{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الحقيقه الغائبه ...... الجزء الثانى
fares غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,103
الانضمام: Dec 2004
مشاركة: #6
الحقيقه الغائبه ...... الجزء الثانى
ونوجز ما توصلنا إليه من نتائج فيما يلي :

أولاً :

أن الخلافة التي نعتوها بالإسلامية هي في حقيقتها خلافة عربية قرشية ، وأنها لم تحمل من الإسلام إلا الاسم ، وأن دعوى إحيائها من جديد تبدو أكثر تناسقاً مع منهج القومية العربية والدعوة للوحدة بين أقطار العرب ، منها إلى الدعوة لدولة دينية إسلامية ، وبهذا المنطق نقلبها على أساس كونها دعوة سياسية بحتة ، إن استهدفت التوحد فعلى أساس المصلحة ، وإن توجهت للتكامل فعلى أسس حضارية عقلانية ، وإن استلهمت التاريخ فعلى أساس وطيد من ( الجغرافيا ) .

ثانياً :

أن الإسلام دين لا دولة ، وعلى المحتج علينا بالعكس ، أن يرد علينا بحجة التاريخ ، وليس أقوى من التاريخ حجة ، أو أن يعرض علينا منهجه في إقامة الدولة على أساس الإسلام ، وليس أقوى من تهافت ما قدم إلينا حتى الآن من أفكار حجة على المدعين أن الإسلام دين ودولة ، ومصحف وسيف ، ليس هذا فحسب بل أننا نعتقد أن الدولة كانت عبئاً على الإسلام ، وانتفاضاً منه وليست إضافة إليه ، ولسنا في حاجة بعد الصفحات السابقة إلى دليل .

ثالثاً :

إن الفرق بين الإنسان والحيوان ، أن الأول يتعلم من تجاربه ، ويختزنها مكوناً ما نعرفه باسم ( الثقافة ) ويبدو أن المنادين بعودة الخلافة يسيئون بنا الظن كثيراً ، حين يدعوننا إلى أن نجرب من جديد ما جربناه من قبل ، وكأن تجربة ثلاثة عشر قرناً لا تشفع ، أو كأنه يفزعهم أن تسير على قدمين ، فيطالبونا بالسير على أربع .

رابعاً :

إن الثابت لدينا من قراءتنا للتاريخ الإسلامي أننا نعيش مجتمعاً أرقى بكل المقاييس ، وعلى رأسها مقاييس الأخلاق ، وهو مجتمع أكثر تقدماً وإنسانية فيما يختص بالعلاقة بين الحاكم والرعية ، وأننا مدينون في ذلك كله للثقافة الإنسانية التي لا يرفضها جوهر الدين ، ولحقوق الإنسان التي لا تتناقض مع حقوق الإسلام .

خامساً :

إن التاريخ يكرر نفسه وكأنه لا جديد ، غير أننا لا نستوعب دروسه ، ونركز في دراستنا له على أضعف جوانبه ، وهو جانب الفكر الديني ، ونحن في دعوتنا لدراسة التاريخ والاستفادة من دروسه ، لا نكرر خطأ المتطرفين حين يدعوننا إلى منهج النسخ الكربوني وإنما ندعو إلى ترجمة حوادث التاريخ بمصطلحات الحاضر ، وإلى الاستفادة من دروسه بأسلوب العصر، ولكي نؤكد للقارئ أن التاريخ يعيد نفسه، ندعوه إلى قراءة ما ذكره ابن الأثير تحت عنوان ( ذكر فتنة الحنابلة ببغداد ) حيث قال ( الكامل في التاريخ – ابن الأثير – الجزء السادس ص24

( وفيها – يقصد سنة 323هـ في خلافة الراضي – عظم أمر الحنابلة وقويت شوكتهم وصاروا يكبسون من دور القواد والعامة ، وإن وجدوا نبيذاً أراقوه ، وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء ، واعترضوا في البيع والشراء ، ومشى الرجال مع النساء والصبيان ، فإذا رأوا ذلك سألوه عن الذي معه من هو ؟ فإن أخبرهم وإلا ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة وشهدوا عليه بالفاحشة فأرهجوا بغداد ) .

ولنا أن نسأل القارئ : ماذا لو استبدلنا بغداد بأسيوط ، والحنابلة بالجماعات الإسلامية ، وعام 323هـ بعام 1986 ، ثم قرأناه من جديد ؟ ، غير أن ذلك كله كان في خلافة الراضي ، حين اهتزت هيبة الحكم ، وعجز عن استخدام أدواته ، التي كانت نطعاً وسيفاً في عصره . بينما أدواتنا اليوم هي الدستور والقانون والديمقراطية الكاملة ، وهي أدوات لا يعيبها إلا عدم الاستخدام في أغلب الأحيان .

سادساً :

إن تنامي الجماعات الإسلامية وتيارات التطرف السياسي الديني في مصر ، يعكس تأثير التربية والتعليم والإعلام في مجتمعاتنا ، حيث التفكير دائماً خاضع للتوجيه ، والمنهج دائماً أحادي التوجه والاتجاه ، والوجه الواحد من الحقيقة هو الحقيقة كلها ، وما سبق عرضه في هذا الكتاب لا يزيد عن محاولة لعرض الحقيقة المتكاملة ، الأمر الذي يدعو إلى التفكير ، وهو أمر جد مختلف عما يدفع إليه المنهج السائد إعلامياً ، والذي لا يعرض من الحقيقة إلا الجانب المضيء ، ولا يعلن من الآراء إلا رأياً واحداً ، ولا يدفع المواطنين إلا إلى اتجاه واحد ، وهو من خلال ذلك كله يهيء الوجدان لقبول التطرف ، ويغلق الأذهان أمام منطق الحوار.

سابعاً :

إن الإسلام على مفترق طرق ، وطريق منها أن نخوض جميعاً في حمامات الدم ، نتيجة للجهل وضيق الأفق وقبل ذلك كله نتيجة لانعدام الاجتهاد المستنير، وطريق آخر أن يلتقي العصر والإسلام ، وذلك هين يسير ، وسبيله الوحيد هو الاجتهاد المستنير ، والقياس الشجاع ، والأفق المتنور ، ولست أشك في أن البديل الثاني هو الوحيد ، وهو الذي سيسود رحمة من الله بعباده ، وحفظاً منه لعقيدته ، غير أن أخشى ما أخشاه أن يطول الانتظار ، وأن يحجم الأخيار ، وأن يجبن القادرون ، وأن ينجح المزايدون في دفع العجلة إلى الوراء ، ولو إلى حين ، لأن المجتمع كله سوف يدفع ثمن ذلك ، وسوف يكون الثمن غالياً .

ثامناً :

إن ما عرضناه من تفاصيل وما ناقشناه من وقائع لم يكن هو القصد ، بل كان قصدنا أن نعرض منهجاً للتفكير ، يسمح باستخدام العقل في التحليل ، والنطق في استخلاص النتائج ، والشجاعة في عرض الحقيقة دون زيادة أو نقصان ، ولا نحسب أننا في هذا مبتدعون بل نحن متبعون لما أملاه علينا إخلاصنا للعقيدة وولاؤنا للوطن ، وانتماؤنا للمستقبل .


وماذا بعد ؟!!

ما على القارئ بأس لو انزعج ، فالانزعاج للحق مكرمة ، وأن تنزعج للحق فهذا أفضل كثيراً من أن تنبهر بالباطل ، وجزء من هذا الانزعاج مرجعه إلى ما ذكرناه في بداية الحديث ، وهو أن النفس تهوى أن تقرأ ما تحب أن يكتب لها ، وتتعشق أن تسمع ما تهوى أن يقال لها ، بصرف النظر عن موقعه من الحق أو موقفه من الحقيقة ، أما الحق فهوى أن الإسلام الدولة كان انتقاضاً من الإسلام الدين ، وعبئاً عليه ، لأن الإسلام كما شاء له الله دين وعقيدة ، وليس حكماً وسيفاً وأما الحقيقة فهي أن البشر هم البشر في كل العصور ، يستوي في ذلك عصر الراشدين أو الأمويين أو العباسيين أو عصرنا الحديث ، وأن الحديث عن جنة الأرض هراء لا قيمة له ، وغثاء لا نفع فيه ، وباطل لا جدوى منه .

ولعل القارئ قد أدرك في ثنايا الحديث ، أننا في حديث التاريخ قد توجهنا للحاضر ، واستلهمنا المستقبل ، وأننا في توجهنا لهذا واستلهامنا لذاك قد أرهقنا أنفسنا كثيراً بالتوقف أمام ما نفزع له ، وبتحليل ما نجزع منه ، ولست أدري هل يصدقني القارئ أم لا ، إذا ذكرت له أنني منعت نفسي كثيراً من الخوض في بعض الأحداث ، تجنباً لفحش في القول أو مبالغة في المجون .

ولعلي نجحت في أن أوازن بين وجهي الصورة ، التي نقلوها لنا حلماً فأنزلناه في رفق إلى أرض الواقع ، فإذا به واقع مر ، قليلاً ما يسر ، وكثيراً ما يفجع ، ولست أدري هل أصبت أم أخطأت ، وهل كان على أن أفعل ما يفعله الكثيرون ، حين يتجاهلون ما يقرب من ألف عام من حكم الأمويين والعباسيين ، لكي يتوقفوا أمام عامين لا أكثر ، هما فترة حكم عمر بن عبد العزيز ، وحين يختارون من فترة الراشدين ما يدير الرؤوس وما يدفع الشباب الغض إلى محاولة تحطيم المجتمع ، طامعاً في أن يعيد أيامهم ، ويـبنى على منوالهم ، بينما لو تأملنا فترة حكمهم الكاملة لتمهلنا كثيراً ، وتحسبنا كثيراً ، وربما حمدنا الله على ما نحن فيه ، ليس هجوماً عليهم – معاذ الله – فهم في أعلى عليين كصحابة أجلاء ، وفقهاء دين عظماء ، لكنا نتناولهم من زاوية آخرى هي زاوية السياسة ، ونقيهم بميزان آخر هو ميزان الحكم ، وهم من هذه الزاوية ، وبهذا الميزان ، بشر يجوز عليهم ما يجوز علينا من نقد ، ويتعرضون لما نتعرض لهم من أخطاء ، وحسب القارئ أن يتأمل معنا فترة حكمهم ، ويتعجب وهو يرى ثلاثين عاماً ، يتعاقب فيها أربعة خلفاء ، يموت ثلاثة منهم بحد السيف أو الخنجر ، واحد على يد غلام المجوسي وهو أمر يفجع ، وواحد على يد الرعية وهو أمر يفجع ويفزع ، وواحد على يد مسلم متطرف وهو أمر يفزع ، ويقضي الخليفة الأخير فترة حكمه كلها ساعياً إلى التمكن من الحكم سدي ، وإلى فرض ولايته على الدولة الإسلامية كلها دون جدوى ، وينهي به الأمر محصوراً في الكوفة داعياً الله أن يبدله خيراً من قومه ، وأن يبدل قومه أسوأ منه .

ثم لعلنا ننزعج ونحن نكشف أن الفترة على قصرها قد حفلت بالحروب الأهلية الكبرى ، فقد بدأت بها ، وانتهت بها ، بدأت بحروب الردة في عهد أبي بكر ، وانقضت سنواتها الخمس الأخيرة في سلسلة من الحروب الأهلية أولها حرب الجمل بين كبار الصحابة ، ثم حرب صفين بين على ومعاوية ، ثم حرب النهروان بين على والخوارج عليه ، ثم سلسلة متصلة من الحروب الصغيرة بين جيوش علي وجيوش الخوارج ، وحسبنا أيضاً أنها بدأت مقبلة على الدين من الخليفة ومن الرعية ، وانتهت مقبلة عليه من الخليفة ، مدبرة عنه من الرعية بقدر إقبالها على الدنيا ، دليلنا على ذلك ما ذكرناه من ثروات ، وما رصدناه من اقتراب حثيث من معاوية ، وابتعاد حثيث عن علي ، وإذا كان البعض في البداية قد قارن بين الطعام الشهي على مائدة معاوية ، والحق الجلي على لسان علي ، فإن النهاية كان انتصاراً لا شك فيه للطعام الشهي ، واندحاراً لا شبهة فيه للحق الجلي ، وما هكذا كان الإسلام الدين أو يكون ، لكنه هكذا كانت الدولة الإسلامية وهكذا تكون ، شأنها شأن أي دولة دينية على مدى التاريخ الإنساني كله ، لا يغرنك فيها عذب الحديث في البدء ، فالعبرة بالخواتيم ، وقد كانت الخواتيم مرة دائما ، وأمر منها أن لا نستوعب درسها ، وأن لا نستفيد من تجربتها .

وأن يدعو البعض إلى تكرارها في بلاهة يحسدون عليها ، وكأنه مطلوب منا أن نقرأ التاريخ لكي نعيد أخطاءه .

وإذا كنا نتحدث هكذا عن عهد الراشدين ، فكيف يكون الحال على يد المعاصرين ، الذين لم نعرف الإرهاب إلا على أيديهم ، ولم يعرف مجتمعنا الآمن حوادث الاغتيال السياسي إلا على يد فرسانهم المغاوبر ، ولم ترق دماء الأبرياء إلا على يد مجاهديهم الأوشاس ، وحتى في انتخابات الاتحادات الطلابية الأخيرة ، لم يفتهم أن يرفعوا شعاراً غريباً يعكس أسلوب تفكيرهم ، وهو " صوتك دانة " وكأنهم لم يميزوا بعد بين الديانة والدانة ولم يعرفوا من الإسلام إلا العنف والإدانة ، ولم يروا فيه ما رأيناه من وجوه كلها سماحة ونور ورحمة.

وربما تصور القارئ في بعض أجزاء الكتاب أنني أحرض الدولة على المتطرفين وأدفعها إلى مواجهتهم ، ولعلي أصحح له ، فالمقصود ليس مواجهة التطرف في الفكر ، وإنما المقصود هو مواجهة العنف ، ومقاومة الإرهاب ، ولعل أحداً يدلني على كيفية مقاومة العنف بالقبلات ، ومواجهة السيف بالأحضان ، واستقبال القنابل بالكلمات الدافئة ، ولعل المنكرين على ما يرونه تشدداً ، ينظرون حولهم إلى أعرق دول العالم في الممارسة الديمقراطية ، ليشاهدوا كيف يواجه العنف في أيرلندا ، وكيف تواجه إيطاليا إرهاب الألوية الحمراء ، وكيف تواجه ألمانيا الغربية البادر ما ينهوف .

وكيف لم يتوقف أحد لكي يحلل دوافعهم أو يبرر أفعالهم كما يفعل البعض هنا ، عن تصور يكون هكذا الموقف الصحيح ، طالما أن الإرهابيين أعداء لخصمه اللدود : الدولة ، بينما لو فكر قليلاً ، لأدرك أن المستهدف ليس الدولة ، بل النظام الذي نحن جميعاً جزء منه ، والأمان الذي نسعى جميعاً إلى تحقيقه وصونه ، والشريعة التي هي الموئل والملاذ ، ولو كان صبية الجهاد أو أمراءهم أهل حديث لنصحت بحوارهم ، ولو كانوا أهل رحمة لنصحت بمجادلتهم بالحسنى ، ولو كانوا أهل نكير لدعوت إلى مقارعتهم بالحجة ، لكنهم تجاوزوا النكير إلى التفكير ، وتجاوزوا القول إلى القتل ، وتجاوزوا المنطق إلى حل الدم ، وهنا لا مفر من إكمال مسيرة الديموقراطية ، حتى لا يحتجوا علينا بضيق الساحة ، ولا مفر من الرد على دعواهم بالمنطق حتى نجتذب منهم من بقي في قلبه مساحة للسماحة ، ولا مفر من إعمال نصوص القانون لردع العنف وعزل أصحابه عن حركة المجتمع ومساره ، وفرزهم بعيداً عن المعتدلين في التيار الإسلامي السياسي ، وفيهم أساتذة أجلاء وعلماء أفاضل ، ومحاورون قادرون ، وأهل علم وفقه ، ورجال سماحة وفضل ، وهم وإن اختلفوا معنا يدعون لنا بالهداية ، وندعو لهم بالمثل ، دون أن يكفرونا ودون أن يفقدوا من احترامنا ذرة ...

هم يؤمنون بالإسلام ديناً ودولة ، وهذا حقهم ، ونحن نراه ونؤمن به ديناً فحسب وهذا حقنا ، وبعضهم يؤمن بالعمل السياسي ، ومن حق هذا البعض علينا أن نسانده في دعواه ، وأن نرفع عقيرتنا بأعلى صوت مطالبين له بمنبر الرأي ، وهم في النهاية معنا في خندق واحد ، لأن موقف الإرهابيين منهم أشد ، ونذيرهم لهم أعنف ، ونكيرهم عليهم أقسى ، وحكمهم عليهم أسوأ ، ولو صدقت النوايا لوصلنا معه إلى كلمة سواء ، ولتقابلنا في منتصف الطريق ، هم بالاجتهاد المستنير ، وبرؤية العصر ومعايشته ، وبقبول متغيراته ، وبتقدير ظروفه ، وبالتأسي بعمر في اجتهاده ، وبالإيمان بالوحدة الوطنية ، وبالإنصاف لقوانيننا الحالية ، ونحن بإدراك أن الديمقراطية تسعنا وتسعهم ، وأن المستقبل لنا دون إنكار لهم أو عليهم ، وأن مصر أغلى من المزايدة عليها بالقشور لا الجوهر ، والمظاهر لا المضامين ، وأن الإسلام الصحيح هو التقدم ، وهو مصلحة المجتمع ، وهو الحاق بالحضارة ، وهو تحصيل العلم ، وأن المساحة الخصوصية في قضية الدين أوسع وأرحب ، وأن فرض الرأي على الآخرين لا يجوز ، وأن التشريع للبشر ، أما مبادئ التشريع وأصول العقيدة فهي لله ، وأن الإسلام يعني بالغايات قبل الوسائل .

وأن العصر الأول للإسلام لن يأتي إلينا ، وأننا لن نعود إليه ، فكلا الأمرين مستحيل ، وأن التفكير يسبق التكفير ، والعقل يسبق النقل ، والسماحة تسع الجميع ، وأن الحساب آت لا محالة ، في الآخرة وليس في الدنيا وأن الإسلام لا يعرف الكهنوت ، ولا يعرف رجال الدين ، ولا يعطي قدسية لأحد ، ولا يمنح عصمة لأحد ، ولا يمنع النقد عن أحد ، فلا عصمة لأحد غير الرسول ، ولا قدسية لأحد غيره ، وأنه ليس في الإسلام أزياء ، وليس له ألقاب ، وليس لأحد كائناً من كان أن يدعي أنه حامي حمى الإسلام ، فكلنا مسلمون ، وكلنا حماة الإسلام ، وكلنا أيضا حماة الوطن ، كل الوطن ، وكلنا عشاق لها ، وكلنا مناضلون من أجله ، أرضاً وسماء ، مسلمين وأقباطاً ، لسنا فاتحين وليسوا أسارى حرب ، نحن جميعاً مواطنون ، لسنا أغلبية وليسوا أقلية ، نحن جميعاً مصريون ، لسنا حكاماً وليسوا محكومين ، نحن جميعاً حاكمون محكومون ، وكلنا عشاق لهذه الأرض ، وكلنا مدافعون عنها ، وقبل ذلك كله مدافعون عن وحدة الصف وتلاحم الصفوف .

أعلم أن الحديث قد طال ، وأخشى أن يكون قد تشعبن ولعلي أوجز العرض والقصد في الرفض الكامل لخلط أوراق السياسة بالدين ، وفي التأكيد على الفصل بينهما ، حجتي في ذلك ما يلي :

أولاً : أن البينة على من ادعى ، وإذا كنا ندعو للفصل فحجتنا جلية فيما هو قائم ، أما دعاة الوصل فعليهم أن يوضحوا لنا كيف يكون ، ولا مناص عن صياغة برنامج سياسي كامل ، وهو في تقديرنا أمر عسير عليهم ، وإن كان يسيراً علينا أن ندرك الأسباب ، وقد عرضناه بالتفصيل في الكتاب .

ثانيا :

إننا نقبل في منطق الصواب والخطأ في الحوار السياسي ، لأن قضاياه خلافية ، يبدو فيها الحق نسبياً ، والباطل نسبياً أيضاً ، ونرفض أن يدار الحوار السياسي على أساس الحلال والحرام ، حيث الحق مطلق والباطل مطلق أيضاً ، وحيث تبعة الخلاف في الرأي قاسية لكونه كفراً ، وتبعة الاتفاق والمتابعة قاسية أيضاً لمجرد كونها في رأي أصحابها حلالاً ، حتى وإن خالفت المنطق ، بل حتى وإن خالفت الحلال ذاته ، ولم تكن أكثر من اجتهاد غير صائب تسانده سلطة الحاكم باسم الدين ، ويؤازره سلطان العقيدة في ساحة غير ساحتها بالقطع ، ولعل ممارسة النميري في السودان لا زالت في الأذهان ، ولعل مباركة علمائنا الأفاضل لما فعله النميري وقت أن كان في السلطة لا زالت في الوجدان ، ولعل نقدهم المرير له ونكيرهم اللاذع عليه بعد أن ترك السلطة واضح للجميع ولعلنا نتساءل دون أن نغضب أحداً ، هل هو الخداع فلا نقبل منهم قولاً ، أم هي الغفلة فلا نقبل منهم ريادة ؟

أم هو الخطأ – وكل ابن آدم خطاء فندعو لهم بالمغفرة ؟ وقريب من هذا موقفهم من الرئيس السابق في مبادرة السلام حين رفعه بعضهم إلى أعلى عليين بالقرآن والسنة ، وهبط به بعضهم إلى أسفل سافلين بالقرآن والسنة ، وركونا حيارى ، بل إن شئت الدقة أسارى، لعلامات التعجب والاستفهام ، ومالنا نذهب بعيداً وأمامنا الآن حوار دائر بين فريقين منهم ، بشأن كافراً وبعضهم يراه قديساً ، بينما نحن الرعية – الحيارى – الأسارى – نضرب كفاً بكف ونحن نتابع حواراً لا يدور بين رأي ورأي أو بين صواب وخطأ ، بل بين كفر وإيمان ، وهو ما نرفضه دون أن يؤثر هذا على ما في وجداننا من عقيدة ، وما في قلوبنا من إيمان .

ثالثا :

إن وقائع التاريخ التي سردناها في الكتاب ، تنهض دليلاً دامغاً على ضرورة الفصل ، وعلى خطورة الوصل ، وعلى سذاجة المتنادين بعودة الخلافة .

رابعاً :

إذا تجاوزنا وقائع التاريخ وانتقلنا إلى ممارسات نظم قائمة ترفع شعار الإسلام ، وتتبنى مفهوم الحكم به ، فإننا نرى أنها جميعاً حجة في صالح الفصل ، ودليل جديد على خطورة الوصل ، وكم نتمنى أن يحتج بها البعض حتى نلزمه حجته ، غير أنا نحسب أن أحداً لن يفعل ، لما نعلم ويعلم .

خامسا :

يبقى السبب الأخير والأهم ، وهو أن الفصل هو السبيل الوحيد للحفاظ على الوحدة الوطنية ، وأن الوصل هو السبيل الأكيد لهدم صرحها العتيد ، لا يغني عن ذلك التشدق بمقتطفات من التاريخ تؤكد على السماحة والتسامح في معاملة أهل الذمة ، فقد ضربنا صفحا عن أضعافها مما يؤكد العكس ، وتقشعر له الأبدان ، ونحن نؤمن بأن الإسلام قد بلغ الذروة في التسامح مع أهل الكتاب ، بل ومع الكافرين ، لكن القرآن لا يفسر نفسه بنفسه ، والإسلام لا يطبق نفسه بنفسه ، وإنما يتم ذلك من خلال المسلمين ، وما أسوأ ما فعل المسلمون بالإسلام ، ولسنا في حاجة إلى نكأ الجراح أو إثارة النعرات أو تفجير الخلافات ، يقدر ما نحن في حاجة إلى تأكيد الإيجابيات ولم الشمل وتماسك الصفوف .

يا إلهي ...

كم تردى المناخ وكم نحن في حاجة إلى عودته من جديد كما كان ، أحكي لكم ، واسمحوا لي ، عن قصة لا أتذكرها إلا ويطفر الدمع ، ويهتز الوجدان ، وهي قصة حدثت منذ سنوات قريبة ، يوم تشييع جنازة عريان سعد ، وعريان سعد قبطي مصري ، تطوع لقتل يوسف وهبة رئيس وزراء مصر ، القبطي الديانة ، والذي قبل رئاسة الوزارة في مصر حين امتنع الوطنيون ، حتى لا يكون القتل على يد مسلم فتثور الفتنة ، وقد نجا يوسف وهبة ، وسجن عريان سعد ، وعندما دق ناقوس الكنيسة لحظة تشييع جثمانه ، تصادف أن علا صوت مئذنة مجاورة بالآذان ، وهنا .. أجهش الجميع بالبكاء .. وشعر الجميع أنه هكذا يكون وداع عريان ..

لنا أن نبكي معهم بكاء الرجل العظيم ، على رمز عظيم شيعناه ، وتراث عظيم أضعناه ، وتاريخ عظيم نسيناه ..

أقسم لك يا عريان ، أن الآذان والناقوس سوف يتعانقان على هذه الأرض دائماً ، فالكل عابد الله ، عاشق للوطن ، وسوف تبقى مصر يا عريان ، شامخة كما أردت وكما نريد ، منيعة على الفرقة ، مستعصية على الفتنة ، مستحيلة الانقسام ..

ويا عقلاء مصر ...

هل نلتقي سويا على كلمة سواء ؟
05-22-2005, 05:33 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الحقيقه الغائبه ...... الجزء الثانى - بواسطة fares - 05-22-2005, 05:33 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  الملف الشامل..الاصدار الثانى..19 الف كتاب rolex 6 2,211 05-29-2010, 12:17 PM
آخر رد: rolex
  الحقيقه الغائبه ..... لشهيد الكلمه د فرج فوده fares 5 1,365 05-14-2005, 05:59 AM
آخر رد: fares

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS