مبدئيا أؤكد أن تلك أفكار فرج فوده ، و ليس معنى ذلك أنني أوافقه فيها كلها ، بل أنني أخالفه بشكل جذري في استخدامه خطابا إسلاميا تراثيا لعرض أفكاره - و ربما كان مبرره في ذلك أنه يخاطب مجتمعا يعيش في الماضي ممعنا في تخلفه الثقافي و الفكري - و لكني لا أرى هذا الخطاب قادرا أن يعبر عن الحداثة كما أراها ، من جانب آخر تتسم كتابات فوده بنزعة تبسيطية تقترب من المنهج المدرسي ، مما يجعلها في متناول القارئ العادي ، وهو الذي يتجه إليه فوده بخطابه ساعيا لإثارة عقله ، من أجل قضيته المحوريه التي عكف عليها حياته كلها و هي فصل الدين عن السياسة ،و منع التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية ، مما سيقود إلى إقامة الدولة الدينية و الضياع الأكيد للوطن .كذلك فإن الطابع السجالي و الصحفي لكتابات فوده ميزتها بالإثارة و لكنه من جانب آخر أفقدتها العمق أحيانا .
خلال العرض وضعت تعليقاتي الخاصة ما بين الأقواس.
1- الموقف من النص : ينطلق فوده في كل اجتهاداته من أرضية إسلامية ، ويحاور استنادا إلى النصوص الدينية ، و هو يرى بوضوح أن العدل غاية النص ،و أن مخالفة النص من أجل العدل أصح في ميزان الإسلام من مجافاة العدل بالتزام النص .
2- الموقف من الأحزاب المتأسلمة : رغم أنه يبرهن بشواهد عديدة أن التنظيمات الإسلامية تضمر عداء لا حد له للديمقراطية ( يرونها ما بين الكفر و الفسوق و النفاق ) ، فهو على العكس تماما من الاتهامات الجائرة التي كالها له الاسلامويون زاعمين أنه يحرض الدولة ضدهم ، فالثابت أن فوده طالب دائما بالسماح للتنظيمات المتأسلمة مثل الإخوان المسلمين بالتواجد الشرعي في الساحة و تشكيل الأحزاب السياسية ، هادفا إلى إلزامهم وضع برنامجهم السياسي ،و الحوار مع الآخرين على أرض الواقع السياسي . ( ملحوظة : عارضت فوده تماما في هذا الرأي الذي أراه مجرد رومانسية فكرية ، فحجب الشرعية هو سلاح الدولة الوحيد في مواجهة السلوك الإرهابي لهذه التنظيمات .وخير دليل على صحة رأيي أنهم قتلوه ، كما فعلوا مع كل من حاول أن يحاورهم ( السادات مثلا !) !.)
3- الموقف من التاريخ الإسلامي : ، يكشف فوده عن الطبيعة السياسية للعصور الإسلامية المختلفة ، مؤكدا الطبيعة البشرية لنظم الحكم الإسلامية ، وفي كتابه الأشهر ( الحقيقة الغائبة ) ، تكون هذه الحقيقة هي :" الماضي لم يكن معظمه جميلا ،و أن عودته مستحيلة ،و أنه بوفاة الرسول انتهى عهد الإسلام ، و بدأ عهد المسلمين " ،ورغم بساطة هذه الحقيقة و صدقها التاريخي ، فإنها صدمت المجتمع الواهم بأنه هناك في زمان قديم ، كانت على الأرض جنة الله ، وأن التنظيمات الإسلاموية ستعيدها !.
4- احتكار الإسلام : جماعة المسلمين ليست فقط الجماعات الإسلامية ،و أن بين المسلمين علمانيون ينادون بفصل الدين عن الدولة ،و لهم في ذلك منطقهم و حججهم ،و أن الإسلام ليس حكرا لطائفة دون أخرى .
5-خلط الدين بالسياسة : هناك خمس أسباب يرفض فوده على أساسها خلط الدين بالسياسة و بشكل مطلق و هي :
أ – على دعاة الخلط تقديم برنامجا سياسيا ،و ليس مجرد شعارات دينية عاطفية ( أشبه بالدجل ) .
ب- الحوار السياسي يقبل منطق الخطأ و الصواب وهو نسبي ، أما الحوار الديني فهو لا يقبل سوى بمنطق الحرام و الحلال وهو مطلق ،ولابد أن إلا أن يصل لطريق مسدود . ( يصبح مخالفة الرأي كفر ) .
ج- التاريخ يدمغ الدولة الدينية و فكرة الخلافة ،و الواقع أيضا يدمغها .
د- الفصل بين الدين و السياسة هو السبيل الوحيد للحفاظ على الوحدة الوطنية و حقوق غير المسلم .