاعدة واسعة تشمل أغرب وأقبح الحالات المقبولة وغير المقبولة

ثانيا، الطب والطبيب هو لخدمة الحياة حيث يؤدي الطبيب القسم بأن يخدم الحياة ما وسعه ذلك.

فكيف نحوّل خادم الحياة إلى قاتل وجلاد؟!

ثالثا، من هو ذاك الذي يملك أن يقرر بأن حياة هذا أو ذاك من البشر يجب أن تنتهي؟!

تقولون لم يكن له الحرية في الولادة ، فهل يملك الحرية تلقائيا في الموت؟!

رابعا، اليأس الذي يؤدي إلى الانتحار والمرض الذي يؤدي إلى الموت البطيء والمؤلم وغيرها من المآسي البشرية هي كالنار المشتعلة التي نريد القضاء عليها وإنهاء المشكلة. فنهدم البيوت ونقطع الأشجار لنشكل حاجزا أمام انتشارها.

لو عملنا وسعنا على منع شبوب النار من الأصل لما احتجنا إلى إجراءات مأساوية للقضاء عليها.

أعني بذلك:

لقد فقدت البشرية ككل الرؤية العامة للمعنى لوجودي للإنسان. كل يغني على ليلاه. كل يسعى للرفاهية والعيش المريح ولا يعبأ أحد إن كانت رفاهيته لها عواقب وخيمة أم لا.

نحن نعيش في زمن الرفاهية ولكننا أشقياء تعساء.

نعمل ليل نهار كالحمير لكي ندفع فواتير رفاهيتنا وعشينا الرغيد من كهرباء وماء وتدفئة وتكييف وغيرها.

إذن هنالك مشكلة أكبر من مجرد مشكلة أيجوز "القتل الرحيم" أم لا. علينا ألا نتعامل مع النتائج ونحاول القضاء عليها، بل علينا أن نملك الوعي والنضوج الإنساني للقضاء على أسباب المشكلة لا مجرد نتيجتها المأساوية.

هل قدمتُ حلا؟ لا
هل زدت الأمر تعقيدا؟ ربما

لكن إن أردنا أن نجد حلا لأمر ما علينا أن ندرسه من جميع أوجهه.

فمثلا هنالك من يصل إلى المستشفى وهو في غيبوبة وليس له أمل في الشفاء ، فالقلب لا يعمل، والكلية لا تعمل، والرئتين فاسدتين، فيتم ربطه بماكينات تبقيه حيا وهو ميت. ثم يتساءلون: هل نملك الحق في وقف الماكينات والآلات فيموت؟!

إن كان ميتا لا محالة ولا أمل له في شيء، فلماذا تربطونه بالآلات أصلا؟!

في رأيي المتواضع، وبعيدا عن حكم الدين والأخلاق وغيره، علينا كبشر مسؤولين أن ندرس وضعنا ووضع البشرية وما آلت إليه من جراء الاختراعات والمبتكرات الترفيهية التي يقصد بها جعل حياتنا أكثر راحة. علينا إجراء الأبحاث والاستفتاءات لنرى إن كانت الراحة قد جلبت لنا معها هناء العيش أم التعاسة والشقاء.

نشرب الكحول بدون حساب فيفسد الكبد ثم نلقي اللوم على (لا أدري من) ونطالب بالموت الرحيم

نتعرض للإشعاعات من جميع الأنواع، هواتف نقالة، أقمار صناعية، موجات من كل نوع، سموم كيماوية وغيرها، فنمرض ونتألم ونفقد الأمل في الشفاء ثم نطالب بالموت الرحيم

نطلق العنان لشهواتنا ونجري وراء المتعة واللذة فنصاب بالأمراض ونوشك على الموت ونطلب الخلاص بالموت الرحيم.

أيبدو لكم هذا منطقيا؟!

شخصيا، أراه طمسا للرؤوس في الرمال لغسل الضمير المعذب وإخفاء المشكلة بالتخلص منها بدلا من معالجتها.

أعرف أنني أطلت ولكنني لا أملك القدرة على التعبير بما قلّ ودل، فاعذروني وسامحوني

تحياتي القلبية