إلا أننا نحن السوريون كغيرنا من العرب العاطفيين الإنفعاليين ، لا نحمل في حقائب سفرنا ملابسنا وأكياس الزعتر والملوخية والميرمية فحسب ، بل نحمل معنا أوطاننا بكل مافيها من أمراض وتناقضات إلى مواطن الإغتراب .. وإلا فما كان على جبران أن يطلق صيحته للشباب السوريين في أمريكا للترابط والتآخي ، وما كان لتلك السيدة الأمريكية أن تعلمها أعوام قليلة من الإرتباط بصديقها السوري طبخ ورق العنب والشاكرية وقنابل الكبه * الإنشطارية ، واحتساء المتي ** وطق الحنك على عتبات الإنترنت والمنتديات السورية ، وصولا إلى معرفة الفوارق اللهجوية الدقيقة للعضو التناسلي للرجل حسب تعدد اللهجات السورية !!.

نعلمهم القذارة .. والدين أيضا ..
" شكرا للشاب العربي الأسمر*** الوسيم الذي علمنا الإسلام " ..
قالتها إحدى السيدات الأمريكيات في مؤتمر للمسلمات الأمريكيات اللائي أسلمهن أزواجهن العرب ، ثم تركوهن بعد الجرين كارد ..
أعراب يا رسول الله ...
وهذا أيضا إرث ثقافي عربي قديم غزونا به أمريكا ، والعالم كله .. وما لم نبلغه بالسيف البتار.. بلغناه بالسيف البتار أيضا !!.

قد ننظر لتلك " الفتوحات " على أنها نمط ثقافي لا يمكن التخلي عنه ، لا بل إرث ثقافي يكتسب نقطة قوة لا نقطة ضعف في انتشاره خارج حدود المكان وهي بحق نقطة نجاح ، وربما هي ليست أمراض بالمعنى التشخيصي للكلمة إلا في أذهاننا نحن الذين لبسنا جلد غزال لنتمختر به بخترة الحمر المستنفرة .. إلا أن هناك أمراض حقيقية فعلا ولا يجوز فيها التأويل ، أمراض لا تتعلق بالإقليمية العربية والدينية والمذهبية التي تطاردنا إلى مواطن الإغتراب فحسب ، بل هو مرض سوري خالص قد لا يشترك فيه أي عربي آخر ، مرض صنعته الحقبة الإستخباراتية السورية التي رفعت سقف الهاجس الأمني لدى المواطن السوري إلى حدوده العليا متجاوزا الحقبة السوفييتية ذاتها :

- أنت مخابرات .
- لا بل أنت عميل خارجي ضد الوطن .

المشكلة لا تتعلق فقط بالعمالة للنظام أو للخارج على قاعدة المعارضة والموالاه ، بل إن الأنظمة الأمنية السورية نجحت باقتدار في تحويل 90% من المغتربين إلى مخبرين على العشرة في المائة المتبقية ممن اختاروا الغربة أو هي من اختارتهم قسرا ، وحولت 100% من الـ 90% مخبرون على بعضهم البعض .
تلك حقيقة مؤسفة يلمسها أي سوري يعيش خارج حدود الوطن أكثر من السوري الذي يعاقر الهم داخل الوطن حتى ما عاد قادرا على الشعور به اساسا ، و أمرا لا يستطيع السوري الفكاك منه حتى وإن اختفى خلف إسم مستعار في منتدى فضائي (( مستعار )) .. ذلك أن للإنترنت آذان تسمع ، وأعين ترقب ، وأقلام نشطة تكتب وتكتب .

هذا الهم بكل تجلياته كان حاضرا- ولا يزال - في المنتديات السورية الإجتماعية والسياسية ، لا بل حتى المنتديات التي تشهد تزاحما للأقدام السورية التي – كالعادة – خبطتها عالأرض هدارة .

Why you involve with those ass kissers?
قالها لي أحد المعارضين الذين يعيشون في هواء الحرية الطلق ..
مقبلو مؤخرات ؟!
هل فعلا يجوز إطلاق هذا الوصف على شعب نناضل بإسمه ؟!

كنت وقتها عضوا في منتديات سوريه اجتماعية على ياهو لا علاقة لها بالسياسة أساسا إلا من حيث ترديد نشيد طابور الصباح المدرسي الإلزامي المعتاد والذي ردده ذات يوم معظم مثقفي سوريا ومناضليها وخونتها معا طوعا أو كرها :
بالروح بالدم نفديك يا حافظ ..


حتى مات حافظ ، وبدأ الإنقلاب العشوائي الكبير .





ولأنه ..
فيطيب لي ..
سيتبع ..

(f)



* الكبه : أسلحة دمار شامل غير محظورة .
** متّي matte وليس مته .. وهو في الأساس مشروب غريب يشبه نقيع البرسيم المجفف أتى به مهاجرو منطقة القلمون إلى بر الشام من أمريكا الجنوبية ... ربما التاكيلا لم تكن قد اكتشفت بعد !!.

*** الحمد لله ، لست أسمرا .. ولا وسيما .