السيد unbeliever ..

من أهم الأسس التي ينبغي توفرها في أي باحث أو ناقد ، أن ينظر إلى الأمور كما هي في الحقيقة ، لا كما تصورها له مخيلته وتوهماته، واعترف ان الأمر صعب في كثير من الأحيان ، إذ تصر عقولنا على تصور الأمر كما يحلو لها هي ، لا كما هو على أرض الواقع ..

يسمي البعض هذا بالخريطة الذهنية .. ويقولون أن الجزء الخلفي من الدماغ هو المسئول عنها وأيا كان ، فانقيادنا وراء الأوهام والتصورات تلك ، دون الاجتهاد في معرفة الواقع ،هو عيب قاتل ، وداء عضال .. وهي تلك الغشاوة التي تحيط بالأبصار فتصيبها بعمى دون العمى ..

إذا كنت حقا تعتقد أن (المسلمين تنفسوا الصعداء لما لم تركز على هذه النقطة) وتتصور حقا أن الآية محرجة جدا .. وتعتقد أنك تصيب المؤمنين في مقتل بكلماتك تلك ، بل وتتجاوز إلى توقع ردودهم مسبقا فأنت في مشكلة آمل أن تتجاوزها من كل قلبي!

لا أعرف كيف تستقبل مثل هذا الكلام ، لكنك عودتنا على الحدة دائما ، والحدة مضرة بالصحة كثيرا .. (f)

:what:

قرأت ما كتبته من قبل حول (عرضها السماوات والأرض) وقد كان مع جملة افكار أخرى تبثها غالبا بشكل متواز ، بحيث يعيى الإنسان في تتبع النقاط التي تطرحها ، ولا يعرف على ماذا يرد وماذا يترك ، وبالتأكيد ليس الجواب على كل الأسئلة موجودا عند الفرد الواحد ، بينما يستطيع واحد فقط إختلاق ألف سؤال وسؤال .. واعتقاده أن عجز الآخرين في الإجابة عليها هو نجاحه هو ، اعتقاد خاطيء ، إنه لا يبذل مجهودا اكثر من أن يطرح المشكلات ثم يعيي الآخرين في البحث عن حل لها .. وإذا ما أخفقوا في ذلك كان عمله مجرد التبجح والسخرية ! واللجوء الى التعميمات والافتراضات المسبقة التي يعيدها مرارا وتكرارا ..

وما يدريه ؟ ألا يخطر ببالنا نفس خواطره؟ ألم نتسائل من قبل نفس أسئلته؟ ألم يعيينا الجواب مرارا .. ألم نحتج إلى مزيد وقت وجهد حتى نحصل على الجواب.. أليس من الأفضل حقا أن نقول (الله أعلم) أو (لا أدري) مادمنا حقا لا نعلم ولا ندري ولا نملك مفاتيح الصورة كاملة؟

ولماذا يتفاخر هو أنه (لا أدري) بينما يعيب علينا أن نقول ذلك أيضا!

ولماذا يلجأ إلى الأحكام السريعة الجاهزة مادام الأمر متعلقا بالآخرين ، بينما لو كان شيئا من أفكاره هو للجأ إلى الروية وزجر من يتسرع في إطلاق الأحكام؟!

...

الحق أن كلمات السيد unbeliever عن (عرضها السماوات والأرض)كانت مفاجئة لي.. واحتاجت مني وقتا في التفكير والتأمل .. إذ لم يتبادر هذا المعنى إلى ذهني من قبل، فانا لا أتصور نفسي إلا إنسانا واقفا على الأرض ، فأجد السماء حولي تبدو لا متناهية ، ثم أجد الأرض ممتدة في كل الاتجاهات كانها بلا نهاية مدركة ..

ولو كان عرض الجنة بمقدار هذا الجزء الذي أراه وحسب لكانت شيئا عظيما وكبيرا!

لكن عندما تتسع مداركي فأكتشف أن هذه السماء هي أكبر بكثير مما تخيلت وتصورت ، ثم تعود الأيات لتدلني على ان ما ندركه هو فقط السماء الدنيا (المزينة بالمصابيح - النجوم).. بل ربما جزء منها لا ندري ما نسبته إلى بقيتها .. فإن الأرض التي بدت في نظري عظيمة تتضاءل وتتضاءل .. صحيح أن وضع الأرض بإزاء هذه السماوات العظيمة هو لا شيء يذكر (بلغة الأرقام) لكنه شيء عظيم حقا بمفهوم الانسان ..

انظر كيف يطمع الانسان في حيازة ما استطاع من هذا الجزء الدقيق ، كيف يشن الحروب والغارات ويقتل ويسفك الدماء من أجل كيلومترات زائدة يضيفها إلى أرضه على حساب غيره ، أي مشاعر احتقار وازدراء لهذه الدنيا تكتنف الانسان عندما تنطبع في ذهنه هذه الصورة؟! وأي مشاعر شوق وحنين للجنة تعصف به؟!

لما كانت موقعة بدر "قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال يقول ‏‏ عمير بن الحمام الأنصاري ‏ ‏يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال نعم قال ‏ ‏بخ بخ ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما يحملك على قولك ‏ ‏بخ بخ ‏ ‏قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها فأخرج تمرات من ‏ ‏قرنه ‏ ‏فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل" ..

فهذه الثنائية (احتقار الدنيا مع تعظيم الجنة) تتحقق من وصف (عرضها السماوات والأرض)

وفي الحقيقة ليس ثمة خطأ (علمي) إذا ما وصفت أن شيئا ما هو بعرض هرم خوفو مضافا اليه ذرة رمل .. ربما تبدو هذه الذرة شيئا قابلا للتجاهل (negelectable) بالنسبة للإنسان الضخم الذي يغلب عليه تجاهل الأشياء الصغيرة جدا ،لكن لو كان الانسان ذا حجم ميكرسكوبي فستكون شيئا عظيما جدا ، إذ أنه يغلب عليه تجاهل الأشياء الضخمة جدا والتي لا يستطيع إدراكها! ويكفيه ان يعرف ان هرم خوفو هو أكبر بكثير من هذه الذرة التي يعجز عن استيعابها كلها ببصره!

فثنائية (السماوات والأرض) تمثل حقا نوعا من التوازن الذي يتعامل مع الانسان مع اختلاف حدود ادراكه! .. ضاقت ام اتسعت ! وهي مزية في كثير من آيات الكونية في القرآن الكريم والتي تفتح المعرفة الإنسانية آفاقا أخرى لفهمها وتفسيرها دون أن يحصل تضاد أو تناقض ..

والحقيقة أن جهود التفاسير القديمة في شرح الآيات الكونية في القرآن الكريم توضح وجود تناقضات واجتهادات وتأويلات مختلفة تؤكد ان بعض ما تذكره الآيات غير مفهوم كلية بالنسبة لأهل هذا العصر .. ومثال ذلك قوله تعالى (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا {91/3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا {91/4}) والتي تبدو واضحة المعنى دون تاويل في عصرنا هذا ، بينما هي غامضة وتحتاج إلى تأويل في عصرهم .. وضع مثل هذه الآيات في سياق تاريخي غير ممكن !

وعلى كل حال .. فمثل هذا الموضوع لا يصح فيه الاجمال ، بل يجب درسة كل مثال على حدة ، وبسط الحديث فيه حتى ينال حقه ، وهو حقا ما أتمنى ان أراه .. أما إن كان يحسب السيد الفاضلunbeliever أن ما يفعله هو وضع "القرآن على طاولة البحث العلمي النزيه المتحرر من الأفكار والأهداف المسبقة." فأنا لا اتفق معه في هذا ، ولا أرى في كلامه شيئا من البحث النزيه .. إنما هو استفزاز وتهجم وتجريح!

تحياتي!