{myadvertisements[zone_1]}

النظام الخطي التصوف المسيحي من خلال سفر الرؤيا الملحمي

إبراهيم بين شجوٍ وحنين المشاركات: 14,214 الانضمام: Jun 2002 مشاركة: #3 التصوف المسيحي من خلال سفر الرؤيا الملحمي ثالثاً : الأسلوب الرمزي الرؤيا ملحمة رمزية، في أوصافها وألوانها وأعدادها. ـ 48 ـ فكل ما فيها رموز. وكل ما يراه النبي الرائي فيها، من أشياء وذوات يأخذ شكل رمز. وكل الإشارات الرمزية فيها، لها معانٍ مقصودة لذاتها، جملة وتفصيلاً. وتلك المعاني في الرموز هي التعليم المقصود في الرؤيا. لذلك نقول : إن أسلوبها الغالب عليها في البيان والتبيين هو الرمزية. وقلّما بلغت الرمزية، في كتاب من آداب الدين والدنيا، مبلغ رؤيا يوحنا في الرمزية. 1 ـ أوصافها رموز نكتفي بمثل واحد : رؤيا ابن البشر الحي الخالد في الكنائس ( 1 : 13 ـ 16 ). فكل إشارة في شخصه أو لباسه تدل على صفة فيه تميّزه على المخلوقين. إنه (( متسربل بثوب إلى الرجلين )) ، إشارة على كهنوته. (( ومتمنطق عند ثدييه، بمنطقة من ذهب )) ، إشارة إلى سلطانه الملكي. (( ورأسه وشـعره أبيضان، كالصوف الأبيض، كالثلج )) ، إشـارة إلى أزلـيته، فهو (( القديم )) . (( وعيناه كلهيب نار )) ، إشارة إلى علمه الكامل، أو إلى غضبه البالغ، بحسب القرائن. (( ورجلاه كأنهما النحاس اللامع صُفّي في أتون متقد )) ، إشارة إلى جبروته. (( وصوته كصوت مياه غزيرة )) ، إشارة إلى بُعْد مداه. (( وفي يده اليمنى سبعة كواكب )) ، إشارة إلى ملائكة الكنائس السبع التي يخاطبها. والعدد (( سبعة )) هو بدوره دليل الكمال والشمول. والكوكب نفسه هو في لغته كناية عن الملاك. وهي في يده اليمنى، إشارة إلى سيطرته الكاملة عليها، لأن اليد أو القبضة في لغة الكتاب دليل القدرة والسلطان. (( ومن فيه يخرج سيف صارم ذو حدّين )) ، إشارة إلى سلطان كلامه القاطع. ـ 49 ـ (( ووجهه يلمع كالشمس عند اشتدادها )) ، إشارة إلى كمال جماله. فتلك الرموز والإشارات أبلغ في الوصف، من الوصف التجريدي؛ وبيانها الرمزي أبلغ بيان. وهذا هو أسلوب الرؤيا المضطرد؛ وفيه سحر بيانها المعجز، الذي يرفعها إلى قمة الملحمات العالمية المشهورة. 2 ـ وألوانها رموز نكتفي أيضاً بمثل واحد : رؤيا الأفراس ( 6 : 1 ـ 8 ). فكل لون فيها دليل على صفة تميزه. فلون الفرس الأبيض هو دليل الظفر! ولون الفرس الأصهب هو دليل المراس الشديد! ولون الفرس الأدهم هو دليل الموت! ولون الفرس الأصفر المائل إلى الأخضر هو دليل التفسخ والفناء. وقد تتغير معاني الألوان بحسب القرائن اللفظية أو المعنوية، القريبة أو البعيدة : فالبياض يشير إلى العفة أو إلى الفرح ( 19 : 8 ). والأحمر القاني دليل العهر والفجور ( 17 : 3 ـ 6 ) ... 3 ـ وأعدادها رموز وهي ميزة أخرى في كتاب الرؤيا. ونلاحظ أن الأعداد فيها تؤخذ لدلالتها الرمزية، لا العددية. والأعداد فيها بسيطة ومركبة. ـ أما الأعداد البسيطة فهي : 1) العدد (( سبعة )) هو دليل الكمال والشمول. لذلك فهو المسيطر على كتاب الرؤيا كله. فهناك سبع حلقات، كل حلقة من سبعة مشاهد، ترمز إلى الكمال والشمول في ما تهدف إليه. ـ 50 ـ وهناك سُباعية فردية كثيرة تدل أيضاً على الكمال والشمول : ففيها (( طوبى )) سبع مرات؛ ويكرر سبع مرات : (( ها أنا ذا آتٍ عن قريب )) برهاناً على تحقيق مجيئه. 2) والعدد (( ستة )) دليل النقصان لأنه 7 ناقص 1. 3) والعدد (( اثنا عشر )) هـو رمز الكمال المطلق، كمـا في رؤيا أورشليم الجديدة. (( العروس، امرأة الحمل )) : (( لها سور عظيم عال، واثنا عشر باباً، وعلى الأبواب اثنا عشر ملاكاً، وأسماء مكتوبة هي أسماء أسباط بني إسرائيل الاثني عشر ( أي الكنيسة، إسرائيل الجديد ) ... ولسور المدينة اثنا عشر أساساً، وعليها اثنا عشر اسماً هي أسماء رسل الحمل الاثني عشر )) ( 21 : 9 ـ 14 ). 4) والعدد (( ثلاثة )) في لغته إشارة إلى الله تعالى وسره. 5) والعدد (( أربعة )) رمز إلى العالم المكوّن من أربعة عناصر؛ أو الذي له أربع جهات؛ أو أربعة أقسام : السماء والماء، والأرض والهاوية أي الجحيم. 6) والعدد (( ألف )) يعني زماناً طويلاً لا حدّ له؛ والمثل الحاكي هو حكم المسيح مع كنيسته (( ألف سنة )) ( 20 : 4 ). ـ وأمّا الأعداد (( المركّبة )) فأمثالها : 1) العدد المربّع مثل ( 12 × 12 = 144 ). 2) العدد المضروب مثل ( 12 ألفاً من 12 عشيرة يساوي ( 144000 ) عدد الشهداء الرمزي من النصارى من بني إسرائيل ( 7 : 4 ـ 8 )؛ وعدد العذارى التابعات للحمل من الأمميين. 3) العدد المصغّر أو المكّبر يكسب معـاني مختلفة بحسب تصغيره أو تكبيره كالعدد (( ثلاث أيام ونصف )) ( 11 : 9 و 11 ) أي 42 شهراً ( 11 : 2 ) أي 1260 يوماً ( 11 : 3 )؛ فتختلف طريقة العدّ، للعدد الواحد، بحسب اختلاف التورية المقصودة فيه. ـ 51 ـ 4) والنكتة الكبرى هو رمز عدد الوحش : (( فعدده 666 )) ( 13 : 18 ) فإنه رمز النقصان الأكبر. بينما عدد المسيح في حساب الجمّل اليوناني فهو 888 أي رمز الكمال الأكبر (777)، فهو فوق كل كمال. 4 ـ ورموزها بسيطة أو مركّبة من إعجاز الرمزية في الرؤيا ثنائية معنى الرمز، أو تعدّد معناه : فالمرأة المنوّرة مثلاً ( 12 : 1 ) تعني أُم المسيح والكنيسة معاً. والوحش يعني نيرون، المضطهد الأول، ثم كل طاغية مثله من بعده، وعلى التخصيص كل قيصر روماني يضطهد المسيحية. و (( أورشليم الجديدة )) تعني معاً أورشليم الأرضية أي الكنيسة، وأورشليم السماوية أي الجنة ( 21 : 2 و 10 ). فتلك الرموز كلها، في معانيها البعيدة، وأسلوبها من (( المختلف المؤتلف )) ، تزيد من سحر الرؤيا في البيان والتبيين. وهذا ما يسمّي في علم البديع (( الاتّساع )) ، وهو الإتيان بكلام يتسع فيه التأويل على مقدار العقول، وبحسب ما تتحمّله الألفاظ. و (( الاتساع )) الفني في الرؤيا من أبواب إعجازها. وبما أن المقصود من الرموز معانيها ومراميها، لا تحقيقها بصورة المحسوس، فلا يصح تصوير الرمز بلغة الواقع. هكذا الوحش (( له سبعة رؤوس وعشرة قرون )) (13 : 1)، فغرابة الرمز تلفت النظر، وهي مقصودة، ومطابقة للتاريخ الروماني المعهود. فلا داعي لتصوير الرمز في عالم المشهود، بل يجب حمل الرمز على معناه المقصود. * رابعاً : أسلوب التصوير الفني يمتاز أسلوب الرؤيا، في إعجازه البياني، بالتصوير الفني، بأساليب التضخيم، والتجسيم، والإحياء، والتشخيص، والتدبيج ... ـ 52 ـ 1 ـ فنّ التضخيم هو من أساليب الرؤيا البيانية، في التعبير والتصوير. والمقصود منه ناحية التشبيه أو الكتابة أو الاستعارة. مثال ذلك الأهوال التي تطلقها الأبواق لتحقيق انتقام الله من المدينة الكافرة. فبعد البوق الأول (( احترق ثلث الأرض )) ( 8 : 7 ). وبعد الثاني (( صار ثلث البحر دماً )) ( 8 : 8 ). وبعد البوق الثالث (( كوكب عظيم متقد كمشعل وقع على ثلث الأنهار، وعلى عيون المياه )) (8 : 10). فالمقصود معنى الرمز، لا تحقيقه الحرفي، الواقعي. وهذا التضخيم يزيد الرمز بياناً وتصويراً. 2 ـ فنّ التجسيم من أساليبها البيانية، تجسيم الأفكار والصور، فتأتي كأنها ناطقة. كقوله : (( ثم رأيت وسمعت عقاباً يطير في وسط السماء، ويقول بصوت عظيم : الويل! الويل! الويل! )) ( 8 : 13 ). وكقوله في خلود ضحية المسيح في السماء : (( ورأيت فإذا بين العرش والحيوانات الأربعة وبين الشيوخ، حمل قائم كأنه مذبوح، له سبعة قرون وسبع أعين. فتقدّم وأخذ السفر المختوم من يمين الجالس على العرش )) ( 5 : 6 ـ 7 ). فتصوير السـيد المسـيح بصورة (( حمل قائم كأنه مذبوح )) ، فهو مذبوح وحي معاً، هذا تجسيم لمعنى الفداء الخالد. ووصفه بأن له (( سبعة قرون، وسبع أعين )) هو دليل الجبروت، وكمال العلم، اللذان جعلاه يأخذ سفر القضاء والقدر من يمين العلي، ويفضّ ختومه. 3 ـ فنّ الإحياء من أساليبها البيانية، إحياء الطبيعة للمشاركة في الحياة والعمل. كقوله : (( ونفخ الملاك الخامس في بوقه، فرأيت نجماً يسقط من السماء على الأرض. وأعطي مفتاح بئر الهاوية ( الجحيم )، ففتح بئر الهاوية، فتصاعد من البئر دخان كدخان أتون عظيم ... ومن الدخان خرج جراد على الأرض ... وهيئة الجراد تشبه خيلاً معدّة للقتال ... ووجوهها كوجوه الناس، ولها شعر ـ 53 ـ كشعر النساء، وأسنان كأسنان الأسود )) ( 9 : 1 ـ 9 ). فالنجم يعمل كشخص حي، فهو كناية عن ملاك. وتصوير زبانية الجحيم بجراد حيّ كالخيل ولها شعر نساء، وأسنان أسود هو إحياء الطبيعة أو ما وراء الطبيعة، لمشاركة الأحياء في العمل. 4 ـ فنّ التشخيص من أساليبها البيانية التشخيص، فيأتي الوصف تمثيلاً حيّاً. كتمثيل (( القديم )) على عرشه في السماء : (( منظر الجالس على العرش كحجر اليشب والعقيق؛ وحول العرش قوس غمام منظره كالزمرّدة )) ( 4 : 3 ). وتمثيل ابن البشر (( كحمل قائم كأنه مذبوح، له سبعة قرون وسبع أعين )) ( 5 : 6 ). وتمثيل إبليس (( بتنّين عظيم، بلون النار ... يجرّ ذنبه ثلث كواكب السماء )) ( 12 : 3 ـ 4 ) ـ فهل الملائكة الهالكون كانوا ثلث أهل السماء ؟ وتمثيل التنين (( بالوحش، له عشرة قرون وسبعة رؤوس؛ وعلى قرونه عشرة أكاليل، وعلى رؤوسه أسماء تجديف. وكان الوحش الذي رأيته يشبه النمر، وقوائمه كقوائم الدب، وفمه كفم الأسد. وقد آتاه التنين قوته، وعرشه وسلطاناً عظيماً )) ( 13 : 1 ـ 2 ). فهذا التشخيص يبعث الحياة في الرموز، وتارة الدهشة، وطوراً الرعب. 5 ـ فنّ التدبيج من أساليبها البيانية التدبيج الذي يجمع الكناية إلى التورية، وهما من ألطف أنواع البيان. فيأتي المتكلّم بلون من الكلام يقصد الكناية به عن شيء، والتورية بذكره عن أشياء، مثل هذه الاستعارات المركّبة : وصف المسيح بالأسد والحمل معاً ( 5 : 5 ـ 6 ). وصف قضاء الله بالحلاوة والمرارة معاً ( 10 : 9 ). وصف دينونة الله بالمياه الغزيرة، وألحان العزف ( 14 : 2 ). ـ 54 ـ وصف الناجين من الاضطهاد كأنهم واقفون على بحر من زجاج مختلط بالنار، ومعهم كنانير الله ( 15 : 2 ). وصف أورشليم الجديدة في كمالها كمربع ينتهي بهرم كوبي ( 21 : 16 ). وصف الجراد الجهنمي كخيل لها وجوه بشر، وشعر نساء، وأسنان أسود، وأذناب عقارب ( 9 : 3 ـ 11 ). فتلك الرموز وأمثالها لوحات فنية رائعة يُكنى بها عن أشياء، ويُورى بها عن أشياء، تسبح كلها في أبعاد الخيال. وجميع تلك الأساليب هي من التصوير الفني الذي يبعث فيها الحياة والحركة، والدهشة والرعشة في الناظرين. تلك من أساليب البيان، وهذه الآتية من أساليب التبيين. * خامساً : أسلوب التبيين في أسلوب التأليف تتبع الرؤيا فنوناً بيانية تزيد من روعة بيانها في التبيين، مثل الترتيب، والاقتباس، والتلفيف، والتوقيت، والمقابلة. والتضمين، والتعليق ... 1 ـ فنّ الترتيب كتاب الرؤيا من ثلاثة أسفار، في سبع حلقات، كل حلقة منها من سبعة فصول أو مشاهد، دليل الشمول والكمال في تصميم الله، وتحقيقه في خلقه. فسفر الرسائل من سبع رسائل، مختومة بلازمة مكرّرة تجمع وحدتها وتبرز روعتها الفنية : (( مَن له أُذن فلْيسمعْ ما يقول الروح للكنائس )) ( 2 : 7 و11 و17 و29؛ 3 : 6 و13 و22 ). وسفر الرؤيا الأولى من حلقتين، الأولى تصميم في السماء، والثانية تحقيق على الأرض؛ وكل حلقة من سبعة مشاهد. ـ 55 ـ وسفر الرؤيا الثانية كذلك من حلقتين، الأولى تصميم في السماء، والثانية تحقيق على الأرض. وكل سفر له رؤيا إعدادية يتسلم فيها النبي الرائي رسالة جديدة. وخاتمة الكتاب حلقتان : الأولى حلقة الأصوات السبعة للإنباء بسقوط رومة الوثنية، بابل ( 18 : 1 ـ 19 : 10 )؛ والثانية حلقة الرؤى السماوية السبع للإنباء بنصر المسيحية على الوثنية ( 19 : 11 ـ 20 : 15 ). 2 ـ فنّ الاقتباس لم يرقَ فن الاقتباس في كتاب إلى فنّ الرؤيا فيه. فهي استخدام لنبؤات العهد القديم في رموزها وصورها وتعابيرها، حتى تحسب رؤيا فسيفساء من آيات الكتاب. وهذا دليل اقتدار، لا دليل تقصير، فإن يوحنا يستخدم الكتاب لبيان تحقيقه في المسيحية. 3 ـ فنّ التلفيف وهو إخراج الكلام مخرج التعليم، وهذا هو المقصود برموز الرؤيا كلها. فتظهر حلقة سباعية في السماء للتصميم؛ وتليها حلقة سباعية على الأرض للتحقيق. ويتكرر الأسلوب، حتى يشعر القارئ أن الأقدار والأعمال بيد الله ومسيحه، فلا خوف على المؤمنين من الجحيم، ومن الدنيا ومن عليها، من وحش البحر، إلى وحش البرّ. 4 ـ فنّ التوقيت وهو أسلوب مضطرد في كتاب الرؤيا كله. فهو يستفتح كل سفر من أسفارها الثلاثة برؤيا إعدادية تفسّرها. ويستطرد، بعد المشهد السادس من كل حلقة إلى رؤيا استطرادية تعطي اللوحة المعاكسة للمشاهد المتواترة. 5 ـ فنّ المقابلة وهو عام وخاص. فكل رؤيا من الاثنين فيها حلقة تصميم في السماء يقابلها حلقة تحقيق على الأرض. كما في الخاتمة حلقة إنباء بسقوط الوثنية، يقابلها حلقة إنباء بنصر المسيحية. ـ 56 ـ ومن قبيل فن المقابلة الخاص ورود صورتين متقابلتين، أو مشهدين متعارضين. مثل المرأة المنوّرة والتنين المظلم ( ف 12 )؛ ومثل الشاهدين للمسيح ( ف 11 ) يقابلهما الشاهدان للتنين، وحش البحر ووحش البرّ ( ف 13 )؛ ومثل صراع التنين والمرأة المنوّرة على الأرض، يقابله صراع ميخائيل وملائكته، وإبليس وزبانيته في السماء قبل هبوطهم إلى الجحيم ( ف 13 ). وهو فن مضطرد في الرؤيا كلها، من مشاهد مدينة الله، إلى مشاهد مدينة الشرّير. 6 ـ فنّ التضمين وهو تضمين مشهد في مشهد آخر، يأتي تفسيره فيما بعد، وذلك في المواطن نفسها، والتعابير نفسها. فإعلان سقوط بابل موجزاً ( 14 : 8 ) هو تضمين لتفصيله فيما بعد ( ف 17 ـ 19 )؛ وإعلان غضب الله على المتّسمين بسمة الوحش ( 14 : 9 ـ 10 ) سيُفصّل في حلقة الجامات ( ف 16 )؛ ومشهد الضفادع الشيطانية التي تخرج من فم التنين والوحش والنبي الكذّاب ( 16 : 13 ـ 16 ) هو تضمين لتفصيل آتٍ ( 19 : 17 ـ 21 ). وهذا التضمين يبلغ قمة الروعة في صورة الوحش تبرز موجزة ( 13 : 1 ) ثم مفصّلة ( 19 : 7 ـ 11 ) ثم مكتملة ( ف 21 ـ 22 ). ومن روائع التضمين في الرؤيا ـ كما أشرنا مراراً ـ هو تضمين الرؤيا الإعدادية (ف 10) للقسم الثاني ( 12 ـ 16 ) في القسم الأول ( 4 ـ 11 )، لربطهما بعضهما ببعض، كأنهما ينبثقان بعضهما من بعض. كذلك تضمين وصف أورشليم الأرضية في وصف أورشليم السماوية ( 21 : 1 ـ 22 : 5 ) كأن الأرضية صورة للسماوية. 7 ـ فنّ التعليق وهو تعليق معنى على معنى آخر، تعليقاً متلاحماً، إمّا في المعنى وحده، وإمّا في اللفظ والمعنى جميعاً، بحيث يتعذّر فصلهما. وهو عام وخاص. من قبيل التعليق العام (( السفر المختوم )) في الرؤيا الأولى و (( السفر المفتوح )) في الرؤيا الثانية. ـ 57 ـ ومن قبيل التعليق الخاص : استلام الحمل من (( القديم )) الجالس على العرش السفر المختوم دليلاً على اشتراكه في تدبير قضاء الله وقدره، في خلقه؛ وصف السيد المسيح بصفة الله تعالى، أنه (( الألف والياء، والمبدأ والمعاد )) أو غير ذلك. وبخلع صفات الله على المسيح يؤكد النبي الرائي إلهية المسيح من أول الكتاب إلى آخره. تلك هي بعض الفنون البيانية في أسلوب التبيين، في تأليف الرؤيا المحكم. * سادساً : أسلوب التأليف المحكم لقد أشرنا إليه سابقاً؛ وهنا تفصيل الكلام فيه. ولا بأس بشيء من التكرار للتقرير. الظاهرة الكبرى في كتاب الرؤيا هو التأليف المحكم، سواء اعتبرناها وحدة فنية شاملة، أو ثلاثة أسفار متكاملة. 1 ـ فالكتاب مؤلف من سبع حلقات سباعية : الرسائل، والأختام، والأبواق، والجامات، والأصوات، والرؤى؛ مع فاتحة وخاتمة. والعدد سبعة عندهم هو رمز الجمال والكمال. وتلك الحلقات السبع السباعية لها سبع رؤى إعدادية تقسم الكتاب كله إلى سبعة أجزاء، إذا اعتبرناه وحدة فنية : رؤيا ابن البشر في وسط الكنائس ( 1 : 9 ـ 20 ) تستفتح حلقة الرسائل السبع؛ ورؤيا (( القديم )) على عرشه يُسلم الحمل السفر المختوم ( 4 ـ 5 ) تستفتح حلقة الأختام؛ ورؤيا ملائكة الحضرة، السبعة المقرّبين، يتسلمون الأبواق تستفتح حلقة الأبواق ( 8 : 2 ـ 6 )؛ ورؤيا ملاك الوحي يطلع النبي الرائي على السفر المفتوح (10) تستفتح حلقة الآيات ( 12 ـ 15 )؛ ورؤيا الملائكة السبعة الآخرون وبأيديهم الضربات السبع الأخيرة ( 8 : 5 ـ 8 ) تستفتح حلقة الجامات (16)؛ وسماع صوت من العرش (16 : 17) يستفتح حلقة الأصوات ـ 58 ـ تندب سقوط رومة الوثنية ( 17 : 1 ـ 19 : 8 )؛ أخيراً الدعوة إلى وليمة الحمل (19 : 9) تستفتح حلقة الرؤى السبع في انتصار المسيحية على الوثنية. 2 ـ والكتاب مقسوم أيضاً إلى ثلاثة أسفار : سفر الرسائل (1 ـ 3)؛ وسفر (( الرؤيا الأولى )) ، إسرائيل والمسيحية، في اضطهاد نيرون ( 4 : 11 )؛ وسفر (( الرؤيا الثانية )) ؛ رومة والمسيحية ( 12 : 16 ). مع تكملة للاضطهاد العابر ثم للاضطهاد الدائم (17 ـ 20). أما سفر (( الرؤيا الأولى )) فهو مؤلف من رؤيا إعدادية للقديم والحمل ( 4 ـ 5 )؛ ومن حلقة سباعية للتصميم في السماء، هي رؤيا الأختام؛ ومن حلقة سباعية للتحقيق على الأرض، هي رؤيا الأبواق ( 6 ـ 11 )؛ مع رؤيا ختامية لأورشليم وإسرائيل، في الرؤيا الاستطرادية ( 11 : 1 ـ 14 ) على سبيل التضمين ما بين البوق السادس والسابع. وختامها كلها في ( 19 : 9 ـ 10 ) ثم في ( 21 : 10 ـ 15 ). وأما سفر (( الرؤيا الثانية )) فهو مؤلف من رؤيا إعدادية لملاك الوحي يكشف للنبي الرائي مصير الكنيسة في الدولة الرومانية ( ف 10 )، وقد ورد في (( الرؤيا الأولى )) على سبيل التضمين؛ ومن حلقة سباعية للتصميم في السماء، هي رؤيا الآيات؛ ومن حلقة سباعية للتحقيق على الأرض، هي رؤيا الجامات؛ ومن خاتمة في حلقتين : حلقة الأصوات السبعة للإنباء بسقوط بابل ـ رومة ( 18 : 1 ـ 19 : 8 )؛ وحلقة الرؤى السبع للإنباء بنصر المسيحية على الوثنية الرومانية ( 19 : 11 ـ 20 : 15 ). وختامها في (21 : 18 ـ 19). وخاتمة الكتاب كله هي رؤيا أورشليم الجديدة الأرضية ( 21 : 9 ـ 27 ) المتضمّنة في رؤيا أورشليم السماوية ( 21 : 1 ـ 22 : 15 ). وفصل الخطاب في ( 22 : 20 ـ 21 ). نلاحظ مرة أخرى أنهم جمعوا خواتيم الأسفار الثلاثة في ختام الكتاب : خاتمة الرؤيا الأولى ( 22 : 10 ـ 15 ) في مصير أورشليم المحتوم؛ وخاتمة سفر الرسائل ( 22 : 16 ـ 17 )؛ وخاتمة الرؤيا الثانية في مصير رومة الوثنية ( 22 : 18 ـ 21 ). والشاهد على ذلك هو قوله في خاتمة الرؤيا الأولى : ـ 59 ـ (( ها أنا ذا آتٍ عن قريب وجزائي معي )) ( 22 : 12 )؛ وتكرار قوله في خاتمة الرؤيا الثانية: (( فالشاهد بهذه الأمور يقول: نعم، إني آتٍ عن قريب )) ( 22 : 20 ). فهذا التأليف المحكم من ثلاثة أسفار تستفتحها ثلاث رؤى إعدادية؛ أو من سبعة أجزاء، بسبع حلقات، تستفتحها سبع رؤى إعدادية؛ مع سبع رؤى استطرادية، بعد المشهد السادس من كل حلقة؛ ورؤيا ختامية ثنائية لأورشليم الجديدة الأرضة ـ كناية عن الكنيسة ـ المتضمّنة في رؤيا أورشليم السماوية ( 21 : 1 ـ 22 : 5 )؛ أجل هذا التأليف المحكم الذي قلّ نظيره في آداب الدين والدنيا، هو ناحية من الإعجاز في كتاب الرؤيا. * سابعاً : دلائل الإعجاز في الرؤيا قلنا بأن ظواهر الإعجاز الفني في الرؤيا بادية عليها؛ ومنها فنّ الاقتباس وفن الاتساع، وفن الاقتدار، وفن الافتنان، وفن الادماج، والفن الملحمي. نستجمعها هنا، ولو سبق لنا فيها نظر. ودلائل الإعجاز الموضوعي بادية أيضاً عليها : فهي نبؤة، ورؤيا، وشهادة. نبدأ بظواهر الإعجاز الفني : 1 ـ فن الاقتباس ( مرةً أخرى ) ليس الاقتباس دليل إعجاز عادة ـ لكنه في الرؤيا يبلغ مبلغ الإعجاز في فنّه. لقد قلنا بأن الرؤيا فسيفساء من آيات العهد القديم استجمع فيها النبي الرائي صور المسيح المتعددة في نبؤات الكتاب، لينحت منها صورة جديدة تجعل المسيح المشهود أعظم من المسيح الموعود وأعجز. 2 ـ فنّ الاتساع انه يشمل الرؤيا كلها، فهي ملحمة رمزية جملةً وتفصيلاً : تكتسب ـ 60 ـ رموزها أبعاداً تغوص في سر الكائن والكون، وفي غيب السماوات والأرضين. وهي تشهد بأنواع الرموز البليغة بإلهية السيد المسيح، وسيطرته مع القديم القدير على مصير المسيحية والبشرية، وتاريخ الكون كله في سمائه وأرضه وجحيمه. 3 ـ فنّ الاقتدار هو فن إبراز المعنى الواحد في عدة صور. وهو قوام كتاب الرؤيا كلها فهناك حلقة للتصميم في السماء، يقابلها حلقة للتنفيذ على الأرض. والأسلوب يتكرر بالنسبة إلى إسرائيل والمسيحية، ثم رومة والمسيحية. فلم يبلغ الاقتدار الفني في كتاب نعرفه مبلغه في رؤيا يوحنا. 4 ـ فنّ الادماج هو دمج غرض بغرض، وهدف بهدف يزيدهما بياناً. من ذلك تصوير السيد المسيح بصورة القديم، وإضفاء صفات الله عليه؛ وتحقيق العهد القديم في العهد الجديد؛ وانتصار المسيحية بالاستشهاد في الاضطهاد؛ وتسيير التاريخ على الأرض بتصميم الله ومسيحه في السماء. 5 ـ فنّ الافتنان هو الإتيان في الكلام بفنين متضادين، أو مختلفين، حيث الضدّ يُظهر حسنه الضدّ. من ذلك صورة المسيح وصورة إبليس؛ مشهد الاضطهاد ومشهد الاستشهاد؛ أهوال المضطهِدِين وأناشيد الشهداء؛ صورة المرأة المنوّرة تجاه صورة التنين القائمة؛ صورة الناس على الأرض بالتفكير، وصورة الله ومسيحه في السماء بالتدبير. 6 ـ الفنّ الملحمي هو فنّ الرؤيا كلها. فترى السماء والأرض والجحيم في صراع. وتشاهد تقدير الله في الغيب، وتحقيق الخلق في الكون. تسمع الملائكة تهتف بالأبواق، بينما غيرها يفض أختام القضاء والقدر، تشاهد مسلسل الرؤى السبع يتحقق بمسلسل الجامات السبعة. فتنتقل من حلقة إلى حلقة والدهشة والرعشة تأخذان مأخذهما منك ... ـ 61 ـ فدلائل الإعجاز الفني تشمل أسلوب الرؤيا كلها. ثم نرى ظواهر الإعجاز الموضوعي : كتاب الرؤيا يستجمع أساليب الوحي كلها في العهد القديم والجديد، كأنه خلاصتها جميعاً. فهو رؤيا ونبؤة وشهادة. 1 ـ الكتاب هو (( رؤيا )) هذا هو الاسم الذي يعرف به. هذا هو الاسم الذي يتخذه في أول كلمة منه : (( رؤيا يسوع المسيح )) ( 1 : 1 ). وهذا هو الموضوع المقصود فيه كما يعلنه منذ مطلعه : (( لكي يكشف لعباده ما سيكون عن قريب )) ( 1 : 1 ). وفي الواقع ظاهر الكتاب يؤيد اسمه وموضوعه : إنه سلسلة حلقات من الرؤى. فالكتاب هو حقاً (( رؤيا )) . 2 ـ الكتاب هو أيضاً (( نبؤة )) هذا هو أيضاً الاسم الذي يتخذه في مطلعه : (( طوبى لمن يقرأ، وللذين يسمعون كلمات هذه النبؤة )) ( 1 : 3 ). خصوصاً هذا هو الاسم الذي يطلقه على نفسه في خاتمته (22 : 7 و10 و18 و19). وهذه هي الصفة التي يطلقها الكتاب على نفسه في الرؤيا الإعدادية لكل سفر من أسفاره الثلاثة: ففي الأول يقول: (( فاكتب ما رأيت؛ ما هو كائن. وما سيكون من بعد )) ( 1 : 19 )؛ وفي الثاني : (( مستحق أنت أن تأخذ الكتاب وتفض ختومه )) ( 5 : 9 )؛ وفي الثالث: (( وقبل لي : لا بد لك من أن تتنبأ أيضاً على شعوب وأُمم وألسنة وملوك كثيرين )) ( 10 : 11 ). 3 ـ الكتاب هو كذلك (( شهادة )) بهذه الصفة يستفتح الرؤيا، (( الشهادة ليسوع المسيح )) ( 1 : 2 )؛ ويختمها : (( فإن الشهادة ليسوع هي روح النبوة )) ( 19 : 10 ). وفيها يسوع المسيح يصف نفسه : (( الشاهد الأمين )) ( 1 : 5 )؛ ويعلن : ـ 62 ـ (( أنا يسوع أرسلت ملاكي ليشهد لكم بهذه الأمور في شأن الكنائس )) ( 22 : 16 ). فكتاب (( الرؤيا )) يستجمع نبؤات الكتاب كلها، بأساليبها الثلاثة، في قراءة جديدة على ضوء الإنجيل والعهد الجديد كله. وهذا هو الإعجاز الموضوعي فيه. فهو حقاً خاتمة الكتاب والإنجيل. 05-02-2005, 12:49 AM {myadvertisements[zone_3]}

« السابق | التالي »

الردود في هذا الموضوع

التصوف المسيحي من خلال سفر الرؤيا الملحمي - بواسطة إبراهيم - 05-02-2005, 12:44 AM, التصوف المسيحي من خلال سفر الرؤيا الملحمي - بواسطة إبراهيم - 05-02-2005, 12:46 AM, التصوف المسيحي من خلال سفر الرؤيا الملحمي - بواسطة إبراهيم - 05-02-2005, 12:49 AM التصوف المسيحي من خلال سفر الرؤيا الملحمي - بواسطة إبراهيم - 05-02-2005, 12:51 AM, التصوف المسيحي من خلال سفر الرؤيا الملحمي - بواسطة إبراهيم - 05-02-2005, 12:53 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	مليون قبطى اسلموا خلال 30 سنة	على نور الله	2	658	06-12-2012, 12:38 PM آخر رد: handy
	ما معنى قول المسيحي للمسلم إن المسيح ابن الله؟	إبراهيم	0	1,091	03-13-2012, 08:11 PM آخر رد: إبراهيم
	إثبات كذب وحى الميرزا غلام من خلال أقواله عن آدم	ابانوب	3	971	01-28-2012, 11:34 AM آخر رد: جمال الحر
	أيها الأخ المسيحي : هل لديك جواب من كتابك المقدس؟.	جمال الحر	19	3,193	12-13-2011, 06:47 PM آخر رد: جمال الحر
	حقيقة الجنة و الجحيم ...لا تحكموا على الإسلام من خلال فهم بعض الشيوخ	جمال الحر	23	5,034	11-23-2011, 05:36 PM آخر رد: جمال الحر

يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 4 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}

Translation by Arabic support - Ver: stable 1.0
Powered by MyBB, © 2002-2024 MyBB Group.