وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
لا سبيل إلا بالقوة، والقوة غير العنف!
(ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
سبيل شعبنا إلى القوة، هو أن يؤمن بذاته، ويستعصي على الاستخفاف...
فرعون الأول غلب قومه لا بسطوته وتألهه وهيمنته وتعبيده للضعفاء من رعاياه، ولكن غلبهم بما كان منهم لا منه!
(فاستخف قومه فأطاعوه)
حين ننظر إلى شعب كالشعب التوجولي الذي ربما حقر بعضنا لونه أو سمته أو نمطه المعيشي مقارنة بذلك النفخ الذي يمتلأ به حيز الطبل السوري الأجوف، ربما وجدنا بعض أسرار القابلية للتغيير هناك وتعثرها في شامنا الحبيب!
شعوب أوكرانيا جورجيا .....كلها شعوب أحق بالحياة من شعبنا، لأنها نجحت بعد تجربة مريرة في أن تستعصي على الاستخفاف..
بل في نسيج الواقع العربي، نجد أن ثمة تجربة قوية تستعصي على الترويض والتدجين والاستخفاف، بل تنشز على ظلامها بقوة، ولا تصفق لجلاديها، ولا تفديهم بالروح والدم، لذلك فقد نجحت تجارب مثل التجربة السودانية والأردنية واليمنية في فرض حراك شعبي لا تجد له نظيرا في منطقتنا العربية، يكاد أن يقترب من واقع التجارب التحررية العالمية!
غير أن سورية غير!!
فالخبراء يكتبون أن اقتصادنا يعاني من تراجع في معدلات النمو وزيادة معدلات البطالة وتراجع في الصناعة التحويلية وتراجع في استثمار القطاع الخاص وخسائره تتجاوز الثلاثة مليارات يورو (انظر صحيفة الثورة السورية 21/2/2005) بينما هناك من المغفلين المروضين المدجنين المستخفين من يزعق بملء صوته: (أنا سوري أه يا نيالي)!!!
يكتب الباحث هاني الخوري في صميم مشكلتنا السورية بأن سورية بعيدة جدا عن مفهوم الاستثمار في الموارد البشرية بسبب تخلف منظومة التدريب والتأهيل، وبنفس الوقت نقص الأجور وعدم ربط الأجر بالخبرة والكفاءة والفعالية بشكل يتناسب مع نوعية الخبرة والجهد ، وبالأساس نوعية التعليم غير مناسبة للسوق ولا مجارية للتطور العلمي والمعرفي رغم التوجهات التي تركز على التعليم المجاني والدراسة الجامعية المجانية التي ولدت أعدادا كبيرة من الجامعيين بغير خبرات عملية، وباختصاصات وطرق مكررة لا يحتاجها السوق (الثورة 19/1/2005) ومع ذلك فهناك نفخة سورية فارغة تحسب أن مجرد الادعاء بالتفوق على محيطنا العربي يكفي للتشكيك في هذه الأرقام مقارنة بأي دولة محيطة لم يخربها البعث كما خربنا!
بلدنا التي يصل فيه عدد الفقراء حسب الأرقام الرسمية إلى قرابة المليونين بينما حسب تقديرات المحللين تتجاوز نسبة البطالة 20% (انظر جريدة الحياة 31/12/2004)، ومع هذا فهناك من يحدثك عن بركات البعث علينا وعميم فضله على شعبنا!!
سورية البلد الغني بموارده، والذي يباهي أزلام السلطة فيه أنه ثالث دولة استقرارا في العالم أجمع بعد ماليزيا وما بعرف شو! يتدنى فيه نصيب الفرد من الناتج المحلي بحسب تصريحات العطري رئيس الوزراء نفسه إلى مبلغ 1100 دولار مقابل 4500 دولار في لبنان و3000 دولار في تونس (أخبار الشرق 24/11/2004) ومع ذلك أنا سوري آه يا نيالي!!
66% من العاملين في الدولة حاليا يحملون الشهادة الابتدائية وما دونها بينما التعليم الجامعي يأخذ 7% فقط من هؤلاء العاملين فهل نستطيع التوجه إلى اقتصاد المعرفة وتحقيق التنافسية بهكذا طاقات؟! (الثورة 21/2/2005) وهل نستغرب بعد هذه المقدمات أن تكون النتيجة، تراجعا في نمو الناتج غير النفطي بحيث لا يتجاوز النصف في المائة 0.5 %؟!!
ماذا بعد هل نتحدث عن تلوث البيئة الحقيقي لا المجازي في بلدنا، وكيف أن 90% من وسائل مواصلاتنا تتقوت على المازوت الذي شوه وجه العاصمة؟!
ماذا بعد؟
هل نتكلم عن الصحة، حقوق الإنسان، التعليم نفسه، أم القضاء؟
ولسائل أن يحتار قليلا في صلة ذلك بالتدجين والاستخفاف، وأقول:
إن أوضاعنا المزرية لم تعد خافية على أحد، وقد فضح سوق العمل الخليجي مثلا –بحكم إقامتي فأنا مطلع عليه- خبرات العامل السوري وثقافته المتواضعة مقارنة بالجنسيات الأسيوية بله غيرها! ولعل هذا يدق ناقوس الخطر فوق رؤوسنا جميعا بأن فساد النظام، وهدره العام، وفشله في تحقيق التنمية والنهضة التي وعدنا بها منذ نصف قرن، كل ذلك أسهم سلبيا في إخراج هذه المستنسخات غير الكفوؤة، بينما كان مواطننا يباهي بتفوقه كل أقرانه من العرب!
وإذا كان شأن السياسة لا يستحثنا للحراك السياسي، أفلا تستحثنا هذه النتائج الرقمية على بذل الجهد من أجل مصالحنا أولا، ومن لم تحركه قضاياه القومية والوطنية والدينية أفلا تحركه مصالحه الشخصية، أم أننا سنبقى نصفق لسياسات البعث المتعثرة ونقول عن سلامتها: (عنزة ولو طارت!);)


عود على بدء....
نحتاج لقوة حقيقية حتى نقاوم واقع الاستبداد والتخلف.
والقوة كما أسلفت غير العنف
إنها الاستعصاء على الاستخفاف، ورفض التدجين، ومقاومة الاستلاب وقابلية الاستبداد وثقافة الخوف...
قبل أن تحدث مثل هذه المعجزات في شعبنا فهيهات أن تكون لنا طاقة تقنع النظام بالتغيير أو تقتلعه من جذوره إن لم يفعل دون أن تريق قطرة دم واحدة.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا خشيت أمتي أن تأخذ على يد الظالم فقد تودع منها)، فهل آن الأوان لنقول الحقيقة دون أن تأخذنا فيها لومة لائم؟
بتصوري أن أول مقتضيات ذلك التحول التحرري في كينونتنا التي أنهكتها ثفافة الردع والخوف والاستنزاف، أن نسكت عن كلمة الباطل إن أعيتنا الشجاعة لقول الحقيقة!
أول مقتضيات ذلك ألا نصفق لجلادينا، ولا ننافق من يستخف بنا، ولا نزين وجه الأنظمة القبيح بما نزوره من تدليسات تتجاوز الواقع بل تقلب حقائقه حتى يصبح المعروف منكرا والفاسد مصلحا وداعية الإصلاح مجرما آثما!!
واسلموا لود واحترام(f)