الزميل الكريم حسام راغب , تحية لك (f)

في البداية أختلف معك في أن الإدارة الأمريكية ترغب حقيقة في تطبيق خطط الإصلاح , و الدليل على ذلك استمرارها في مساندة أكثر الأنظمة شمولية و استبداداً في الشرق الأوسط , إلا إذا كنا نعتبر أن النظام السوري هو النظام الدكتاتوري الوحيد في هذه الأنظمة بينما دول مثل مصر و السعودية هي دول ديموقراطية لمجرد أن نظام أحدها يقوم بمحاولة تجميل وجهه البشع بتعديلات دستورية خالية من الروح و الرغبة الحقيقية في التغيير , بينما قام النظام الآخر بإنتخابات بلدية ( تم منع النساء من دخولها ) مسرحية لا يقبل بمشاهدتها و لا حتى أطفال المدارس في المسرحيات المدرسية في أوروبا . و كنتُ قد قرأت قبل فترة قصيرة تقريراً عن استمرار وفاة معتقلين تحت التعذيب في دول الخليج , كالكويت مثلاً و لم نسمع مطالبات أمريكية بوقف هذه الممارسات , و لو أن دولة " غير حليفة " للإدارة الأمريكية أسقط برلمانها الظلامي حقوق المرأة السياسية لتعرض نظامها إلى إنتقادات شديدة من بوش , لكن بما أن من قام بذلك هي دولة " حليفة " كالكويت إذاً فلا بأس من ضرب الإصلاحات عرض الحائط . لذلك لا نتنظر يا عزيزي إصلاحات حقيقية يمكن أن تفرضها الإدارة الأمريكية على دول حليفة لها , لكن هذا لا ينفي أن الضغوط الأمريكية على بعض الأنظمة الغير حليفة هي مفيدة لشعوبها و لن يكون من العدل إنكار ذلك ( بالرغم أنني أفضل الضغط الشعبي ) و هذا ما يجعلني أؤيد إستمرار هذه الضغوط بالرغم مما فيها من إزداوجية في المعايير على ألاّ تصل الأمور إلى هجوم مسلح أو إحتلال عسكري كالحالة العراقية التي ما زالت تعيش في الفوضى المسلحة منذ سقوط النظام المقبور . يعجبني مثلاً النموذج الشعبي المصري الحالي المتمثل في حركة " كفاية " الرافضة بشكل مطلق التجديد لنظام مبارك , و لكن حتى نكون واقعيين فإن مثل هذه الحركات التحررية الشعبية لن تنجح في إزاحة أنظمتها المتسلطة ما دامت هذه الأنظمة تلقى دعماً قوياً من الإدارة الأمريكية و ضوء أخضر لقمعها , لذلك من كان يعيش في دولة استبدادية " حليفة " لإدارة العم سام فلا أجد لك مخرجاً سوى الهجرة . و بغض النظر عن الأسباب التي تدفع الإنسان للرحيل عن وطنه الأم و التي تختلف من فرد لآخر سواء كانت أسباباً سياسية أو حقوقية أو دراسية أو عملية أو ذاتية أو إرتحالاً منذ الصغر , فأعتقد بأنه من أبسط حقوق هذا الإنسان أن يهاجر من وطنه الذي لا يشعر فيه بمواطنته على أرضه . و أنا بعد أكثر من عشرة أعوام ( حوالي 13 عاماً ) في الدنمارك أنظر لنفسي كمواطنة دنماركية من أصل أمازيغي - مغربي , كما ينظر الزميل لوجيكال لنفسه كمواطن أمريكي من أصل عربي , و كما ينظر الزميل بسام الخوري أيضاً لنفسه كمواطن ألماني من أصل سوري ... الخ من فئة المغتربين الذين لا يُفكرون في العودة و الإستقرار في أوطانهم الأم ( على الأقل ليس على المدى القريب كما أشعر من كتابات البعض ) . بالنسبة لي وطني الأم سيبقى في قلبي , أتابع أخباره , أفرح له كلما تقدم خطوة إلى الأمام , أحزن له كلما تراجع خطوة إلى الخلف , قد أزروه في فترات متباعدة , و لكن وطني الحقيقي هو الوطن الذي أعيش على أرضه فأشعر بحقوقي و حريتي و إنسانيتي و كرامتي و أحقق فيه ذاتي على المستوى الشخصي و العملي و الإجتماعي الخ من حقوق و إحتياجات إنسانية لا يمكن تحصيل السعادة و الرضى الذاتي بدونها .

نصيحتي لك يا زميلنا حسام بأن تهرب من العصور الظلامية إلى أوروبا , و لكن إذا فضّلتَ عليها الولايات المتحدة الأمريكية فعليك بالإبتعاد عن الأبراج العالية , فذلك من أسباب إطالة الأعمار ;)

و تحياتي للجميع :97: