حسين العودات: منتدى الأتاسي واعتقال الناشطين
GMT 2:00:00 2005 الجمعة 20 مايو
السفير اللبنانية



--------------------------------------------------------------------------------


تأسس منتدى جمال الأتاسي للحوار الديموقراطي قبل عدة سنوات في إطار الحراك الثقافي والسياسي السوري الذي نشط في ضوء كلمة الرئيس بشار الأسد التي ألقاها يوم أن أقسم اليمين الدستورية والتي اعتبرت منطلقات لبرنامجه المقبل، وتضمنت نوايا بالانفتاح على جميع الفئات السياسية والاجتماعية والرغبة بمشاركتها بما سمي (التطوير والتحديث).
وتفاءل الجميع خيراً بأن كلمة الرئيس هي التزام ببدء مرحلة جديدة تنبئ بمنهج وأسلوب جديدين من التعامل مع المستجدات التي تحيط بسوريا والمنطقة والعالم وتعتبر جزءاً من معطيات النظام العالمي الجديد، وكان المنتدى واحداً من منتديات عديدة بعضها جاد وبعضها ظرفي، وشكلت الظاهرة بمجملها ما سمي بربيع دمشق. ثم عمدت السلطة فيما بعد إلى إغلاق المنتديات جميعها وسجن نشطاء فيها ما زال بعضهم في الاعتقال، باستثناء الإبقاء على منتدى الأتاسي احتراماً لذكرى جمال الأتاسي الذي كان مفكراً ومناضلاً وأحد المؤسسين الرئيسيين لحزب البعث العربي الاشتراكي، ورئيس التجمع الوطني الديموقراطي المعارض، وهو ما أوحى بأن السلطة السياسية أرادت ترك نافذة للمعارضة ممثلة بالمنتدى، كفاتحة لعلاقات جديدة مع هذه المعارضة.
وصلت الرسالة بوضوح للمنتدى، وعمل منذ أيامه الأولى كي يكون منبراً حقيقياً للحوار الديموقراطي ليس له أي علاقة تنظيمية مع أي فئة من الفئات المعارضة سواء كانت حزباً أم تياراً ثقافياً، وضمت هيئاته العامة ومجالس إدارته المتتالية أعضاء من مختلف تكوينات الطيف السياسي والثقافي السوري، وجعل من نفسه ساحة للحوار الديموقراطي، وقدم في محاضراته التي تلقى شهرياً وفي ندواته مواضيع تمثل مختلف الاتجاهات السياسية والثقافية وتجري حوارات في كل محاضرة أو ندوة متعارضة أو متوافقة معها في مناخ حوار ديموقراطي حر، وشارك فيها جميعها بعثيون كانوا يبدون وجهة نظرهم دون أي عائق. ولعب المنتدى بالفعل دوراً إيجابياً في تعرف الفئات السياسية والثقافية السورية بعضها على آراء البعض الآخر، وكان ساحة حقيقية لتبادل الآراء وتلمس وجهات النظر والبحث الجدي بما تواجهه سوريا من صعوبات وعرض الآراء المتعلقة برؤى الحلول التي تخرج البلاد من أزمتها بسلام.


عقد المنتدى ندوة في مطلع الشهر الحالي دعا إليها جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والثقافية السورية لعرض مقترحاتها الإصلاحية بعشر دقائق لكل منها، وبلغ عدد المشاركين خمسة عشر مشاركاً منهم مشارك من حزب البعث هو عضو في مجلس الشعب وأستاذ جامعي في الوقت نفسه. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها الأحزاب السياسية السورية (المعارضة) والمؤسسات الاجتماعية ومنظمات حقوق الإنسان رأيها، ومن البديهي القول إنه كانت تباينات في وجهات النظر التي عرضت من جهة وعدم تبني المنتدى أي وجهة نظر بعينها من جهة ثانية وضرورة عرض وجهة نظر الأخوان المسلمين من جهة ثالثة. وقد كلف مجلس إدارة المنتدى عضو المجلس علي العبد الله إلقاء وجهة نظر الأخوان المسلمين باعتباره عضو مجلس إدارة ولأسباب تقنية لا علاقة لها بموقفه السياسي أو الأيديولوجي. وانتهت الندوة بسلام وكانت ندوة هامة ومفيدة للجميع بشهادة المحاضرين والحاضرين. اعتقل أحد الأجهزة الأمنية علي العبد الله بعد أسبوع بافتراض أنه بادر لإلقاء وجهة نظر الأخوان المسلمين. وحقيقة الأمر ليست كذلك، فقد كان مكلفاً من مجلس الإدارة، واستدعت رئيسة المنتدى السيدة سهير الأتاسي وطالبتها بإصدار بيان باسم مجلس الإدارة يؤكد فيه معارضته لمضمون المداخلة المعبرة عن رأي الأخوان المسلمين وتنصله من دعوتهم للمشاركة، لكن الهيئة العامة للمنتدى أكدت من جديد مسؤوليتها عن قبول المشاركة وتكليفها علي العبد الله إلقاء الكلمة وبالتالي فإن مسؤوليته لا تزيد عن مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة الآخرين.
[SIZE=6]لقد ارتكبت أجهزة الأمن خطأ لا مبرر له باعتقال علي العبد الله لعدم مسؤوليته الشخصية ولأنها (أي الأجهزة) أثارت زوبعة من الاحتجاجات والشجب لدى مختلف فئات المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وأساءت بالتأكيد لسمعة النظام السياسي وأكدت أن النهج القديم والأساليب القديمة مازالت قيد الاستخدام لدى هذه الأجهزة رغم تغير الظروف والأحوال خاصة على أبواب انعقاد المؤتمر القطري.
يبدو أن اعتقال علي العبد الله هو رسالة لأطياف المعارضة السورية بل وللشعب السوري، تتضمن تذكير الجميع باستمرار نهج الاحتماء بالأحكام العرفية ورفض الرأي الآخر والحوار والتعددية، وتجاهل كل ما جرى في المنطقة وفي العالم وإغماض العين عن رؤية الحاضر واستشفاف المستقبل، والإمعان في النهج نفسه الذي لم يعد له مسوغات لا مبدئية ولا سياسية ولا واقعية، وهي محاكمة للنوايا والمواقف التي يندر أن يتعامل أحد مع أحد بها في عصرنا في الأكثرية الساحقة من بلدان العالم.


تفاءل البعض بالمؤتمر القطري العاشر المقبل لحزب البعث، ورأى أنه سيفتح نوافذ للحوار مع المعارضة تمهيداً لإقامة وحدة وطنية، وعقلنة أساليب تعامل السلطة مع الناس، ومقاومة الفساد، وإلغاء الأحكام العرفية، وبدء مرحلة جديدة من التفاهم مع المجتمع السوري متعدد الأطياف السياسية والثقافية والاستقواء بهذا المجتمع لمواجهة الصعوبات الداخلية والضغوط الخارجية، بدءاً من مكافحة الفساد وصولاً لمواجهة الضغوط الأميركية والتهديدات الإسرائيلية. ويبدو أن وجهة نظر المتفائلين هذه واهمة وفي غير محلها، فمن لم يتسع صدره لقبول عرض وجهة نظر فئة معارضة (وكانت وجهة نظر في غاية الاعتدال) وفي ندوة مغلقة لن يتسع صدره بالتأكيد لآراء الطيف السياسي والثقافي السوري، وستستمر محاولاته الاستئثار بالقرار وتجاهل العمل لإقامة وحدة وطنية بما لا يفيد لا سوريا ولا النظام السياسي.
() كاتب سوري