سورة مريم
من النماذج التي قدمها "لوكسنبرج" إزالة غموض وعدم منطقية السرد لقصة وضع السيدة مريم فقد استقرت جميع التفاسير القرآنية للآية (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيا) «سورة مريم: 24» فيري "الطبري": اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرَّاء الحجاز والعراق "فناداها من تحتها" بمعني: فناداها جبرائيل من بين يديها ومن متأول منهم أنه عيسي، وأنه ناداها من تحتها بعد ما ولدته. ذكر من قال: الذي ناداها من تحتها الملك.إذن فناداها المولود من تحتها ألا تحزني يا أمه "قد جعل ربك تحتك سريا". ما هو ذلك الشيء الذي كان سريا تحت السيدة مريم؟ يستمر "الطبري" قائلا: قال ابن زيد، في قوله " فناداها من تحتها أن لا تحزني" قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج فأقول من زوج، ولا مملوكة فأقول من سيدي، أفي شيء عذري عند الناس "يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا"، فقال لها عيسي: أنا أكفيك الكلام. واختلف أهل التأويل في المقصود بالسري في هذا الموضع، فقال بعضهم: عُني به: النهر الصغير.وذكر من قال ذلك قال: سمعت البراء يقول في هذه الآية "قد جعل ربك تحتك سريا" قال: الجدول، وعن ابن عباس، قوله (قد جعل ربك تحتك سريا) وهو نهر عيسي، وعن ابن عباس، قوله (قد جعل ربك تحتك سريا) قال: السري: النهر الذي كان تحت مريم حين ولدته كان نهرا يجري يسمي سرياً. وعن مجاهد "سريا" قال: نهر بالسريانية، وهو بالنبطية: السري.
فهذه الآية تقدم ثلاثة موضوعات مجهولة، من الذي نادي مريم من تحتها؟ سر حزن مريم؟ ما هو ذلك الشيء الذي جعل من تحتها ؟وما معني كونه سريا؟ ولكن هل هناك منطق في الحوار أن تكون مريم قلقة من حالها بهذا الوليد فتكون الإجابة بعيدة عن موضوع قلقها بالإشارة إلي أن الله جعل من تحتك جدولا او نهرا، في حين لم يتنبه كل المفسرين إلي " من تحتها" التي وردت مرتين مرة هي المكان الذي تمت منه مناداتها والمرة الثانية هي مكان نهر الماء. فمنطقيا أن يكون الذي ناداها حسب التفسير المعتمد مكلما لمريم من تحت الماء.وياتي "لوكسنبرج" موضحا ما التبس علينا طوال قرون ماضية، والغريب أن مصدره هنا من المراجع العربية حيث ارتكن لتفسير "السيوطي" الذي ينقل عن أبي القاسم في كتابه لغات القرآن وعن " الكرماني" في كتابه "العجائب" أن «تحت» كلمة نبطية وهي لغة الأنباط السريانية أو مزيج من العربية والسريانية التي تعني البطن بمعناها السرياني "جنين".. ويري "لوكسنبرج" أن كلمة «تحت» لا اصل لها في اللغة العربية وأنها مشتقة من الفعل السرياني "نحت" بالنون وهو اصل الفعل العربي نحت المفهوم منه: نحت الحجر لتسويته أو صقله، والمقصود من بالسريانية إزالة ما زاد منه، وعليه فمن تحتها هي من «نحتها» ومن هنا ليست ظرف مكان وإنما زمان اي حال وضعها وميلادها، فالنحت هو الوليد المنحوت من أمه لحظة الميلاد.
معجزات أكثر إعجازًا
بل يضيف "لوكسنبرج" معجزة بلاغية دلالية بيانية أخري للقرآن الكريم حيث انه ورد في جميع آياته كلمة «ولد» و«وضع» للتعبير عن الميلاد الطبيعي إلا عند الحديث عن سيدنا عيسي كان الحديث عن واقعة مولده ليست بالمفردات المعتادة بل بالنحت من الأم فقط فلا ينسحب عليه معاني الميلاد التي تحتاج إلي زوجين ليكونا سببا لها. وعليه (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) «سورة الإخلاص» تتفق انسيابيا عن واقعة نفي الميلاد عن المسيح عيسي ابن مريم، فلو كانت الصياغة القرآنية بمعني الميلاد الطبيعي لكان هناك تعارض مع نفي الميلاد، أما الصياغة بالنحت تتوافق مع نفي الميلاد منطقيا. وإذا كان الله خلق عيسي كما خلق آدم أول مرة (إِنَّ مَثَلَ عِيسَي عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيكُونُ) «سورة آل عمران: 59» وخلق الله آدم من طين كالصلصال (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) «سورة الرحمن: 14»، إذن فكلاهما قد نحت، نحتا بالأمر الالهي المباشر. وهو اقرب تصور لعملية الخلق من صلصال فهي كالنحت الذي ورد في الآية مميزا للولادة غير الطبيعية لسيدنا عيسي المخالفة لميلاد اي مخلوق آخر سوي آدم أول البشر. وحتي الآن يكون المعني فناداها أثناء ميلادها ألا تحزني قد جعل ربك مولودك سريا.
معني سريا؟
إذا كان معني «سريا» هو «جدول ماء أو نهر» أيا كان، فهذا حديث لا ينسجم مع سياق الموقف: عذراء متبتلة العبادة تصبح حاملا دون أن يمسسها بشر تأتيها آلام الوضع، فيكون أول حديث معجز لابنها موضوع حزنها هو الحديث عن جدول ماء وضعه الله تحتها!! يوضح "لوكسنبرج" معني «سريا» المختلف عليه بأن الرسم القرآني لكلمة سريا تلفظ بالسريانية «شريا» ـ بالشين ـ وهي مشتقة من الفعل «شرا» اي حلال. لتكون الآية (فناداها من نحتها ألا تحزني قد جعل ربك من نحتك شريا) اي أن التفسير الذي تكون فيه إجابة منتظرة تعزي مريم عن اتهامها بالحمل الحرام، بأن لا تحزن فان الله سيجعل مولدك هذا الذي ينطق حملا حلالا طاهرا. عندئذ يسأل الشيخ خالد السيدة "صافي ناز" هل كنت معهما؟ فتجيب قائلة: وهل كنت أنت معهما؟ وتضج قاعة المشاهدين الشباب بالضحك لما تخيلوه أن تكون السيدة "صافي ناز" والشيخ "خالد" معهما للوقوف علي النية أثناء الزواج. وعندما يفشل الشيخ "خالد" في الإقناع المنطقي يستأذن المشاهدين في أن يلطم وجهه؟! فليلطم وجهه الآن وله ما يراه من الأسباب. إذا أراد احد أن يرفع الحرج عن المسلمين بالمعاني الجديدة لحور العين والولدان المخلدين في الجنة( العدد القادم) التي وصمنا بها العلماء الثقات محولين المسلمين إلي حالة من حالات الفزع الجنسي الممتد إلي ما بعد البعث بدون سبب وارد في النص القرآني فقط أنهم اسقطوا حالتهم المزاجية وأمانيهم الجنسية علي تفسير المقدس، والأعجب أنهم يصمون آذانهم عن الذي يقوِّمهم ويرتقي بهم. متحاورين فيما بينهم بالاتهام بالجهل واللطم.