ياعزيزي كلنا نساء
محيي الدين اللاذقاني
ذات محاضرة قريبة العهد في دبي فاجأت الحضور ـ وفيهم أصحاب فكر ورأي وقرار ـ بالقول: يجب الا نخجل من الاعتراف حين يأتي حديث الحقوق السياسية للمرأة العربية بأننا جميعا من النساء، فالرجل العربي ايضا محروم من ممارسة حقه السياسي سواء بسواء.
وارتفعت الهمهمة واصوات الاستهجان والاستنكار من الصالة وميزت بينها عدة جمل تطالب بسحب ذلك الحكم والاعتذار عنه. ولم أفعل طبعا فكلمة الحق لا تحتاج الى من يعتذر عنها واذا ظهر من يثبت ان الرجل العربي يتمتع بحقوقه السياسية فسوف أعتذر، لكن هل هناك من يجرؤ على ذلك الزعم العريض الفضفاض؟.
وبدأت الحكاية بدعابة فقد كانت معي على المنصة الدكتورة الاماراتية فاطمة الصايغ، وسبقتني في الحديث عن نساء الامارات ودورهن. فلما انتهت وجاء دوري للحديث عن الوعي السياسي شكرتها لانها لم تطالب بالحقوق السياسية للمرأة العربية حتى لا يخجل الرجال، ثم كرت السبحة وهمهمات المعارضة والموافقة التي انتهت بضحكات مجلجلة أقنعتني ان الرسالة وصلت. فالرجال العرب حين يفكرون جيدا وعميقا يدركون ان المرأة ليست وحدها مواطنا من الدرجة الثانية، فالرجل ايضا في ذلك الموقع لأن المجتمعات التي لا تطبق المساواة الا في الظلم تبخس حقوق الجميع وتنتهكها لا فرق في ذلك بين ذات جديلة معطرة مبخرة او صاحب شارب مقصوص مفتول .
ان الشيء الجدير بالاعتذار هو عنوان هذا المقال الذي جاء على غرار فيلم سيىء الذكر اسمه (يا عزيزي كلنا لصوص). وما أقصده بعيد كل البعد عن ذلك المعنى وأقرب ما يكون الى (يا عزيزي كلنا مظلومون ومحرومون).
وفي اليوم العالمي للمرأة، سأهتبل هذه الفرصة للتذكير بأن فصل مسارات تحرر الرجل العربي عن مسارات تحرر المرأة العربية سيضر بقضايا الاثنين تماما كما حصل سياسيا مع اسرائيل ودول المواجهة في مفاوضات السلام الشرق اوسطية التي فصل فيها المعتدي المسارات ليستفرد بكل طرف على حدة ويضعف جميع الاطراف.
لقد تعود الرجل العربي ان يظلم ان كان داخل السلطة او خارجها. فمجتمعاتنا تربينا كذكور على اننا اباطرة يحق لنا ان نفعل ما نشاء، وتربي النساء على انهن اماء خلقن للطاعة وتنفيذ اوامر الرجال بدءا من الاب والاخ وصولا الى الزوج دون نسيان الاجداد والاخوال والاعمام.
ولاحقا وحين يأتي الوعي ـ متأخرا على الدوام ـ يدرك الرجل العربي في المجتمعات التي لا مساواة فيها ولا حقوق لأحد، انه ضحية نموذجية كأمه وأخته وزوجته وبناته، وعندها فقط يؤمن وإن خسر بعض الامتيازات بايجابية توحيد المسارات.
لقد مرت النسوية الاوروبية في النفق ذاته، وظهرت فيها حركات تطرفت ضد كل ما هو ذكوري ثم تهمشت جميعها واختفت، وبقيت الحركات والجمعيات والتنظيمات التي ادركت أهمية خوض معركة التحرر مع الرجل كتفا الى كتف، وقلبا يعطف على قلب، وعقلا يسنده عقل، وضميرا يلتقي على ادانة الظلم مع ضمير.
ان المعركة الاساسية في مجتمعات الظلم وعدم المساواة، معركة تحرر الانسان مهما كان جنسه مما يقيد حريته وكرامته وحقوقه وطاقاته الخلاقة وفي هذه يا عزيزي لا فرق ان كنا كلنا نساء وكن كلهن رجالا .