8
من كان يرى شحرور وهو يبكى :cry:لايصدق أبدا أنه نفس الشخص الذى كان يملأ الدنيا مرحا منذ قليل.
كان يبكى بكاء مريرا ,لا يكاد يلتقط أنفاسه ..دافنا وجهه بين كفيه مستندا على سور الكوبرى فوق نهر النيل...
كانت أبيات متناثرة من قصيدة ليس الغريب التى كان يحفظها منذ سنوات تنساب فى عقله فتخترق قلبه وكيانه وتدفعه لمزيد من البكاء كأن الدمع بركان ثائر كان مختفيا تحت رماد كثيف..
كانت هذه هى الأبيات التى ترددت فى ذهن شحرور وكانت لا تزيده إلا بكاءً ونحيباً!:frown:
ظل شحرور على هذا الحال ساعة تقريبا حتى جفّت قنواته الدمعية!!
...........:حاسس أنك أحسن دلوقت؟
شحرور(فى حزن): الحمد لله
...........:غسلت همومك؟
أطلق شحرور زفرة حارة من أعماقه
شحرور: همومى كتير أوى
...........
شحرور :أسباب كتير, حاولت أحصرها معرفتش!
...........:طيب دور على المفتاح؟
شحرور: مفتاح ايه؟!
...........:مفتاح همومك
لم يرُد شحرور وانطلق يجيل ببصره فى النيل الممتد أسفل الكوبرى كأنما يفرّغ همومه فى النظر لمشهد الماء الجارى المريح للأعصاب
...........:غمّض عينك وتعالى معايا
شحرور: انا كويس كدة يا عم متخافش عليا
...........:اسمع كلامى بس
شحرور: طيب
نطقها شحرور فى انكسار واضح
..مكان مظلم موحش يبدو كأنه على ارتفاع شاهق ..رأى شحرور كأنه فى ممر ضيق ورائحة عطنة منتشرة فى الجو مما يدل على سوء التهوية..كان على جانبى الممر زنازين مغلقة يُسمع منها أصوات أنّات موجعة للقلب!
شعر شحرور بخوف شديد
...........:انتا فى مصر فى سجن القلعة ..امشى فى الممر متخافش
شحرور مستغربا: مخافش!! أمال ايه أموت من الرعب؟؟!!
مشى شحرور وهو يتلمس طريقه محاولاً النظر داخل الزنازين
تنبه شحرور أنه ليس وحيدا فى الممر ورأى أناسا يتحدثون مع المسجونين عبر القضبان .. الظاهر من هيئتهم أنهم أقرباء المساجين وأصدقائهم فبدت كأنها ساعة زيارة
سار شحرور وهو يرى الهيئات المُزرية للمساجين لا يوقفه شىء وسرح قليلا حتى تنبّه انه قد اقترب من نهاية الممر وأن الزنازين التى يمر بجوارها خالية...
كاد أن يعود أدراجه لولا أن رأى على بعد رجلا يقف قى الممر مواجها لزنزانة منعزلة تماما عن بقية الزنازين
جدّ شحرور فى السير مقتربا من الزنزانة البعيدة حتى ظهر له المشهد كاملا
كان داخل الزنزانة شيخ مهيب الطلعة تكاد تقسم أن نورا يشع من قسمات وجهه ..كان رث الثياب مما يدل على طول مقامه فى الحبس ولكن فى وجهه نظرة إيمان عميق
.لحيته كثة ووجهه مضىء وهيئته توحى أنه عالم من علماء المسلمين.
كان شحرور واقفا خلف الشاب فلم يدرك ملامحه..ودار هذا الحديث بين الشيخ والشاب
الشيخ: مالى أرى الدموع في عينيك يا بنى
الشاب: أبكى لحالك ياشيخى..أيكون هذا مصيرك وليس على الأرض من هو أعلم منك؟ لعنة الله على من كانوا سبباً فى حبسك
الشيخ: لا تحزن لأجلى يا بنى..
ثم انطلق يردد فى سكينة عجيبة وقوة فريدة:
وماذا يصنع أعدائى بى؟! أنا جنّتى وبستانى فى صدرى..أينما رُحتُ فهى معى..إن معى كتاب الله وسنة نبيه..إن قتلونى فقتلى شهادة,وإن نفونى فنفيى سياحة,وإن سجنونى فسجنى خلوة مع ربى, إن المحبوس من حُبس عن ربه , وأن الأسير من أَسَرهُ هواه.
كان شحرور يسمع كلام الشيخ شاعرا بمزيج غريب بين الإعجاب الشديد بقوة الشيخ ورغبة شديدة فى البكاء لأن كلامه نكأ جُرحاً عميقاً فى نفسه..
...........:ده شيخ الإسلام الأمام ابن تيمية أثناء محنة أسره بسجن القلعة فى مصر
لم يعلق شحرور وفتح عينيه ليرى النيل ممتدا أمامه والشمس قاربت الغروب.
الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر
كان هذا صوت أذان المغرب يتردد فى مساجد القاهرة..
ردد شحرور الآذان ودموعه على خده..كان حزينا منكسرا..
ثم رفع يديه للسماء وقال: يا رب يا من تجبر الكسور..وتشفى علل القلوب..
عبدك الضعيف الماثل أمامك ليس له سواك يناجيه..
ليس له سواك يناديه..
يا رب أنا تعبان قوى ..
نفسى أرجعلك..
يا رب متطردنيش من رحمتك..
أنا عارف أنى بعدت عنك كتير بس والله بحبك يا رب..
يا من تبسط يدك بالنهار ليتوب مسىء الليل وتفرد يدك بالليل ليتوب مسىء النهار ُتب على واغفر لى ذنوب لم يعلمها سواك