د. فضل:

أحترم بصدق إخلاصك و ولائك لميراثك العقائدي و أرفض معك كل من يهاجم تحت مسميات الحداثة. لكن يا صديقي منهج التفكير هو منهج التفكير و اقصد هنا أن المنهج الذي أستخدمه مثلا للحديث عن العنف في الإسلام يجب أن يكون واحد وأنا أتحدث عن العنف في الكتاب المقدس و الإشكاليات التي يطرحها هذا الأمر في كلا الحالتين. يجب توحيد المعايير. أما إذا كان المعني هنا شخص أصلا مسلم و يهاجم المسلمين فهذا إنسان يجب أن تترحم عليه لأنه ببساطه "يكره ذاته" و يفرغ عقده بنقد و عيب ميراثه بشكل هجومي. لكن لننظر لحال العالم المتحضر و هو يمر بهذه المراحل قرنا تلو قرن. يا دكتور، نحن في الشرق لا زلنا نجادل في قضايا "الحداثة" و أنت سيد العارفين فالآن الجدل في الغرب هو عن "Post-modernism" أي مرحلة ما بعد الحداثة و التي اخترقت كافة المجالات و لن ترضي الجميع. لكن يبقى مثلا الصراع بين الأصوليين/الحرفانيين و أصحاب مدرسة ما بعد الحداثة قائم. عجلة الحياة تمضي للأمام. التراث أيا كان يجب غربلته و قراءته بوعي. الحية القديمة التوراتية و شجرة الحياة خاطبتهم بلغتهم في ذلك الزمن أما في زمننا الحاضر فلدينا إمكانيات لترجمة النص ترجمة علمية و موضوعية و ذات منهج. هذا لا يلغي أنك ستجد الكثيرون منا ممن ينفثون سموم غضبهم على واقعهم و كأني بأب يعنف ابنه و يضربه على عيوبه البغيضة لأنها تذكر الأب بصورته التي يهرب منها مرة تلو مرة. و سوف تلاحظ أيضا أنه كلما تقدم الإنسان و ارتقى كلما قدر أن يقرأ الجمال في كل ما هو موروث لأنه يراه حصيلة و ذخيرة التراث الإنساني المتراكم عبر القرون. في أحد الكتب الصادرة عن مطبعة دار المشرق الكاتوليكية استوقفتني بعض الاقتباسات الجميلة من نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب فزاد ذلك من رغبتي أن أقرأه لعلي أزداد صفاء و جمال مثلما كان صاحب هذا الكلام.

و تحياتي لك مع شديد تقديري لك لصدقك مع نفسك.

(f)