أوطان أصعب مما نعتقد
غسان شربل الحياة 2005/05/1

ارتكب العراقيون قبل عامين خطأً شائعاً. اعتبروا صدام حسين مصدر كل الآلام والصعوبات، وان مجرد اقتلاعه يكفي لوقوعهم في خوف الاختناق من شدة العناق. لا شك ان صدام حسين كان مصنع ألام لشعبه وبلده. من لا يصدق يمكنه العودة الى ما تكشف أمس قرب السماوة. مقبرة جماعية تضم رفات 1500 شخص يعتقد بأنهم من الأكراد.

سيمر وقت طويل بالتأكيد قبل ان ينجح الباحثون في كشف كل «انجازات» السيد الرئيس القائد. لكن أخطر ما يكتشفه العراقيون بعد عامين من إطاحة الطاغية ونظامه هو انه لم يكن المصدر الوحيد للصعوبات وان وطنهم أصعب مما كانوا يعتقدون.

ارتكبت إدارة الرئيس جورج بوش خطأً فاحشاً. اعتقدت بأن سحق نظام صدام حسين سيعلن ولادة نموذج ديموقراطي عراقي قابل للتصدير الى أنحاء أخرى من الشرق الأوسط الكبير. توهمت أنه يكفي فتح صناديق الاقتراع لتزهر الديموقراطية في بلاد الرافدين. ليس الغرض من هذا الكلام الإيحاء بأن صدام كان يجب ان يبقى أو ان الديموقراطية عشبة غريبة لا تنبت في هذه المنطقة ولا تعيش في تربتها.

سقط نظام صدام حسين في حرب شنتها الولايات المتحدة من دون أي تفويض من الشرعية الدولية. ووقع العراق تحت الاحتلال. وثمة من اعتقد بأن مجرد رؤية الدبابات الاميركية تجول في شوارع بغداد سيستفز مشاعر العراقيين ويدفعهم الى الاعتصام بوحدتهم والتوصل سريعاً الى صيغة للحكم تختصر أمد الاحتلال، وتضمن لهم العيش في ظل حكم القانون ودولة المؤسسات. صحيح ان مقاومات ولدت وسددت ضربات موجعة، لكن الصحيح ايضاً هو ان هذه المقاومات افتقرت الى تفويض شعبي واسع، خصوصاً بعدما خطف المقاتلون الجوالون الأضواء والقرار، وراحت هجماتهم تعد للحرب الأهلية أكثر منها لزوال الاحتلال.

[SIZE=5]يمكن القول ان الغالبية الساحقة من القوى العراقية تعاطت مع سقوط نظام البعث انطلاقاً من حسابات وحساسيات مذهبية وقومية تقل بالتأكيد عن الحسابات الوطنية الجامعة. يصدق هذا على قرار اندفاع الشيعة الى المشاركة في انتخابات في ظل الاحتلال كما يصدق على اندفاع العرب السنة الى مقاطعتها. اصرار الفريق الأول على اغتنام الفرصة لفرض أمر واقع جديد قابله إصرار الفريق الثاني على نهج غير واقعي يرفض الاعتراف بالمتغيرات. لم يدرك الفريق الأول اهمية ضبط حدود انتصاره ولم يدرك الفريق الثاني أهمية ضبط الخسائر. يمكن القول ان القوى الكردية تعاطت ايضاً مع الوضع بوصفه فرصة لانتزاع الحد الأقصى من المطالب والضمانات.

كان الخوف هو القاسم المشترك. خاف الشيعة من ضياع الفرصة وخاف السنة من تكريس النتائج المباشرة وخاف الأكراد من تبدل الظروف.

لقاء هذه المخاوف المتبادلة والشكوك العميقة بغياب لغة منتصف الطريق تبدى ايضاً في المفاوضات لتشكيل الحكومة. وسط انشغال القوى السياسية والدينية بحسابات تقل عن حجم مساحة العراق كان برنامج الإعداد للحرب الأهلية يتقدم على برنامج بناء النموذج الديموقراطي.

غداة ولادة حكومة الجعفري قدم الزرقاوي عرضاً للقوة مقلقاً للعراق والمنطقة معاً. احتفل بولادة الحكومة واستقبلها بأكثر من عشر سيارات ملغومة، فيما تصاعدت أنباء الفرز والتهجير والتطهير والدعوات الى الثأر.

يكشف المشهد صعوبات هائلة. ماذا نفعل بالآخر؟ ماذا نفعل بشريك في الوطن لا يشبهنا؟ هل تكفي صناديق الاقتراع وهل يكفي تدبيج الدساتير؟ هل نقبل فعلاً بتنظيم الرقصة الوطنية مع جار يرفض التنازل عن لونه واعتناق لوننا؟

[SIZE=6]إنها أوطان أصعب مما نعتقد.

:brock::brock::brock: