«براغماتية» الإخوان و«ممانعة» النظام تدشنان المخاض «العسير» للديموقراطية في مصر
خليل العناني الحياة 2005/05/15
تعبر مواجهات اللحظة الراهنة بين جماعة «الإخوان المسلمين» والحكومة المصرية عن حجم التغير الذي طرأ على الساحة السياسية في مصر، والذي تتسارع وتيرته دون أن يقوى أي طرف علي التحكم فيه.
وقد أضفى مناخ عدم الثقة الموروث بين الطرفين، واستمرار حال الندية والإقصاء، نوعاً من السخونة على أجواء الحديث عن الإصلاح في مصر، فيما يشبه بواكير المخاض العسير للديموقراطية.
وتكمن معضلة النظام مع الإخوان في نظرته للجماعة بوصفها مجرد «نتوءٍ» خارجي في جسد المجتمع يجب بتره، وليست جزءاً من نسيجه، يمكن معالجته وتقويمه كي يقوم بدوره كقوة فاعلة في المجتمع. وعلى عكس تعاطيه مع بقية قوى المعارضة، لم يسمح النظام لنفسه بمساحة تمكّنه من إعادة التفكير فيها بشكل مغاير، وذلك على الرغم من إدراكه الشديد لمدى قوتها وتأثيرها مقارنة ببقية قوى المعارضة. وهو ما يعبر عن تقييم مختزل لطبيعة عمل الميكانزمات السياسية في البلاد، بما يقلل من جدوى الخطوات الإصلاحية التي يتم الحديث عنها. كذلك لم يعد مستساغاً أن يتم التقليل من شأن الجماعة وتضخيم خطرها على المجتمع إلى الدرجة التي يعاقب فيها الشعب بحرمانه من الديموقراطية بحجة الخوف من الخطر «الإخواني».
وعلى عكس الانطباع السائد بأن هناك ضموراً في قوة الإخوان، على خلفية المزج «المتعمد» بينها وبين تيارات الجهاد والعنف السياسي، فوجئ النظام بتصعيد «إخواني» غير مسبوق، عبرت عنه المظاهرات التي نظمها الإخوان مؤخراً، وإعلانهم التحدي والمجابهة حتي أخر الخط.
ويفسر الموقف الرسمي من الإخوان كثيراً من ضعف أحجية الإصلاح، بحيث يصبح إصلاحاً «مُحكماً» تحتفظ فيه السلطة بهيبتها وهيمنتها، ولا إمكانية فيه لتجربة رؤى بديلة، فهو إصلاح يقف عند الأطراف دون أن يمتد لقلب التفاعلات السياسية في المجتمع.
لذا فإن تعديل إحدى مواد الدستور، لا يجب أن يفهم، حسب الموقف الرسمي، بوصفه أمراً اعتيادياً في مجتمع حيوي ونابض، وإنما بوصفه «معجزة» يجب الحفاظ على مكاسبها والرضا بما قد ينجم عنها. أو بالأحرى لا يعدو كونه مجرد محاولة استباقية لخفض سقف توقعات الأفراد بشأن خطوات إصلاحية أخري، ذات محتوي حقيقي، قد يحل كثيراً من رموز العمل السياسي في مصر. فالشروط «التعجيزية» التي تضمنها تعديل المادة 76 يشي بأن الإصلاح لم يكن يوماً هدفاً بقدر ما هو وسيلة للبقاء، وأن الديموقراطية لم تصبح بعد بديلاً بقدر ما هي شعار للتجميد والتحنيط.
مستجدات كثيرة يجب على النظام المصري إدراكها في تعاطيه مع الإخوان، لعل أهمها تغير الظرف المحلي والدولي عن ذي قبل، وبشكل قد يسمح للإخوان أو أي فصيل أخر يمتلك جماهيرية أن ينافس النظام في قوته وتأثيره وتنظيمه.
من جهة أخري، لم يعد التغيير مطلباً «إخوانياً» بقدر ما بات حالاً عامة، تجمع تحت مظلتها كافة ألوان الطيف السياسي وغير السياسي في مصر. كذلك، من غير المنطقي الاعتقاد بأن «الإخوان» سيتراجعون عن الاستفادة من «الظرف» الحالي، والذي قد لا يتكرر، دون أن يحققوا أكبر قدر من المكاسب ليس أقلها الاعتراف بحقهم في ممارسة العمل السياسي بشكل أكثر حرية وتنفساً يعوض كثيراً من مرارات العقود السابقة.
في ظل هذه المتغيرات تتحول التهدئة مع الإخوان من مجرد خيار يمكن «المنّ» به عليهم، الى واقع يجب التعاطي معه، فمن شأن التصعيد أن يزيد الأمور تعقيداً في الداخل والخارج، خصوصاً في ظل «البراغماتية» غير المعهودة التي طرأت على الذهن «الإخواني»، وعدم ممانعة الخارج في التحاور معهم وربما التعاون في وقت لاحق.
من جانبهم، يدرك الإخوان بأن ما كان من سكونهم وخنوعهم قد ولي وانتهي، حتي وإن قبلوا بهدنة أو «صفقة» مع النظام، فستكون مجرد حل تكتيكي لا ينفي استراتيجية الاقتناص، فالعودة للأعشاش لم تعد مجدية في ظل حال السيولة التي تمر بها الساحة المصرية.
كذلك تستند الجماعة في قوتها وتصعيدها مع النظام على أن هناك قدراً من الالتقاء في الرؤى والمطالب مع بقية قوى المعارضة، وربما قسط وافر من الجماهير، بشكل يوجب استثماره والضغط به. من جهة ثالثة، يري بعض قادة الإخوان بأنه على عكس ما يبدو، فإن النظام في حاجة إليهم أكثر من أي وقت مضي، وذلك لصد الضغط الخارجي غير المسبوق عليه من ناحية، ولجذبهم بعيداً عن الخارج وإمكانية «استخدامهم» ضده من ناحية أخري.
بيد أن معضلة الإخوان تكمن في اعتقادهم بأن مجرد الضغط على النظام وإحراجه كفيل بتحقيق مطالبهم، دون أن يتوافر لديهم القدرة على طرح بديل يملك من الموضوعية والجدية ما يؤصل لرؤيتهم الإصلاحية، تلك التي لا تزال تعاني قصوراً يجب تخطيه بما يمكن من التعاطي مع القضايا السياسية والإشكاليات الدينية والفقهية الكبرى التي كثيراً ما وقفت حاجز عثرة أمام حلحلة علاقتهم مع بقية أطراف اللعبة، وبالأخص الجماهير. فضلاً عن محاولة ترميم التصدعات البنيوية والتربوية والتأهيلية داخل «محاضن» الجماعة بشكل يمكّن أعضاءها من اكتساب التأهيل اللازم للمشاركة في صنع القرار السياسي في البلاد.
إحساس الإخوان بكون «جماعتهم» باتت الرقم الصعب في معادلة الإصلاح في مصر، يجعلهم يصرون على ضرورة «استيعابها»، بشكل أو بأخر، وبحيث يمكن الحديث عن إصلاحات «ديومقراطية» حقيقية تعوض تشوهات الانتقائية التي طغت على الساحة السياسية في مصر لفترة طويلة.
(كاتب ومعلق مصري)
http://www.daralhayat.com/opinion/currents...4a45/story.html