مساء الفلّ.

أين يمكن أن يجد المرء ما يجترّه في هذه الحياة من صفعات لذيذة. سوى تلك التي نالها في نادي الفكر؟

أين يمكن أن يفقد الإنسان نفسه لكي يجدها فيفقدها ليجدها في صيرورة فاجعة إلا في نادي الفكر ؟

أين يمكن أن يجد المرء كل بضع قرون رسائل خالدة إلا ما يجده كل يوم عند توأم روح نادي الفكر ؟

أين يمكن أن تجد نيتشويّة تفوقت على نيتشه إلاّ عنقاء نادي الفكر ؟

أين يمكن أن تجد من يبول على حائط كلّ ما هو شاهق ليدمّره ، بعد أن ظنّه الظّان راسخا ، إلا جيري نادي الفكر ؟

أين يمكن أن تجد مؤطّرا بارعا يملك قلمه ويعرف ما يكتب إلا ابن سوريا نادي الفكر ؟

أين يمكن أن تجد محتلا غاشما يأسرك بأسلوبه ، ثم ترضى مع ذلك بالاحتلال وتباركه إلا كعلماني نادي الفكر؟

أين يمكن أن تجد بهجة فكريّة إلا عند بهجت نادي الفكر ؟

أين يمكن أن تجد جوامع الكلم إلا عند غربي نادي الفكر ؟

أين يمكن أن تجدك قزما في قوم بني عماليق إلا في نادي الفكر ؟

أين يمكن أن تجد الصّداقة والخيانة يتعانقان إلاّ في نادي الفكر؟

أين يمكن أن تجد المواساة والألم يتلاثمان إلاّ في نادي الفكر ؟

التّاريخ ؟ التّاريخ يا زميل خالد.. ، التاريخ لا داعي لكتابته ، لأنّه يفقأ الآلام لعمري فتسيلُ صديدَ الّدموع وما من أنامل رقيقة لتمسحها.

لقد اخشوشنت الأنامل وأشعرت الأيادي فلم تعد تخطّ إلاّ خشناَ ، وتعملق الأقزام بعد غياب العمالقة في نادي الفكر.

سلني وسل أفروديت عن النّسور، الّذين نقشوا آيات الفكر على الحجارة بلمسة ، بينا نجد من يدّق على الورق اليوم بإزميل فلا يلد إلاّ بغاثا.

التّاريخ؟ التاريخ يا زميل . لا داعي لكتابته إلا داخلك : عندما تريد أن تفرد جراحك لا لشيء إلاّ لتتفوّق عليها، وتجدّد حياة.

حياة لا يعرفك فيها أحد. ولا تعرف فيها أحدا ولا تريد أن تعرف إلا نفسك.

حياة بلا تاريخ. خير وأبقى من تاريخ بلا حياة.

هذا عن النّادي ، أمّا عن ما رميته هنا ، فما كان إلا آخر ما تخثّر في تلافيف العقل من الجراح. ولا تسلني عن شيء بعد.

أراكم.