very nice and very good Articel

خصوصيتنا.. حماها الله
GMT 6:00:00 2005 السبت 21 مايو
نبيل شرف الدين



--------------------------------------------------------------------------------


صامدون هنا .. قرب هذا الدمار العظيم باتجاه الجدار الأخير، وفي يدنا يلمع الرعب .. في يدنا حين يتأمل المرء المشهد السياسي الراهن في مصر، تقفز إلى مخيلته على الفور واحدة من حكاية الجدات البليغة، والتي تروي قصة الحق والباطل، حين اجتمع الاثنان يوما واتفقا على أن يعتلي أحدهما ظهر الآخر ثم يقطعان مسافة، بعدها يتبادلان المواقع ليركب الماشي ويمشي الراكب، وهكذا يتبادلان المواقع حتى النهاية، سواء نهاية المسافة أو حتى نهاية الحياة، لا فرق، وقضى الاتفاق على أن يركب الباطل في البداية، ويمشي الحق حاملاً إياه، وبعد انتهاء المسافة المقررة طلب الحق من الباطل أن يتبادلا المواقع ليركب الحق ويمضي الباطل، لكن الباطل رفض وأصر على أن يظل راكبا حتى النهاية، وبعد جدل طويل اقترح الباطل أن يحتكما إلى أول شخص يظهر في طريقهما، وعندما اقتربا من أحد المارة بادره الباطل قائلاً: من الذي يجب أن يمشي في الأرض، الحق أم الباطل؟ فرد الرجل فورا "الحق طبعا"، وهكذا صدر الحكم النهائي بأن يظل الباطل راكبا والحق ماشياً .
تقودنا هذه المقدمة إلى وضع أصابعنا على طبقة سميكة الجلد، مشوهة الضمير من "كهنة الاستبداد"، التي تسعى وبإصرار إلى عزل الناس عن فهم حقائق ما يدور حولهم، مستخدمين في سبيل ذلك عشرات الطرق والوسائل، التي قد يكون بعضها مبتكراً لحد يتجاوز الخيال، وقد يكون بعضها الآخر فجاً وتافهاً، وربما يكون في أحيان أخرى أمراً بالغ البساطة والخطورة معا كما هو حال الترويج لقناعات يرددها ملايين البشر كالببغاوات، ويتعاملون معها باعتبارها مسلمات، وهي ما يوصف تاريخياً بالتعبير القائل "كلمة الحق الذي يراد به الباطل"، وهو كما نعرف ليست أمر مستحدثاً في ثقافتنا، بل أخشى أن يكون راسخاً ومتجذراً، فمنذ أن رفع الخوارج هذه اللافتة في وجه من لا يرقى الشك إلى صدق إيمانه وإخلاصه للرسول والرسالة، وهو الإمام علي بن أبي طالب عليه أطيب السلام، وراحوا ـ وهم النكرات ـ يحاجون الإمام العالم الجليل بكلمة حق هي "إن الحكم إلا لله"، بينما كانت النوايا ـ التي أرجو ألا نكابر فيها بعد 14 قرناً ـ أنها اتجهت إلى الباطل .. عين الباطل، وحدث ما حدث من وقائع الفتنة الكبرى، التي شقت ولم تزل تشق هذه الأمة حتى اليوم، ولكن يبدو أننا لم نتعلم الدرس، ولم نتعظ كما تفعل بقية الأمم وخلق الله، فأعدنا الكرة في كربلاء وفي الأندلس وفي النكبة والنكسة، والأخطر من هذا كله أن هذا "السيناريو الشرير" يجرى استنساخه الآن بذريعة حق جديدة هي "رفض التدخل الأجنبي"، لكن لا يتطلب الأمر كثير عناء حتى يكتشف أنها كلمة حق يراد به باطل، وهو الوقوف في وجه أي تغيير، والتصدي لريح الديمقراطية التي هبت على العالم خلال السنوات القليلة الماضية، وما يترتب على هذا الرفض من توزيع الاتهامات بسخاء على كل من يناقش هؤلاء المستفيدين من بقاء الحال على ما هو عليه، حتى تبقى مصالحهم مصونة.
نعم، يحدث الآن في آخر بؤر الاستبداد المحتقنة في العالم هنا، في شرقنا الأتعس، من كلمات الحق التي يراد بها الباطل، عين الباطل، وما يردده ببغاوات الأنظمة وكهنتها من الزعم بأن "الإصلاح لا يمكن إلا أن ينبع من الداخل"، وبالتالي فإن أي ريح إصلاح قد تأتي من الخارج فهي مرفوضة، بل وبمنتهى التشنج، فضلاً عن التلويح بـ "عصا العز"، أي إرهاب المخالفين بالتخوين والتآمر والتكفير، تماماً كما فعل أسلافهم من الخوارج حين وصل بهم التبجح إلى حد تكفير الأئمة العظام، الذين دفعوا ثمناً غالياً، لا طاقة لنا نحن العوام والبسطاء به، لكن يبدو ـ والله أعلم ـ أننا أيضاً لم يعد لدينا ما نخشى عليه، ولم يعد هناك ما نتحسب له أو نحرص على عدم خسارته، لهذا سنقولها، وأجرنا على الله والمستقبل، أن هؤلاء الكهنة الأشرار هم أخطر كثيراً من أنظمة الحكم المستبدة، لأنهم وببساطة، أصحاب المصلحة في بقاء واستمرار آخر دكتاتوريات العالم صامدة في وجه رياح التغيير التي هبت على الشرق والغرب .
.....
في كل صحيفة ومجلة تصدر من المحيط إلى الخليج، وعبر كل نسمة تهب خلال هذا الفضاء القاري، يقتحم سكوننا ويعكر سلام نفوسنا وجه من وجوه جمعية "صنّاع الطغاة"، أحياناً يتنكر صاحب هذا الوجه في هيئة "مفكر"، وأخرى يتترس بعمامة الدين، وثالثة يخلع على نفسه لقب "المحلل الاستراتيجي"، ناهيك عن ألقاب الناشط والمعارض والمناضل والمجاهد و.. و الخ
كل هذا الحشد الشرير لا يفتأ أن يكرر دون ملل، معنى وحيداً وهو أهلاً بالاستبداد إذا كان محلياً، ولا لأي ريح تغيير تأتي من الخارج، حتى لو كانت محملة بعطر التسامح والديمقراطية، وفي سبيل إثبات صحة هذه "الخرافة"، يرفع هؤلاء الأشرار شعارات وطنية تارة، ودينية تارات، ويصبون جام غضبهم على الغرب، لدرجة يتبجح بها بعض متشنجيهم، ويزعمون أن نظم الحكم الغربية مستبدة في بلدانها، وأن الديمقراطية ليست أكثر من أكذوبة، وأن "خصوصيتنا" حماها الله مثل شرف العذراء و"عود الكبريت"، لا يمكن إشعاله مرتين، وأننا مستهدفون من بقية الأمم، وأن هناك مؤامرات سرية وعلنية تستهدفنا، وهذا الزعم تحديداً يربكني للغاية، لأنني لا أفهم لماذا ينشغل بنا إلى حد التآمر، هذا الغرب الأغنى والأقوى والأكثر تحضراً ؟، ولا استسيغ ما يسوقه المتآمرون وباعة المؤامرات من دعايات فجة وسخيفة مثل مطامع الغرب في ثرواتنا، بينما حكامنا وأولو الأمر منا هم أكثر من بدد هذه الثروات وبينما نحن جميعنا، بخليجنا ومحيطنا ونفطنا وأنهارنا وأحزابنا وعشائرنا وشيعنا لا نمثل إلا جزءاً من اقتصاد واحدة من أقل دول الغرب تقدماً كأسبانيا أو البرتغال مثلاً .
وبالطبع يصاحب هذه "الحملة الانكشارية" لتسويق نظريات التآمر زفة يقودها طراز من البشر لا يجد المرء أفضل من التعبير الشعبي دقة في وصفهم وهو أنهم "خلعوا برقع الحياء"، فهم يتصرفون بتبجح "فتاة ليل" تدعو للفضيلة، ولننظر مثلاً إلى كتاب أو برلمانيين أو ساسة تربوا على موائد الشمولية ودافعوا سنوات طويلة عن القطاع العام ومكاسب الشعب والاشتراكية، ثم ما لبثوا أن انقلبوا إلى "انفتاحيين" يدافعون عن القطاع الخاص، وبعد أن تسابقوا في توجيه أقذع ألفاظ السباب لأميركا "الإمبريالية"، راحوا يحجون إليها صيفاً وشتاء ويرسلون أبناءهم للتعليم في جامعاتها، وبناتهم للولادة هناك ليصبح الأحفاد أميركيين بالمولد، وما أن تغيرت استراتيجية أميركا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهبت ريح التغيير، حتى عاود هؤلاء استدعاء معجم الشمولية من مخازن "القطاع العام"، بل وذهب بعضهم إلى حد "الدروشة" وصار منافحاً عن الإسلام الذي تدبر له أميركا المؤامرات والمكائد، بينما لا هذا الكاتب، ولا ذلك السياسي ضبط مرة واحدة متلبساً بالصلاة، اللهم إلا إذا كانت صلاة العيد في رحاب "شرم الشيخ"، وفي معية "أولي الأمر منا"، دام ظلهم الوارف .
.....
[SIZE=5]تعالوا نناقش بصراحة، قصة "خصوصيتنا" هذه، ونبدأ بالتساؤل عما إذا كانت تعني مثلاً أن الديمقراطية لا تناسبنا، كما تبجح بذلك مسؤول كبير في مصر، هو أحمد نظيف رئيس الوزراء "اللاسياسي"، الذي يذكرني بالتلاميذ الذين كانوا يحققون المرتبة الأولى بينما لا يجيدون أبسط قواعد التواصل الإنساني والذوق، فما معنى أن يعلن رئيس وزراء بلد ـ أي بلد ـ أن شعبه ليس مؤهلاً للديمقراطية ؟
هل هناك تحقير أكثر من ذلك، ثم ألا يعكس هذا الرأي كيف يفكر أهل الحكم بشعوبهم، وإلى أي حد يحتقرونها ولا يثقون بقدراتها، وكأن هؤلاء الذين يمتطون ظهور الشعوب هبطوا من كواكب أخرى، وليسو أبناء الطبقة الوسطى مثل معظمنا، ثم لماذا تصبح الديمقراطية مناسبة للهنود وشعوب زيمبابوي وجورجيا وأوكرانيا، بينما لا تناسب الشعب المصري الصديق ؟
ثمة أمر آخر يتعلق بلغز "خصوصيتنا"، وكيف يعبر عنه كهنة الاستبداد والتمديد في مصر تحديداً، وما إذا كانت هذه الخصوصية تعني بقاء الحاكم على مقعده زهاء ربع قرن، مستنداً في شرعيته إلى "الضربة الجوية"، وهل يعني ذلك أن لكل جنرال خاض حروباً هزم أو انتصر فيها، الحق في قطعة ما من "كعكة السلطة"، ليصبح بهذا المنطق معظم قيادات الإدارة المحلية من الجنرالات السابقين، ورؤساء الهيئات العامة، من هيئة النظافة حتى هيئة الكتاب من الجنرالات إياهم، لنظل بعسكرة المجتمع هذه نتجرع "ثقافة القشلاق"، و "ديمقراطية البسطار" ؟
وهل تعني خصوصيتنا أيضاً أن يبقى مسؤولون من طراز النائب الوزير كمال الشاذلي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ في موقعه أو بالأحرى مواقعه المتعددة زهاء أربعين عاماً تبدلت خلالها الجمهوريات وانهارت الأنظمة، وسقط الاتحاد السوفيتي، وأبراج أميركا ونظام صدام حسين ونظام بريتوريا العنصري، ومات الأسد والحسن والحسين، ويبقى السيد الشاذلي في موقعه كالجبل الأشمّ، لا تهزه الريح .. أي ريح ؟، حتى لو كانت ريح الخماسين أو حتى ريح السموم، لكن بالتأكيد فإن لله حكمته الخفية التي ربما ندركها ذات يوم وراء ظاهرة الشاذلي
وحالة الشاذلي هذه ليست فريدة من نوعها، فهناك في كل موقع من مفاصل الجهاز الإداري المصري برمته "شاذلية" صغار، في أوساط السياسة والإعلام والصحافة والفن والكرة، وكل نشاط في مصر، وبالتالي كان منطقياً أن يضرب التكلس وتيبس المفاصل الأداء المصري في كل مجال، فالصحافي المصري لم يعد الأبرز كما كان حاله، والموظف المصري صار عنواناً للروتين والفساد والنمطية، والمطرب المصري تراجع أمام نماذج جديدة من الغناء لم تكن موجودة على الساحة قبل سنوات قليلة، وحتى المؤسسات العريقة كالأزهر والجامعات، نالها ما لحق غيرها من التكلس والعطب والجمود، وصارت تستحق الشفقة أكثر من اللوم، أو توجيه سهام النقد، فهي ليست أكثر من زوايا في صورة أكبر طالتها سهام القبح والإهمال والفساد .
ومازلنا مع "خصوصيتنا" هذه التي نتساءل ما إن كانت تعني ألا يجتمع إثنان إلا وكانت أجهزة الأمن ثالثهما، فالمعلم والقاضي والمحافظ والوزير والفنان والإعلامي وباختصار الجميع في مصرنا المحروسة لابد أن ينالوا رضا الأجهزة السامي، حتى يجلس أو يستمر على مقعده، فلعلنا لا نذيع سراً هنا حين نقول إن تقارير الأمن أصبحت هي المعيار الحاسم لتولي المناصب، كما لا يرقى الموظف أو يدفع به إلى صفوف الإدارة العليا قبل أن تزكيه تقارير الأجهزة، وما يترتب على ذلك من ترسيخ دولة الأمن التي تحكم مؤسسات الجامعة والتعليم والإعلام وكل المهن ذات الشأن في المجتمع، بل وحتى في أوساط رجال الأعمال لا يمكن أن تمضي الأمور بسلاسة من دون رضا الأمن أو على أقل تقدير تحييده، ولعل هذا ما يفسر سبب عزوف كل رجال الأعمال عن التبرع لأحزاب المعارضة، أو مجرد الإعلان في صحفها، لأن هذا ببساطة يعني غضب الأجهزة، وما قد يترتب على ذلك من نتائج وخيمة، يبدو أيضاً أنها ليست بعيدة عن "خصوصينا" التي يشهرها كهنة التمديد والتوريث، ويبشر بها "اسطوات" تبرير بقاء الأحوال على ترديها وجمودها، خوفاً من سيف المعز، أو طمعاً في ذهبه ولعل هذا هو الأرجح .
.....
كان أستاذ الاجتماع السياسي الايطالي بادتو، أول من نبه إلى دور النخبة حين قال إن المجتمع الصحي هو الذي يتمكن دائما من تجديد النخبة بتمكين الصفوف الثانية والثالثة بالصعود إلى الصف الأول، وتسلم القيادة في المجتمع، وذلك من خلال تأهيل الصفين الثاني والثالث على هذه القيادة ليتولى أمرها في المستقبل، ومن هنا فإن لكل إنسان عمراً افتراضياً، ولكل قيادة قدرة موقوتة على العطاء، لكن يبدو أن "خصوصيتنا" تحول دون تقبل هذا، كما تأبى علينا أيضاً تفهم مسألة التداول السلمي للسلطة، كما تفعل الأمم المتحضرة وشبه المتحضرة .
وهل تعني هذه الخصوصية المزعومة أن يصبح جهاز الإعلام الرسمي ممثلاً في الإذاعة والتلفزيون ومعظم الصحف الحكومية، مؤسسات عائلية، يتوارثها الأبناء وزوجات البنات، ولو شاء القارئ زودناه بقوائم كاملة لأسر تحكم هذه المؤسسات، لدرجة لم يعد معها الأمر مجرد مؤسسات فاسدة، بل "فساداً مؤسسياً"، تحكمها أعراف مافيوزية، لا سبيل إلى اختراقها، أو رقابتها، أو تجديد الدماء فيها، بينما هناك ملايين الموهوبين في قرى مصر وأحياء مدنها الفقيرة التي لا يجرؤ أي من أبنائها على الاقتراب من هذه المؤسسات ؟
هل تعني "خصوصيتنا" المزعومة أن يجري استحداث كيان حزبي "تفصّيل" لا نظير له في أحزاب العالم، على مقاس طموح ابن الرئيس، ليكون "قلب الحزب النابض"، ومن خلاله تتحول الحكومة إلى "حكومة الحزب"، بعد أن كان "حزب الحكومة"، ولعل الفرق بين الحالتين واضح بما لا يتطلب الشرح، فما معنى أن تكون هناك أمانة ومجلس أعلى للسياسات؟، وأي نوع من السياسات، وإذا كانت هذه "السياسات" هي مهمة الحزب برمته فما معنى أن تنفرد أمانة أو لجنة أو مجلس بمسمى السياسات، وما دور بقية الأمانات والتشكيلات الحزبية الأخرى ؟
هل وهل وهل .. بوسع المرء أن يطرح تساؤلات بحجم الأكاذيب التي نجبر على تجرعها يومياً، والتحريض الذي تمارسه جمعيات صنّاع الطغاة التي تستغل أوضاع من أفقرتهم سياسات تلك الجمعيات [SIZE=6]لتصل بهم إلى حد الاحتقان، والانتحار من خلال عمليات تفجير إرهابية عبثية، لا طائل من ورائها، ولا مسوغ لها من الشرع أو العقل، اللهم إلا أن مرتكبيها محتقنون، لا يملكون "بوصلة" تحدد لهم الاتجاهات الصحيحة التي ينبغي لهم أن يتجهوا بطاقاتهم وأحلامهم وطموحاتهم إليها، بعد أن أصبح الوضع كئيباً فلا مستقبل ولا معايير واضحة ولا عادلة، أو بتعبير أدق لا معايير بالمرة، ولا يبدو أن هناك في الأفق المنظور ثمة ما يستحق أن يترقبه هؤلاء المحتقنون، ولو كان من باب الأمنيات البعيدة .
......
أحياناً، وتحت تأثير اليأس المفرط يتصور المرء أن أثمن ما خسرناه خلال عقود الاستبداد هذه هو "الإنسان"، فالحقيقة المّرة أن المصري الآن لم يعد هو المصري قبل عقود، والذي كان ينثر حوله التسامح والسلوك المتحضر والانحياز الفطري لكل ما هو إنساني، دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو المعتقد، فكانت كبرى المدن المصرية كيانات "كوزموبوليتانية" تحتضن الأوروبي والأفريقي والآسيوي، ولا تتأفف من اليهودي ولا المسيحي ولا حتى الكافر، ولا يضيق صدرها بالمخالفين في الرأي أو الثقافة، بينما الحال الآن يبدو في الاتجاه المضاد تماماً، فالحضور الهوس الديني صار نمطاً جماهيرياً على نحو غير مسبوق، كما سادت بين المصريين أنماط من السلوك والتفكير لم تكن هكذا أبداً، تبدأ بنجومية من يطلق عليهم "الدعاة الجدد"، ولا تنتهي عند تلك المساحات الشاسعة من البث والنشر عبر وسائل الإعلام الخاصة والحكومية على حد سواء، مروراً بالتنامي الذي يدعو للانزعاج في أعداد المنتقبات وذوي الجلباب الباكستاني الذي صار "أيقونة" لطراز جديد من المهووسين دينياً، والذين ينبغي ألا نقلل من خطورتهم، فهم بالفعل افرزوا أشكالاً من العنف العبثي كما رأينا في تفجيرات الأزهر وما أعقبها في القاهرة مؤخراً، وقد تفاعل في هذه الظاهرة الجديدة الهم السياسي مع الهموم الاجتماعية والاقتصادية وغيرها في بوتقة أنتجت بالفعل "جيلاً جديداً" ستظهر خطورته خلال أعوام قادمة
[SIZE=6]والمتأمل للشارع السياسي المصري الآن يرصد ببساطة أن أقوى كيانين هما حزب الفساد وحزب الهوس الديني، حزب الحكومة وحزب المسجد، حزب باعة الأرض وحزب باعة السماء، حزب وكلاء الوطنية وحزب صكوك الغفران، ومن يجرؤ على الخروج عن أي من هذين الحزبين فهو متهم في وطنيته وفي عقيدته، في شرفه وفي دينه، ويظل ملاحقاً بالاتهامات إلى حد الإرباك والارتباك ليتفرغ للدفاع عن نفسه شخصياً بدلاً من التصدي لقيم إنسانية عامة كاحترام العقل وسلامة الضمير، ومن هنا كان طبيعياً أن ينحاز التجار والشطار والعيارون الذين يطلق عليهم "رجال الأعمال" لأي من الحزبين إياهما، وأن يراهن كتبة الاستبداد وجوقة تبرير "التوريث والتمديد" إلى الحزبين معاً، ليبقى القابض على عقله وضميره الحي كالقابض على الجمر، فهو متهم تارة بالتأمرك، بينما الحكومة وأذنابها وكتبتها هم أكثر من نام في أحضان "العم سام"، وتارة أخرى متهم بالتجديف، بينما يمسي المنافقون ومفتشو الضمائر والأنبياء الكذبة الذين يفتئتون على حق أصيل من حقوق الله، هم رجال التقوى وأهل الصلاح .
ولله في خلقه شؤون

Nabil@elaph.com