حركة الاخوان تقترب من قراءة صحيحة للوضع في مصر
2005/05/16

د. عبدالوهاب الافندي
كجماعة سياسية فانه من الممكن وصف حركة الاخوان في مصر بأنها حركة الفرص الضائعة. في اواخر الاربعينيات اكتسبت الحركة بعدا جماهيريا جعلها المنافس الاول لحزب الوفد، بل ان بعض المراقبين قدروا انها تفوقت علي الوفد جماهيريا، اضافة الي كون جماهير الحركة كانت تتميز علي جماهير الوفد بالتزامها التنظيمي وحماسها مما يعطي هذا الدعم الجماهيري قيمة مضاعفة. ولكن الحركة بدلا من ان تنطلق مستغلة سندها الجماهيري لتضع بصماتها علي الساحة السياسية، تورطت في خصومات وممارسات ادت من جهة الي تلقيها ضربات امنية موجعة، ومن جهة اخري الي تصدعها وتفشي الخصومات داخلها.
افاقت الحركة سريعا من هذه الصدمة التي بلغت قمتها في حل الحركة ثم اغتيال مرشدها عام 1949 وسرعان ما وجدت فرصة اخري في تحالفها مع قيادة ثورة يوليو في عام 1952 حيث كان يجري تشكيل مستقبل مصر واعادة صياغته، ولكن هذا التحالف سرعان ما ارتد علي الحركة واصبح احد اكبر كوابيسها. فمن جهة تعرضت الحركة لضربات موجعة هدفت الي تدميرها نهائيا، ومن جهة اخري فان السلطة الجديدة قامت بتحويل وجهة مصر في اتجاه مغاير تماما لتطلعات الحركة، حيث سعت لارساء دعائم نظام علماني يساري التوجه وفي عداء مستحكم مع التوجه الديني.
بعد نهاية العهد الناصري حانت فرصة ثالثة للحركة حيث اعاد نظام السادات فتح الابواب امامها وجاء ذلك في ظروف مواتية تمثلت في الطفرة النفطية التي اعادت دول الخليج المحافظة الي واجهة العمل العربي كمنافس قوي للانظمة الثورية اليسارية وايضا في الصحوة الاسلامية التي عمت اركان العالم الاسلامي وكان من تجلياتها الثورة الاسلامية في ايران والجهاد الافغاني ونمو الحركات الاسلامية وازدياد نفوذها في بلدان العالم الاسلامي من اندونيسيا الي المغرب.
مرة اخري لم تنجح الحركة في اقتناص هذه الفرصة للانتقال من هامش الساحة السياسية الي قلبها، بل لم تنجح حتي في تحقيق اضعف الايمان، وهو الاعتراف بها كحركة شرعية لها حق الوجود القانوني. هذا بالرغم من النمو الذي شهدته عضوية الحركة وازدياد نفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي بحيث اصبحت اكبر الحركات السياسية المعارضة بلا منازع.
ولكن يبدو ان الحركة قد وجدت اخيرا البوصلة الصحيحة، حيث قامت بمبادرة سياسية جادة وحكيمة تتجه لان تضعها في مكانها الصحيح في قلب الساحة السياسية. المبادرة بدأت بمشاركة الحركة الفعالة في اطار حركة كفاية التي نجحت في تحريك الشارع المصري لدعم اجندة الاصلاح السياسي، واجبرت الحكومة علي الاستجابة جزئيا لمطالب الشارع. وقد قامت الحركة كخطوة تالية بدفع عضويتها الي الشارع في مواجهة السلطة لمزيد من الضغط باتجاه التغيير.
قرار الحركة بدعم اجندة التغيير واعلان رفضها الكامل لاستمرارية الوضع الراهن قرار صائب جاء في وقته تماما ويمثل ادراكا لحقيقة ان النظام السياسي في مصر قد اينع وحان قطافه، وقد فقد مبررات استمراريته داخليا وخارجيا. وكما هو الحال في انظمة اوروبا الشرقية في نهاية الثمانينات، والانظمة الشمولية في اماكن اخر في امريكا اللاتينية واسيا وافريقيا، فان السؤال لم يعد الا عن توقيت زوال النظام وكيفية ذلك ومن سيقطف الثمار عند اندثاره.
داخليا تعري النظام من كل شرعية حيث فقد ثقة معظم القوي السياسية الحية، وجاهر انصار الديمقراطية علنا بضرورة التغيير بعد ان كانوا في السابق يمسكون عن ذلك خشية ان يقطف الاسلاميون ثمرة سقوط النظام. وقد ادت الصعوبات الاقتصادية الاخيرة الي سقوط اخر ورقة كان النظام يلوح بها، وهي ورقة الاستقرار الاقتصادي. ومن جهة اخري فان التطورات الاقتصادية خلقت طبقي وسطي متزايدة العدد والنفوذ لم تعد ترضي باستمرار الوضع القائم، اولا لانها تريد ان تترجم نفوذها الاقتصادي الي مشاركة سياسية لا يتيحها الوضع الاستبدادي وثانيا لانها تعاني من الفساد وتدخل المتنفذين في الشأن الاقتصادي بما يخلق تشوهات اقتصادية لا يقبلها منطق السوق الحر.
خارجيا فان الولايات المتحدة الداعم الاول والاكبر للنظام، اعلنت علي الملأ تخليها عن دعمه تماما كما فعل غورباتشوف عشية سقوط سور برلين حين اعلن ان الاتحاد السوفييتي لن يتدخل لانقاذ الانظمة الشيوعية الحليفة التي تتعرض لانهيار داخلي، بل ان ادارة بوش فعلت اكثر من ذلك حين اعلنت دعمها للتغيير ومطالبتها به، ومنطق ادارة بوش في ذلك هو انها لن تحتاج الي الانظمة الاستبدادية لتنفيذ استراتيجيتها في المنطقة، بل بالعكس تري ان التحالف مع هذه الانظمة اصبح ضرره اكبر من نفعه. وثانيا فان الادارة اصبحت مقتنعة بعدم كفاءة الانظمة الفاسدة القائمة للاضطلاع بمهمة الدفاع عن مصالح امريكا في المنطقة، وفوق ذلك فان الادارة اصبحت تخشي انه كلما تأخر التغيير، كلما ازدادت قوة المشاعر المعادية لامريكا وصعب التحكم في اتجاه التغيير. واخيرا فان الادارة عبرت بصراحة في مطلع هذا العام انها لم تعد تخشي وصول الاسلاميين المعتدلين للسلطة، خاصة وانها عمليا غيرت استراتيجيتها باتجاه التعامل مع قطاعات اسلامية في تركيا وافغانستان والعراق والسودان والمغرب والكويت.
في ظل هذه الظروف المواتية، ومع تنامي الشعور الشعبي المطالب بالتغيير، فان اي حركة ساسية تتباطأ في التجاوب مع التوجه الجماهيري تضع نفسها في وضع قد تواجه فيه ردة فعل شعبية معادية لسبب تقاعسها وتقصيرها. وقد كانت حركة الاخوان المسلمين خيبت في الماضي امال انصارها والشارع بسبب ترددها في اتخاذ مواقف حاسمة.
ولكن لا يعني كون حركة الاخوان قد قرأت الواقع قراءة صحيحة وفهمت متطلباته في التحرك الحاسم والسريع للتعجيل بالتغيير ان استراتيجية التحرك التي اتبعتها هي الاسلم. اذ لا بد اولا من مراجعة للمراحل السابقة وتحليل اخطاء الماضي وملابسات الفشل لتجنبها في المرحلة الجديدة. ولا بد ثانيا من قراءة اسلم للواقع لمعرفة حدود التحرك الممكن، وخلق التحالفات الناجحة مع القوي السياسية الاخري الراغبة في التغيير.
ولا يمكن في هذه العجلة الاجابة علي كل هذه التساؤلات وهو علي كل امر متروك لقيادات الحركة وكوادرها والمحللين السياسيين المؤهلين في ارض الكنانة، ولكن هناك ملاحظات سريعة لا بد منها.
واول هذه الملاحظات هو ضرورة مراجعة موقف الحركة الملتبس من تولي السلطة، حيث ظلت دائما تردد انها لا تسعي الي السلطة رغم وجودها كمنافس رئيسي علي الساحة السياسية، وليس الاشكال في هذا الموقف ان الخصوم لا يصدقونه بل الاشكال فيه انه يبدو موقفا جادا، وهو قد يعني ان الحركة ربما تصل الي السلطة دون ان تكون مستعدة لها، وتتحول هذه الفرضية الي كارثة مزدوجة.
تصريحات الحركة بأنها لا تريد السلطة مقصود بها تطمين الخصوم المتخوفين من نفوذها، وتمثل ايضا ادراكا بان الظروف الدولية لن تسمح حاليا بقيام نظام اسلامي في مصر، ولكن هذا الامر يطرح اسئلة اخري حول من تريد الحركة ان يتولي الحكم، ولماذا تفضله علي النظام الحالي؟ واهم من ذلك، لماذا لا تطرح الحركة برامج تؤهلها للحكم بدلا من ان تصبح طفيلي الحركة السياسية (بحسب تعبير الاخ حسنين كروم) الذي يريد ان يضطلع غيره بمسؤولية الحكم وتبعاتها، بينما يكتفي هو باطلاق الشعارات ونقد الاخرين؟
وهذا يقودنا الي نقطة اخري، وهي ان الحركة ظلت تعرض نفسها للخطر بسبب تنامي نفوذها وحجمها السياسي الذي يرعب الخصوم، دون ان تجعل لنفسها خط دفاع يحميها، بمعني اخر فان الحركة تتمتع بقوة تكفي لاستثارة الخصوم لضربها، ولكنها لا تكفي للدفاع عن نفسها. وهي بهذا تكون كمن يرتدي ملابس حمراء وينزل الي حلبة مصارعة الثيران دون ان يحمل سلاحا للدفاع عن نفسه، وحين يسأل عن سبب هذا السلوك عندما يؤخذ الي المشفي مضرجا بدمائه يقول بأنه لم يذهب للحلبة الا للنزهة. والعبرة هنا ان حلبة مصارعة الثيران ليست مكانا للتنزه!
وهذا يقودنا بدوره الي نقطة ثالثة، وهي ان فشل اي حركة في انتزاع حقها في الوجود السياسي وفشلها في استثمارها رصيدها السياسي علي افضل وجه يعود لقيادة الحركة وكوادرها ولا يمكن ان تلقي الحركة باللوم علي خصومها لان مهمة وواجب هؤلاء الخصوم هو عرقلة نجاح اكثر الخصوم تهديدا لوجودهم. وعليه فان من واجب الحركة ان تتبع الاستراتيجيات التي تحقق لها النجاح في الوصول الي هدفها رغم معارضة المعارضين، وبالمثل فان فشل الشعوب في انتزاع حقها في الحكم الديمقراطي لا يمكن ان يلام عليه الحكام المستبدون الذين يسعون الي استدامة حكمهم، بل تلام الشعوب التي لم تتخذ المبادرات وتتبع الوسائل التي تفشل مخططات المستبدين.
وهذا يقودنا الي النقطة الاخيرة، وهي كيف يوحد الاخوان مبادرتهم السياسية الرامية لانتزاع حقهم في الوجود السياسي مع مطالب شعب مصر في احترام كرامته ومطامحه في الحكم الديمقراطي السليم؟ هذا يتطلب انشاء تحالف سياسي جماهيري عريض يضم كافة الوان الطيف السياسي يعمل باتجاه انتفاضة جماهيرية شاملة تحقق التغيير. وامام حركة الاخوان ثلاثة بدائل محتملة لتحقيق هذا الهدف.
اول هذه البدائل يتمثل في دعم حركة كفاية والوقوف وراء مرشح رئاسي تتبناه الحركة والقوي السياسية الاخري الداعمة لها وفق برنامج سياسي متفق عليه، وهذا اسلوب اتبعته الحركة في مرات سابقة في الحركات النقابية. البديل الثاني هو اختيار شخصية اسلامية مستقلة معتدلة كمرشح رئاسي واقناع القوي السياسية الاخري بدعمها. اما البديل الثالث والامثل من وجهة نظر الحركة فهو ان تتبني بمفردها برنامجا وطنيا معتدلا يكون هو عين البرنامج الذي كانت ستدعمه حركة كفاية او المرشح المستقل علي اساسه، وبهذا تحسم الحركة قضية ازدواجية واضطراب مواقفها وتطرح نفسها كبديل واقعي مقبول للحكم.
المهم هو الا تكرر الحركة اخطاء الماضي حين سمحت لانظمة الحكم المتعاقبة بالانفراد بها وضربها دون ان تجد دعما شعبيا لموقفها بسبب العداوات الكثيرة التي اختلقتها مع القوي السياسية الاخري. واذا كان هناك درس واحد يجب ان تكون الحركة تعلمته من الماضي، فهو ان العمل السياسي يتطلب الواقعية من جهة، ومد الجسور الي المنافسين والخصوم من جهة اخري.


http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=20...ع%20في%20مصرfff