من أغرب الكتب التي صادفتها في هذا الموضوع كتاب "تاريخ الكنيسة القبطية" للقس منسي يوحنا (1899-1930) والذي يتعرض فيه لتاريخ الكنيسة و"المملكة" منذ القرن الأول الميلادي حتى القرن التاسع عشر..
وخطته في تأليف الكتاب هو التقسيم حسب السينين فلكل "قرن" باب مستقل وكل باب مقسم أربعة فصول كالتالي ..
1-تاريخ البطاركة
2-مشاهير الكنيسة
3-المملكة والكنيسة "وهنا يتعرض لعلاقة الشعب القبطي مع الحاكم"
4-البدع والإنشقاقات
ولا يقتصر الجانب السياسي والاجتماعي على الجزء الثالث من كل باب -المملكة والكنيسة-بل يتعرض لهذه الجوانب أحيانا في كل من الجزء الأول والثاني.
والكتاب رغم ضخامته النسبية ورغم أنه يعتبر كتاب تاريخي إلا أنني لم أقابل اسم مرجع تاريخي واحد في الأجزاء التي قرأتها منه وهي ليست قليلة،فتراه يعتمد على أسلوب السرد والحكى فلا توثيق لأي حادثة مع خلط للأحداث التاريخية الحقيقية بالأساطير ،لكنه مع ذلك يعطي صورة أعتقد أنها قريبة من حقيقة ما عاناه الأقباط من ضيق في أوقات عديدة .

مثال من الكتاب "حادثة نقل جبل المقطم!!"
"..وكان المعز الخليفة قد عهد ليعقوب بن يوسف جباية الخراج وكان هذا الرجل يهودي الأصل ولكنه أسلم بغية الحصول على المراتب العالية وكان يمقت المسيحيين ويشيع عليهم المذمات حتى طلب من الخليفة أن يأتي بإمام النصارى لكي يحجه ويبرهن له بطلان ديانته .فاستدعى الخليفة غليه البابا ابرآم لهذا الغرض فأخذ البطريرك معه الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين العالم الكبير صاحب"تاريخ البطاركة" المشهور ودار بينه وبين ذلك اليهودي جدال فأفحمه هذا الأب ببراهين قوية سربلته بالخجل أمام الخليفة.
فاغتاظ ذلك اليهودي من المسيحيين أكثر مما كان وازدادت بغضته لهم وأخذ ينسج لهم برد مكيدة اخرى حتى وقف على الآية القائلة"لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل" فأسرع وأطلع المعز على هذه الآية وقال له إذا كان دين النصارى صحيحا فهو ذا جبل المقطم ينقلونه لنا فنعتبرهم وإلا فهم أهل للطرد من هذه البلاد لتخلوا مساكنهم للمسلمين.
فانخدع المعز بكلامه ورأى إذا كان كلام المسيح حقا فإن جبل المقطم الذي يكتنف القاهرة إذا ابتعد عنها يكون مركز المدينة أعظم وإذا لم يكن حقا فهناك فرصة مناسبة لسلب المسيحيين .ولذلك استدعى البابا ابرآم وخيره بيم أمور ثلاثة إما نقل الجبل أو اعتناق الإسلام أو ترك البلاد .فوقع البابا في حيرة ولكنه التمس منه ثلاثة أيام ثم رجع إلى البطريركية وأصدر منشورا عاما يأمر فيه جميع مسيحي مصر بالصوم ثلاثة أيام إلى الغروب وبإقامة الصلوات الحارة ثلاثة أيام لسلامة الكنيسة.
أما هو فانطلق إلى كنيسة العذراء المعروفة بالمعلقة بمصر القديمة وانعكف فيها على الصوم والصلاة حتى شاهد في نومه السيدة العذراء تشير إليه بأن يخرج من باب الدرب الحديد الذي يقود للسوق الكبير ويجد هناك رجلا يحمل جرة ماء وهذا الرجل يعلمه ما ينبغي عمله .فلما استيقظ أطاع الرؤيا فوجد الرجل وأتى به إلى الكنيسة وأفضى إليه بالأمر فاعتذر الرجل بضعفه ولكنه إذ رأى البطريرك يلح عليه هدأ روعه وأرشده إلى الخطة التي يجب السير عليها.
وفي صباح اليوم الثالث أخبر البطريرك الخليفة بأنه عازم على نقل الجبل فسار الوالي إلى خارج المدينة هو وجميع العظماء ولحقه البطريرك وأساقفته وكبار العلمانيين والرجل الساقي بملابسه الرثة .وبعد تقديم الأسرار الربية سجد البطريرك يتبعه الشعب ثم وقفوا وهم يصرخون قائلين "كيرياليصون" فحدثت زلزلة عظيمة ولاج الجبل للناظرين كأنه يتزحزح من مكانه وبعد ذلك ارتفع حتى ظهرت الشمس من تحته ثم عاد من مكانه.وأخذ البطريرك في السجود والهتاف "كبرياليصون" والجبل يسقط ويقوم معهم في سجودهم وقيامهم والشمس تظهر في أسفله حتى أكملوا ثلاث مرات .
ففزع الخليفة ومن معه وعدا إلى البطريرك على ظهر الجواد والتمس منه أن يكف عن عمله لئلا تنقلب المدينة .
وبعد هذه الحادثة غدا البابا ابرآم محبوبا عند الخليفة…الخ"
ولك أن تتصور كم التأثير السلبي على تفكير أجيال نشأت على التصديق والإيمان بمثل هذه الخرافات.