طبيعة القانون تجعل الأسس والمباديء العامة أكبر من التفاصيل وأشد خطورة. وهي تجعل "القانون الدستوري" في البلاد سيد القوانين، بحيث أن أي خلاف على التفاصيل يتم عرضه على مواد الدستور كي يُبَتّ فيه. فإذا كان "العوج" من الدستور، فكيف ينصلح حال القوانين الإجرائية "والتفاصيل"؟ وكيف يتم، على المدى الطويل، تدارك تداعي بنيان الدولة نفسها وتفسخه؟

إذا كان رب البيت للطبل ضارب
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

عندما نضع "دين الدولة الإسلام" في رأس "القانون الدستوري" فإننا نضع قنبلة "طائفية" موقوتة قابلة للانفجار في أي عملية تأسيس للدولة. هذه القنبلة بامكانها أن تقوض كل بنيان الدولة، وتجعلها "ثيوقراطية" بامتياز، يحكمها بضعة نفر من طوال اللحى وقصار الجلابيب. هنا لا يدخل في الاعتبار رضى الأطراف، في فلسطين أو في غيرها، فنحن لا نتحدث عن قرارات سياسية ولكن عن قضايا فكرية تخص كيفية "بناء الدولة الحديثة".

سوف أضرب لك مثلين عمليين لما قد يؤول إليه الحال في ظل هذه المواد الدستورية الأساسية التي تراها بأنها قد لا تشكل أي خطر على الدولة.

المثل الأول:
أرادت إحدى البلديات أن تبني مدرسة ما. وبعد أن تم استصدار الترخيص واكتمل البناء وابتدأ التعليم جاء أحد الآباء واعترض على اختلاط البنين بالبنات في المدرسة. استتبعها رفع دعوى على المدرسة التي تخلط بين الجنسين.
سوف تنظر المحكمة في القضية بما يتوافق والقوانين العليا ودستور البلاد بالذات. لأنك بقوة الدستور تستطيع أن تغير أي قرار محكمة مخالف له.
عندما يكون "دين الدولة هو الإسلام" فإن عملية النظر في الدعوى لا تتم من خلال قياس عقلي ومقارنة الفوائد الاجتماعية بالمضار من خلال رصد تأثير الاختلاط على نفسية الطلاب وتقدمهم وبناء شخصيتهم، ولكنها تتم من خلال ما يقوله الدين ورجاله بالنسبة لهذه القضية.

المثل الثاني:
تمشى أحد طوال اللحى في الشارع وشاهد، مثل حسن البنا في يوم من الأيام، تمثالاً في ساحة عامة في إحدى مدن فلسطين، به من الفن الكثير ولكنه في وضع قد يشي "بالإخلال بالآداب العامة" ... تمثال خلقه نحات عالمي مشهور وأهداه إلى شعب فلسطين يمثل امرأة مكشوفة أعلى الصدر مثلاً وقد أحكمت قبضة مرفوعة بها بعض التراب وعيناها تنظر إلى السماء.
تمثال عادي يرمز إلى التمسك بالتراب، ولكن صاحبنا لم يشاهد منه إلا أرداف المرأة البارزة وصدرها شبه المكشوف.
ذهب صاحبنا وقدم دعوى، وابتدأت المحكمة بالنظر في القضية فإلى أين سوف نصل؟
إلى تلك المادة إياها التي تقول بأن "دين الدولة الإسلام"، فهي دستورية وجوهرية. والسؤال المطروح يصبح: هل يتعارض هذا التمثال مع هذه المادة ؟
السؤال الثاني المتفرع عنه يصبح: ما هي أحكام الإسلام بالنسبة لقضية مثل هذه؟

هذه إذاً بضعة عينات، ارتجالية، لما يمكن أن تؤول إليه الحال في ظل مادة دستورية مثل هذه. هذه العينات قد لا تكون الأفضل، ولكن من الأكيد أن هناك مثلها الآلاف. فليس بإمكاننا أن نضع مادة "عامة" بهذا الحجم في الدستور ثم ندعي بأنها لن تؤثر على حرية الأفراد والمجتمعات.

خذ أيضاً بضعة عينات قصيرة ...

"دين الدولة هو الإسلام"، فماذا تفعل بمن يعتدي على زوجته ثم يقول بأنه ضربها ضرباً غير مبرح؟ ومن الذي يستطيع أن يحاكمه والدستور نفسه يكفل له ذلك؟

"دين الدولة هو الإسلام" وحظ الذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث .. كيف تصلح هذا الغبن لحقوق المرأة؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يفتي في ما يقوله الإسلام إلا شيوخ الإسلام؟

"دين الدولة هو الإسلام"، فهل تستطيع أن تطمع يوماً بإلغاء عقوبة الإعدام مثلاً ؟

"دين الدولة هو الإسلام" فلماذا لا نناقش "قطع يد السارق"؟ ومن الذي يستطيع أن يحرمها طالما "أمر بها" دين الدولة؟

يا صاحبي ... عندما تقول لي بأننا نستطيع استبقاء مادة دستورية بهذا الحجم وهذه العمومية في راس قانون الدولة، ثم تزعم بأنها لن تؤثر على حقوق الأفراد والمجتمع بشكل عام فأنت تفعل فعل النعامة وهي تدفن رأسها في الرمال .. إن هذا ضرب من "دير طيزك للدبابير وقول منايا وتقادير" ليس إلا ...

لي عودة بعد بخصوص مشروع الإخوان ..

واسلم لي
العلماني