هل تبدأ أمريكا حوارًا حقيقيًّا مع الإسلاميين؟!
إخوان أون لاين - 15/05/2005
طرحت سويس إنفو السؤال على الدكتور عمرو حمزاوي- الخبير بمؤسسة كارنيجي للسلام العالمي وهو أيضًا من رموز الحركة المطالِبة بالإصلاح الديمقراطي في العالم العربي- والذي أدلى مؤخرًا بشهادة أمام لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب الأمريكي حول فُرص وتحديات التحرر السياسي في العالم العربي، فقال: هناك مجموعتان من الصعوبات التي تعترض سبيل تحرك أمريكي سريع ومباشر نحو الدفع باتجاه إدماج الحركات الإسلامية المعتدلة في العملية السياسية في عدد من الدول العربية، خاصةً في مصر والمغرب.
أولاً: من الناحية الأيديولوجية
هناك انقسام داخل الإدارة الأمريكية بين اتجاه واضح وقوي يرى أن الحركات الإسلامية وإن ادَّعت إيمانها بالإصلاح الديمقراطي إلا أنها ليست قوى ديمقراطيةً، وبالتالي فمن الخطورة بمكان السماح بإدماجها في العملية السياسية في العالم العربي؛ لأنها إن أصبحت فاعلاً سياسيًا رئيسًا قد تنقلب ضد قواعد اللعبة الديمقراطية نفسها، ويثير أصحاب هذا الاتجاه قضية نموذج الجزائر في بداية التسعينيات.. أما الاتجاه الآخر- وهو ما زال هامشيًّا داخل الإدارة الأمريكية وتتزعمه وزيرة الخارجية كونداليزا رايس- فيرى مساندوه أنه آن الأوان للسماح للمسلمين المعتدلين بالاندماج في العملية السياسية متى قبلوا قواعد العمل الديمقراطي، والتداول السلمي للسلطة، ويدرك أنصار ذلك الاتجاه حقيقة وجود تيارات إسلامية تؤمن بالتحول الديمقراطي، ويدركون أيضًا أنه بدون مشاركة الإسلاميين ستكون هناك مساحةٌ سياسيةٌ خاليةٌ من الأطراف الفاعلة الحقيقية، باستثناء النظم العربية الحاكمة.
ثانيًا: من ناحية السياسة الإقليمية
يرى البعض داخل الإدارة الأمريكية أنه سيكون من الصعب التعامل حتى مع الحركات الإسلامية المعتدلة التي تؤمن بالإصلاح الديمقراطي؛ لأنها ترفض الوجود الأمريكي في المنطقة، وترفض الاعتراف بحق الكيان الصهيوني في الوجود، وأنه إذا وصل الإسلاميون إلى الحكم في مصر مثلاً فسوف ينقلبون على معاهدة السلام المصريةالصهيونية.
ويعتقد الدكتور حمزاوي أنه بدون إدماج الحركات الإسلامية في العمل السياسي لا يمكن خلق تحالفات قومية تسعى على المستوى العربي للضغط من الداخل على الحكام العرب للدفع باتجاه إصلاحات سياسية حقيقية في العالم العربي.
وعلى الجانب الآخر يرى الدكتور عمرو حمزاوي أن هناك صعوباتٍ تعترض سبيل التقارب والحوار بين الولايات المتحدة والإسلاميين، ومنها التشكك في النوايا الأمريكية، وقد رفضت بعدُ حركة الإخوان المسلمين في مصر وحركة العمل الإسلامي في الأردن الدخول في حوار مع الولايات المتحدة، كما أنه ليس بوُسْع الحركات السياسية الإسلامية الملتزمة بالديمقراطية في العالم العربي استخدام النموذج التركي كمثال على مستقبل أدائها إذا وصلت إلى الحكم؛ لأن ذلك النموذج قام على علمانية الدولة بشكل صارم، وعلى أساس من الانقطاع التاريخي الكامل عن الماضي بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، كما أن المرجعية النهائية هي للجيش التركي والمؤسسة العسكرية، التي تقوم بدور الرقيب والرابط لدور الإسلاميين في الحلبة السياسية، ولن تقبل الحركات الإسلامية العربية، لا بالعلمانية ولا بدور الجيش، مع أنها قبلت حينما أُتِيحت لها فرصة العمل السياسي في كل من الأردن والمغرب بأن يكون الملك هو المرجعية النهائية في الساحة السياسية.
فرص الحوار مع الإسلاميين
ومع ذلك يرى الدكتور عمرو حمزاوي أن هناك فرصًا مُتاحةً للتعاون والحوار بين الحركات الإسلامية العربية وبين الولايات المتحدة، ومنها:
أولاً: التعاون على مستوى المنظمات غير الحكومية، مثل المعهد الديمقراطي الأمريكي الذي يُدرب أعضاء الأحزاب السياسية الإسلامية، مثل حزب العدالة والتنمية في المغرب، أو جبهة العمل الإسلامي في الأردن، أو الأحزاب الإسلامية في اليمن.
ثانيًا: اتباع أسلوب التدرج في الحوار الأمريكي مع الإسلاميين وعدم الإعلان عن اللقاءات لتجنُّب الرفض؛ خشيةَ التعرض لفقدان تلك الحركات للثقة والمصداقية عندما تلعب الحكومات العربية لعبةً أن تلك الحوارات تنتهك السيادة الوطنية.
ثالثًا: أن تضغط الولايات المتحدة على الحكومات العربية لإدخال مزيد من الإصلاحات الديمقراطية، وعدم إقصاء قوى سياسية لها وزنها مثل الحركات الإسلامية المعتدلة.
رابعًا: أن تَشرع الولايات المتحدة في بناء الثقة لدى الإسلاميين المعتدلين من خلال إظهار الاهتمام الأمريكي بمساندة حقوقهم، بنفس القدر الذي تُبديه واشنطن في الدفاع عن الليبراليين العرب.. فقد لاحظ الإسلاميون الضغطَ الأمريكي لإطلاق سراح المعارض المصري الليبرالي أيمن نور والصمت الأمريكي إزاء إلقاء القبض على رموز وقيادات الإخوان المسلمين في مصر.
ونفى الدكتور عمرو حمزاوي أن تكون الولايات المتحدة صادقةً 100% فيما يتعلَّق بعزمها التخلي عن السياسة التي اتبعتها لأكثر من ستين عامًا في العالم العربي، بمقايضة استقرار المنطقة بالتغاضي عن التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي، وقال: "إن واشنطن ستتخلى عن مساندتها لحكام غير ديمقراطيين في عدد من الدول العربية التي لا توجد فيها مصالح أمريكية إستراتيجية رئيسية، مثل المغرب أو تونس أو اليمن أو لبنان، ولكن عندما يتعلق الأمر بحالتي مصر والسعودية فإن الولايات المتحدة ستبقى دائمًا على مبدأ مقايضة الاستقرار بالتغاضي عن التحول الديمقراطي، إذا كان سيأتي بقوى سياسية تخلق جوًّا من عدم الاستقرار يهدد المصالح الأمريكية مع مصر أو السعودية".
وعلَّق الدكتور حمزاوي على الطرح الأمريكي في منتدى أمريكا والعالم الإسلامي الذي عُقد في الدوحة في الشهر الماضي، باستعداد الولايات المتحدة لقبول مشاركة جماعات إسلامية- مثل (حماس) وحزب الله- في عملية الإصلاح السياسي، والتحول نحو الديمقراطية بشرط تخلِّيها عن العنف وقبولها لقواعد اللعبة الديمقراطية، فقال: "إن الحركتين تدخلان في نطاق حركات المقاومة الإسلامية التي تَستخدم السلاح، ولكنها في نفس الوقت حركات سياسية، ولذلك فإن المطالبة الأمريكية للحركتين بنزع السلاح هي محض خيال؛ حيث لن تتخلى الحركتان عن السلاح في الفترة القادمة؛ ولذلك يجب أن تنتهج الولايات المتحدة خطًّا براجماتيًّا يستهدف في نهاية المطاف إدماج (حماس) و(حزب الله) في اللعبة السياسية لتحقيق توافق ومصالحة وطنية حول السلام في الحالة الفلسطينية، والتحول الديمقراطي في الحالة اللبنانية".
وخلص الدكتور عمرو حمزاوي- كبير الخبراء بمؤسسة كارنيجي للسلام العالمي- إلى أن العلاقات بين الولايات المتحدة والإسلاميين في العالم العربي ستشهد انفتاحًا تدريجيًا، خاصةً في الدول التي تبدو فيها هذه الحركات قويةً على صعيد اللعبة السياسية، وليس لها أجنحة عسكرية، مثل الحركات السياسية الإسلامية في مصر والمغرب والأردن، بشرط قبول الإسلاميين بذلك.
الكونجرس الأمريكي والإسلاميون
وقد انعكس إدراك الولايات المتحدة لأهمية الإصلاح السياسي في العالم العربي وعدم إقصاء الحركات السياسية الإسلامية المعتدلة من العمل السياسي في جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب الأمريكي في أواخر شهر أبريل، واستمعت فيها لآراء عدد من الخبراء العرب والأمريكيين، كان من بينهم الدكتور عمرو حمزاوي- الخبير بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي- والدكتور عبد الوهاب الأفندي- الباحث بمركز دراسات الديمقراطية بجامعة وست مينستر في لندن.
وقال الدكتور الأفندي في مداخلته: "إن الدور البارز للإسلاميين المعتدلين في كل من تركيا وإيران يوضِّح كيف أنه من الممكن لتيارات تستند إلى شكل من أشكال الشرعية الإسلامية أن تُصبح حيويةً من أجل إحداث الانتقال المرغوب نحو حكم يحظى بالرضا الشعبي في الدول الإسلامية"، كما نبَّه الدكتور الأفندي إلى القيود الشديدة المفروضة على المشاركة السياسية للحركات الإسلامية في العالم العربي، مما يُعيق قدرة الشعوب على الدفع باتجاه الإصلاح.
وأعرب توم لانتوس- النائب الديمقراطي والعضو البارز في لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب- أن دُولاً مثل الكويت والأردن والمغرب تمكنت من استيعاب التيارات الإسلامية المؤثرة في حلبة العمل السياسي، وتمكنت تلك التيارات بالفعل من العمل بتناغم مع نظم حكم تتَّسم بالعلمانية.
وفي نفس الجلسة نبهت السيدة إيمي هوثورن- خبيرة الترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط- إلى ضرورة إدراك حقيقة أن جماعات المعارضة الإسلامية في أنحاء العالم العربي تشكل قوى سياسية رئيسية تتمتع بتأييد شعبي واسع؛ ولذلك لم يعد بوسع الولايات المتحدة تجاهل دور الحركات الإسلامية في منظومة العمل السياسي بالدول العربية.
واقترحت أن يشرع مسئولون أمريكيون في الدخول في حوارات منتظمة مع تلك الجماعات، وعلى رأسها جماعات تمكنت بالفعل من دخول حلبة العمل السياسي، مثل جبهة العمل الإسلامي في الأردن، وحزب الإصلاح في اليمن، وكذلك مع الحركات التي لا زالت تتعرض للإقصاء، مثل حركة الإخوان المسلمين في مصر.
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ID...7&SectionID=201