تفاصيل:حوار سري بين واشنطن والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين












حمل التصعيد الأخير لجماعة الاخوان المسلمين بالقاهرة ضد النظام المصري ­من خلال مظاهراتهم في القاهرة وعدد من المحافظات وسقوط أول إخواني في تلك المظاهرات­ أكثر من تفسير، فقد رأي البعض أن هذا التصعيد هو محاولة من الاخوان لإثبات وجودهم في الشارع المصري وللحاق بالقوي السياسية المصرية المطالبة بالاصلاح وتحقيق ارادة التغيير، وأن أي اصلاح سياسي أو تغيير ما يحدث لابد وأن يضع القائمون عليه في حسبانهم عدم تجاهل هذا التيار.
البعض الآخر فسر هذا التصعيد بأنه مغازلة للخارج الضاغط من أجل الاصلاح وفق اجندته وبالتحديد الولايات المتحدة الامريكية لتقول له: 'نحن هنا'. أما الفريق الثالث فرأي أن هذه المظاهرات ليست تصعيدا وانما تطور في حركة الاحتجاج السياسي لدي الاخوان وفضل عدم ربطها بضغوط الخارج، وهي رؤية وتصريحات المرشد العام للاخوان المسلمين محمد مهدي عاكف وأن مبادرة الاخوان للاصلاح صدرت منذ ما يقرب من عام وأن هذه المظاهرات من أجل تحقيق هذه المبادرة.
لكن في نفس الوقت وبعيدا عن تصريحات المرشد، بدأت واشنطن والاتحاد الاوربي اجراء حوار سري فيما بينهما وبين التنظيم الدولي للاخوان بوساطة من طارق رمضان المفكر الاسلامي وحفيد حسن البنا فهو نجل الابنة الكبري لمؤسس الجماعة وابن سعيد رمضان الذي يعد من الرعيل الاول للجماعة.
يأتي ذلك في نفس الوقت الذي اتخذ فيه التنظيم العالمي للاخوان قرارا بالحوار مع امريكا ويؤكد هذه الوساطة التي يقوم بها طارق رمضان الآن في الولايات المتحدة الامريكية، أنه التقي هناك بالعديد من ممثلي وكالات الانباء والصحف الامريكية والمراكز البحثية المتخصصة في هذا الشأن وعلي رأسها مركز الاسلام الديمقراطي الذي تموله الخارجية الأمريكية.. اضافة إلي ذلك فإن طارق رمضان يحمل الجنسية السويسرية وقد حصل هناك علي درجة الدكتوراه في الفقه الاسلامي وحينما ذهب إلي واشنطن للتدريس باحدي الجامعات الامريكية رفضت الادارة الامريكية استقباله أو السماح له بالتدريس بجامعاتها نظرا لمكانته الاسرية في تيار الاخوان المسلمين ونشاطه الدعوي.
كان ذلك طوال العقد الماضي وظل مطرودا من أمريكا في تلك الفترة.. ولكن منذ 30 مارس عام 2005 وبعد أن اطلق فتواه الدينية الشهيرة بتعليق العمل بالحدود في الاسلام لقيت هذه الفتوي ردود فعل عديدة فوجهت له الادارة الأمريكية الدعوة بالعودة إلي أمريكا لتوضيح هذه الفتوي، وهناك سïئل عن هل هذه الفتوي لها أصل في الفقه الاسلامي؟ فأجاب: نعم، وسئل أيضا: هل يمكن للاسلاميين أن يؤمنوا بالديمقراطية عبر صناديق الانتخابات وفق الشريعة والنصوص الدينية الاسلامية؟ فأجاب: نعم.
ومن هنا ادركت واشنطن أن طارق رمضان يمكن أن يصبح 'رجب طيب أردوغان' جديدا في الشرق الاوسط وأنه من الممكن أن يكون الشخص الوحيد المناسب في هذه اللحظة لتحقيق التوافق والتقارب الفكري بين الأمريكيين والاخوان المسلمين خاصة بعد أن تغيرت النظرة الامريكية لهذا التيار حيث وجدت أنه اقرب الحركات الاسلامية التي يمكن تعديل بعض افكارها وأن مساعدة الدول التي بها الآلاف من اعضاء هذا التنظيم علي قمعها انما تولد فيها حركات اسلامية تستخدم العنف وتصبح اكثر تمردا علي امريكا نفسها.. وراح البعض يروج إلي أنه ليست هناك عوائق كبيرة تذكر للحوار بين الولايات المتحدة الامريكية.. بل ان نقاط الاتفاق بينهما اكثر من نقاط الاختلاف.. فالعولمة الاقتصادية التي تقودها واشنطن في العالم وحرية رأس المال لا تتعارض مع مبادئ الاسلام التي يؤمن بها الاخوان. بل ان معظم قيادات الاخوان تزدهر تجارتهم في ظل هذه العولمة، كذلك فإن الادارة الامريكية الحالية ترفض الشذوذ الجنسي والاجهاض وتدعو إلي قيمة العودة إلي النظام الاسري المترابط وهي افكار تصب أيضا في معين واحد يتفق مع الشريعة الاسلامة.. وذهب البعض إلي أن علاقة امريكا بالجماعات الدينية قديمة حيث سعت امريكا إلي الاستعانة بالجماعات الدينية لضرب الشيوعية، وفي نفس الوقت كانت الجماعات الدينية تري في المد الشيوعي خطرا علي الاسلام وقد سعي حسن البنا المرشد والمؤسس لجماعة الاخوان المسلمين منذ وقت مبكر في عمر الحركة إلي استمالة السفارة الامريكية بالقاهرة من اجل مساعدة امريكا في مناهضة المد الشيوعي وقد طلب المرشد حينذاك عدة مرات مقابلة 'فيليب ايرلاند' السكرتير الاول للسفارة الامريكية وبالفعل تم اللقاء في منزل 'ايرلاند' واحتسي المرشد زجاجة الكوكاكولا ثم قال: 'الشيوعية في الشرق الاوسط خطر داهم علي جميع الشعوب والإخوان يحاربون الشيوعية بكل الوسائل الممكنة' واقترح البنا علي 'آيرلاند' إنشاء مكتب مستقل مشترك بين الإخوان والحكومة الأمريكية لمحاربة الشيوعية، وفهم ايرلاند منذ ذلك ان تتولي الولايات المتحدة الأمريكية إدارة المكتب بينما يكون أعضاؤه في الأغلب من الإخوان، علي ان المرشد ابدي تحفظه علي تأييد أمريكا للأهداف الصهيونية وقال: 'يجب أن تكون للإخوان حرية الاعتراض علي أمريكا في هذه النقطة' .. ولكن تغيرت النظرة الأمريكية لجماعة الإخوان بعد ذلك .. حيث قامت الحرب العالمية الثانية 1945 ووضع البنا 10 آلاف شاب تحت قيادة الجامعة العربية للمساهمة في تحرير فلسطين وهذا لم يرح أمريكا وسعت إلي تشويه صورتهم والوقيعة بينهم وبين النظام الناصري .. ورغم استشهاد حسن البنا الذي لقي ترحيبا لدي الأمريكان وحل الجماعة بقرار من محمود فهمي النقراشي عام 1948 .. منذ ذلك التاريخ ورغم الضربات التي تلقتها جماعة الإخوان في عقدي الخمسينيات والستينيات فقد حدث ما يشبه التوافق بين الإخوان وأمريكا في السبعينيات من القرن العشرين .. ولم تكن الجماعة راغبة في المواجهة مع الغرب الرأسمالي وعلي رأسه أمريكا علي اعتبار أن العدو هو الشيوعية التي تنتشر في بلدان العالم وتهدد دول الشرق الأوسط فظلت الجماعة ووفقا لخطابها الايديولوجي الإسلامي تعتبر الولايات المتحدة من أهل الكتاب علي عكس الاتحاد السوفيتي السابق 'الذي يمثل الالحاد' وظل الفكر الإخواني يعتبر انه من الممكن ان يأتي اليوم الذي تتلاقي فيه المصالح الخاصة للولايات المتحدة مع التصرف العادل تجاه حقوق الشعوب المسلمة، ويذكر عمر التلمساني المرشد العام الثالث للإخوان قوله: 'انه لا يعرض للشيوعيين تعرضه للأمريكان وذلك لاعتبارات دينية تنفيذا لقوله تعالي: 'إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء' .. ويقول: 'ان الأمريكان وان كانت اساءاتهم للإسلام بالغة المدي فمازلنا نعتبرهم أهل كتاب .. فحركة الإخوان المسلمين في مهدها كانت تستوعب الآخر المختلف معها دينا' وما أشبه الليلة بالبارحة.
والسؤال الآن: هل ينجح طارق رمضان في هذا الحوار ولقاء الفرقاء علي الطريق الواحد؟
يري الدكتور عمرو الشوبكي الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية ان طارق رمضان هو أول من نظر لفكرة الإسلام الأوربي وضرورة أن يدمج المسلمون في المجتمعات الأوربية وكان له تأثير كبير بين أبناء الجاليات الفرنسية ذوي الأصول العربية.
وفي نفس الوقت لم يثبت انه كان عضوا ناشطا في جماعة الإخوان المسلمين ولكن كانت علاقته بهم علاقة ودية من واقع مكانته الأسرية لكنه كان يلتقي ببعض قيادات الإخوان في الخارج عبر شقيقه هاني الذي كان همزة الوصل بينه وبينهم، وشقيقه هاني أكثر قربا للخطاب الإخواني .. أما طارق رمضان فهو محسوب أكثر علي تيار الإسلام الأوربي المتأثر بالواقع السياسي والاجتماعي في أوربا وأن مشروعه الفكري من داخل هذه المجتمعات وإليها.
ويري د.عمرو الشوبكي ان دور طارق رمضان في مسألة الحوار الأمريكي الإخواني سيكون دورا فكريا فهو لا يصلح أن يكون نموذج 'رجب طيب اردوغان' جديدا: فأردوغان خرج معبرا عن البيئة التركية وحسب حساباته من داخل تركيا وواقعها .. أما طارق رمضان فهو ابن الثقافة الأوربية ولا اعتقد أنه يمكن ان يلعب ادوارا موجهة لصالح الولايات المتحدة خاصة أنه كان قد دخل في معركة ساخنة العام الماضي في فرنسا مع اللوبي اليهودي هناك واتهم بأنه معاد للسامية كما أنه يحمل خطابا مناصرا للعرب والعالم الثالث من داخل أوربا وهو أحد الوجوه البارزة التي ناهضت العولمة فهو اذن ليس صنيعة للولايات المتحدة.
وعن تفسيره لعودة طارق رمضان إلي أمريكا واجرائه هذه الحوارات حول امكانية دمج التيار الاسلامي في الديمقراطية يري د. عمرو الشوبكي أن احد خيارات طارق رمضان الفكرية هو دفاعه عن امكانية دمج الاسلاميين في الديمقراطية وان يكون المسلمون جزءا من نسيج المجتمع الاوربي، والامريكان يتأملون الآن فكرة دمج الاسلاميين لذلك يمكن ان تكون الافكار قد تلاقت ودور طارق رمضان سيكون له تأثير معنوي علي هذا التيار وليس تنظيميا علي بعض الوجوه الموجودة داخل الجماعة.
اما دور جماعة الاخوان المسلمين الآن بالنسبة لهذا الحوار فهم قد فهموا هذه الاشارات الأمريكية ويستوعبونها جيدا ويتعاملون معها الآن ويتحركون الآن علي ضوء هذا الفهم الجديد فقد أصبح الامر جزءا من وعيهم فلديهم الآن قراءة مزدوجة للواقع السياسي فقد كانت قراءتهم سابقا تعتمد علي توازنات الواقع المحلي والآن اختلف الامر ويحاولون الاستفادة من هذه الاشارات فمن الممكن من حيث المبدأ أن تدخل جماعة الاخوان المسلمين في حوار مع الامريكان لكن من حيث التوقيت غير ممكن الآن وسيكيفون المسألة وفق اللحظة وسيكون حوارهم عبر وسطاء.
الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح القيادي المعروف في تنظيم الإخوان المسلمين يعلق علي هذه التحليلات قائلا: نحن حين خرجنا في هذه المظاهرات خرجنا لنوصل رسالة للعالم أجمع وليس لأمريكا فقط وهو أن الإخوان تيار سياسي قوي وله وجود في الشارع المصري وأن خروجنا كان تعبيرا عن مطالب جماهير الشعب وليس استجابة لضغوط خارجية والإخوان يتحاورون مع الجميع لكننا لا نتحاور مع أنظمة أجنبية.. نحن لنا مساهمات في الحوار عبر منظمات دولية ومراكز بحوث أجنبية وحينما نتحاور مع هذه المنظمات وهذه المراكز لا نفتش وراءها إذا ما كانت تابعة لتنظيم أم لا.. ولكننا في النهاية نقف في خندق واحد مع الدولة ضد اختراق السيادة الوطنية من قبل أية جهة.
أما بخصوص طارق رمضان وحواراته التي يجريها هناك فهي لا تعبر عنا ونحن لم نرسله في مهمة الوساطة وهو ليس من الإخوان المسلمين.. وله مطلق الحرية في أن يذهب إلي حيث يشاء.. مع تقديرنا الخاص له كابن لأحد آباء الرعيل الأول من الإخوان.. فالأصل عندنا هو الحفاظ علي السيادة المصرية فلا يعني اختلافنا مع النظام وطرق وأساليب إدارته للإصلاح السياسي أننا نقف مع الخارج ضده فنحن نرفض انهيار السيادة الوطنية لنظام الحكم في مصر.
بقي أن نقول إن هذه الحوارات التي بدأت يراها البعض خطوة في إطار تصعيد الضغط الخارجي علي النظم العربية بشأن قضية الإصلاح السياسي وأن التنظيمات الإسلامية ستكون بمثابة ورقة ضغط علي نظمها وفقا لما عبرت عنه كونداليزا رايس في وقت سابق وأن ذلك يأتي في سياق اقتناع أوروأمريكي يدعي بأن النظم العربية المستبدة هي التي هيأت المناخ باستبدادها وديكتاتوريتها لشيوع التطرف والإرهاب الديني إلا أن حقيقة الأمر هي علي النقيض تماما فأمريكا لديها أجندة تريد تمريرها في المنطقة ولذلك كان قرارها بتغيير النخب السياسية الحاكمة في العالم العربي، حتي ولو كان الثمن في المقابل أن تفتح الطريق أمام تيارات أصولية تدرك واشنطن حجم الخلاف معها ولكنها تراهن علي تجربة تركيا في عهد 'رجب أردوغان' فهل تنجح واشنطن في تكرار النموذج في مصر؟!.
إذا استمرت الأوضاع كما هي وبقي النظام علي عناده وجبروته فهو سيقدم بذلك أكبر خدمة تدفع بالإخوان إلي السلطة في غيبة بقية القوي والجماهير التي أصبحت الآن لا تبالي من يأتي كبديل لهذا النظام!!
*الاسبوع المصرية