{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
مـات آخر دونكيشوت على الساحة الفلسطينية !
فرناس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 512
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #13
مـات آخر دونكيشوت على الساحة الفلسطينية !
خالد الحروب الحياة 2004/03/23

بكل المعايير، إنسانياً، أخلاقياً، سياسياً، إستراتيجياً، أو أمنياً، تُعتبر جريمة الإغتيال الشاروني للشيخ أحمد ياسين جنونية بإمتياز. منطق الإغتيال بشع، بالتعريف، لكن قد يفهم المرء لجوء خصم ما إلى هذه الممارسة الغادرة طمعاً في تحقيق هدف ما, قد يتحقق أو لا يتحقق. لكن أن تُضاف، إلى بشاعة الممارسة ذاتها، صفاقة إستراتيجية فاضحة تتمثل في وضوح هدف معقول وراء الإغتيال فهذا ما يفيض عن حدود تعقل الفعل وإستكناه مراميه. من ناحية أمنية إسرائيلية، لا يُعتبر الشيخ ياسين هدفاً إستراتيجياً صعب المنال. بل هو هدف سهل يمكن الوصول إليه في كل وقت: معروفة يومياته، وبرنامج تحركاته، وأوقات صلواته. لذلك فليس إنجازاً كــبيراً الظفر به، بل على العكس فيه خسة وإنحطاط عسكريان. صحيح أن الشيخ هو الرقم واحد في حركة حـــماس، لكنه لم يكن يوماً منظم عملياتها العسكرية اليومية. هذا ما تعرفه إسرائيل قبل غيرها، وإن كان بزخمه وموقعه القيادي قريباً جداً من الدائرة الضيقة التي بيدها إعطاء الضوء الأخضر لإستمرار تلك العمليات، أو الأحمر لتهدئتها.كان على الدوام العقل المتأني الضابط لأية عضلات قد تنفلت بلا هوادة. وكان برؤيـــته الثاقبة وواقعيته الملتزمة يدرك أن عمل حماس العسكري ليس بذاته هدفاً لا سقف له بل ممارسة عسكرية وسياســـية تريد تحـــقيق هدف ما. ومن هنا كان لا يمحضها قداسة تتجاوز حــــدودها. ومن هنا أيضاً فقد كان مهندس فكرة الهدنة، منذ أواسط تسعينات القرن الماضي، ولم يكن يعــــتبر قضية إيقاف العمل العسكري وإخضاعه للإستراتيـــجية العامة والظروف والمعطيات أمراً خارقاً للمقدس.
لا أحد في حركة حماس كان أو ما زال يملك من المكانة والشرعية الدينية والسياسية والنضالية ما تؤهله لإتخاذ موقف كبير تجاه العمل العسكري كما كان الشيخ أحمد ياسين. وكانت شرعيته الواسعة، ونقاء تاريخه الشخصي والمسلكي، والمسافة الكبيرة بينه وبين أي من أقرانه نفياً لتنافسات الأقران وتأكيداً لحرصه الفائق على الوحدة الوطنية. كان ذلك كله يضعف منطق اي نقد يمكن أن يوجه إليه من داخل حماس. وكذا حال أي نقد كان قد يأتيه من خارجها. وبشكل ما نجح في أن يكون قليل الخصومات ولو لم يكن عديمها.
أهّله ذلك لأن يكون العنوان الأساسي الذي تتوجه إليه المبادرات الرامية الى تخفيف العمليات أو إيقاف تلك التي تنفذ داخل الخط الأخضر، أو للتصالح مع السلطة، أو لإتخاذ أي توجه من مستوى كبير. وكان الظفر بقرار منه أو كلمة بهذا الشأن أو ذاك يعني أن حماس ستلتزم بما أتفق عليه. هذا ما تعرفه حق المعرفة قيادات السلطة الفلسطينية والقيادات المصرية التي كانت تجتمع به للوصول إلى «إتفاق هدنة» هنا أو هناك. وهو ما يعرفه خافيير سولانا والإتحاد الأوروبي، وما يعرفه المندوبون الأميركيون المقيمون في الداخل لمراقبة الوضع. وقبل هؤلاء جميعاً، هذا ما كانت ولا تزال تعرفه إسرائيل حق المعرفة. وهي تعرف أن إحتمالات ضبط العمل العسكري، أو إيقافه ظرفياً، كانت بيد الشيخ ياسين، ليس حصرياً، لكن بشكل مجمل ومعنوي. لهذا فأن تقتله، فإن هذا يعني أنها تستدعي تلك العمليات بلا هوادة.


إذا كان هناك إمتعاض أو تململ داخل حماس، سواء دوائرها السياسية، أو في نطاق كوادرها العسكرية، إزاء توجه سياسي ما، فإن على المرء أن يتوقع أن يحبس الشيخ ياسين ذلك التململ في حده الأدنى. إن كان التوجه السياسي المعني قد حظي بـ«الشرعية الياسينية». وإذا كانت حماس، وهي الحركة الواسعة والكبيرة، قد حافظت على نفسها من أي إنشقاق أو تمزق، بشكل يثير الدهشة أقلّه بمعايير الساحة الفلسطينية، ورغم تناوب تيارات السياسة والضغط عليها، والشد والجذب الذي تابعه الإعلام في أكثر من مرحلة، فإن للشيخ أحمد ياسين الفضل في المحافظة على روح واحدة ومرنة للحركة، تتسع لإجتهادات متباينة. على أن أهمية بقاء حماس كحركة موحدة كانت تتجاوز الضرورة، أو الإفتخار الحزبي، بل كانت لها علاقة مباشرة بالمشروع الوطني برمته، حماس الموحدة، وبحكمة حكيمها الراحل، كانت هي صمام الأمان الذي ضبط بقوة وصرامة تيارات الإنفلات نحو حرب أهلية فلسطينية طاحنة كانت قد أقتربت كثيراً من نقطة الإندلاع.
في النصف الأول من عام 1994 نزلت الأفواج الأولى من الشرطة الفلسطينية المتكونة حديثاً من رحم أوسلو المرفوض حماسياً بشدة بالغة. كانت حماس في ذلك الوقت في أوج قوتها، ولم تكن ثمة سلطة تنافسها في القطاع. كان بعض الآراء الحماسية الغاضبة قد أقترح أن يتم الهجوم على تلك الأفواج وعدم منحها موطئ قدم، وإستغلال ميزان القوى المائل لصالح حماس، وميزان القوى الشعبي المائل ضد أوسلو - وبالتالي إفشال المشروع من أوله.
لكن الشيخ أحمد ياسين كان قد أسس لتوجه عظيم سيظل يذكره له التاريخ الفلسطيني، وقد ضبط به مسيرة حماس إزاء منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية الأخرى. قام هذا التوجه على مقولة أصبحت شبه مقدسة هي أن الحرب الأهلية «خط أحمر» عند حماس. كان مجرد الإعلان العام عن هذا الخط الأحمر كافياً لمنافسي حماس الذين استثمروه حتى النهاية.
لم تكن سياسة تفادي الحرب الأهلية ظرفية، أو مرحلة عابرة، بل إمتدت منذ قيام السلطة الفلسطينية، وشملت كل مراحل المد والجزر بين حماس والسلطة. وظلت حتى اللحظة الأخيرة قبل إستشهاده. فقبل اقل من أسبوع من العملية الشارونية الجنونية قال لي أحد قيادات السلطة الفلسطينية أن هناك حواراً شبه يومي مع الشيخ أحمد ياسين حول تفادي أي صراع بين حماس والسلطة في حال نفذت إسرائيل إنسحاباً أحادياً ومفاجئاً من قطاع غزة. كان القيادي الفلسطيني على ثقة كبيرة بأن حماس، بشيخها أحمد ياسين، تمتلك من العقلانية والحكمة والبراغماتية ما يكفي ويضمن عدم التورط في صراع مسلح أو أي شكل من أشكال الحرب الأهلية.

من جهتها، كانت الوفود الغربية والعربية التي تروح وتجيء إلى قطاع غزة تعرف العنوان الرئيسي فيها: أحمد ياسين. وإسرائيل نفسها كانت تعرف هذا العنوان اذا كانت تأمل بتحقيق أي أمن لمواطنيها عن طريق الوقف الوقتي أو الكلي للعمليات العسكرية. واهل القطاع وسكانه وشرائح مجتمعه المتعددة, فقيرها وغنيها كانت تعرف العنوان نفسه فتذهب إليه إن تنازعت في ما بينها، أو أرادت حلاً لمــشكلاتها. كان أحمد ياسين مرجـــعية من طراز قلّ نظــــيره في عالم الإسلام السني: جمعت الأهلية الدينية والقيادة السياسية والشرعية النضالية والولاء الشعبي الإختياري. كان السلطة الأخلاقية والمعنوية والقضائية الشعبية في قطاع واقــع تحت الإحتلال. ومن هنا ضاق به الإحتلال كما ضاق به قادمون جدد أرادوا نزع تلك السلطات ورسملتها.

وفي زياراته للدول العربية عقب الإفراج عنه في صفقة التبادل الشهيرة مع إسرائيل عن طريق ضغط من الملك حسين، أضاف إلى نفوذه السياسي الفلسطيني نفوذاً آخر على مستوى عربي وإسلامي. وزار رؤساء وقادة عرباً عديدين، وترك عندهم جميعاً إنطباعاً أساسياً هو أنه بوجود هذا الحكيم الفلسطيني زعيماً لأكبر تيار إسلامي فلسطيني، فإن الجبهة الداخلية الفلسطينية بخير، أو على الأقل لن تتورط في أسوأ السيناريوات. وعندما عاد إلى القطاع، توجه إلى منزله البسيط بين الناس العاديين، من دون إبهة، فظل الناس يرونه بينهم، يشعر بنبضهم ومعاناتهم من بيته ذاك. كانت علاقته مع السلطة الفلسطينية تمر بمراحل متغيرة، لكن صفته الاساسية بقيت ملازمة له حتى لحظة إستشهاده: صمام الأمان الفلسطيني.

هل تنفلت قوى التنافس والتنابذ الفلسطيني، بإسلامييها ووطنييها، ضد بعضها بعضاً بعد غياب أحمد ياسين؟ سؤال مفتوح وليس من السهل الإجابة عنه. فحماس تواجه بعده تحدياً كبيراً على مستوى قيادي يتمثل في تشكيل قيادة جماعية تحاول سد الفراغ الذي أحدثه غياب كاريزما الشيخ ياسين وقياداته المبنية على شرعيات مركبة. هذه القيادة مهمتها الأولى هي السيطرة على الجناح العسكري للحركة، الذي قد يتفلت أو يتململ في خضم أي خضات على مستوى القيادات السياسية. فبعد الآن ليست هناك هيبة الشيخ ياسين التي تلجم أي تململ أو تفكير بالإنشاق. أخطر ما يواجه الحركات النضالية و التحررية هي العلاقة بين قياداتها السياسية وقياداتها العسكرية، وإستمرارية خضوع الثانية للأولى.

ثاني تحديات حماس يتمثل في العلاقة مع السلطة والإبقاء على الخط الأحمر الذي صاغه الشيخ ياسين: خط الحرب الأهلية. تتفاقم أهمية هذا الخط مع مخطط شارون غير الواضح إزاء الإنسحاب من غزة. ومن حقنا أن نتشكك في أن في قلب هذا المخطط رؤية تراهن على قيام صراع فلسطيني - فلسطيني بين السلطة وحماس يكون دليلاً يحمله شارون وإسرائيل الى العالم بعدم صلاحية الفلسطينيين لإدارة أنفسهم. وبالتالي عدم أهليتهم لتسلم الضفة الغربية، وهو المطمع الشاروني الأهم. حماس ستواجه خيارات صعبة في التمسك بخيط دقيق يفصل بين مطامحها المشروعة كحركة سياسية بأن تتحصل على نفوذ وسيطرة سياسيتين توزيان حجمها في الشارع وبين أن تقودها تلك المطامح إلى صراع رأسي مع السلطة الفلسطينية يكون الدم الفلسطيني ثمنه الباهظ.

لكن أسوأ السيناريوات يظل في تفلت الجناح العسكري لحماس، أو إنشقاق الحركة. ففي وضع كهذا سيخسر الجميع، ويسير الوضع الفلسطيني إلى حالة من حالات «الجزأرة» حيث تتولد مجموعات عسكرية ضاربة، تخطط لعــمـلياتها العسكرية وتـــنفذها من دون برنامج سياسي عام. في الوضع الحالي، أي حماس المتماسكة، هناك قيادة سياسية تسيطر على العمل العسكري. وسواء أتفق المرء أو أختلف مع عمليات حماس، فإن المهم في هذا الوضع هو وجود آلية سيطرة وضبط، وقيادة يتم الإنصياع لها. مــعنى هذا أن القـــيادة السياسية عندها أهلية وكــفاءة وقدرة على تعديل المسار وتحريكه وفق برنامج سياسي (خلافي أو إتفاقي). لكن في أي وضعية يكون جوهرها إنفلات الجناح العسكري من تحت سيطرة الجناح السياسي، فإن ذلك يعني غياب العنوان المـــركزي للتوجيه. عندها لن تكون حماس الخاسرة وحدها، بل الجميع معها. فالسلطة ستخسر إمكان التوجه نحو عنوان محدد وواضح تتفق معه، والأطراف الأقلـــيمية ستواجه نفس الإضطراب، وإسرائيل ســــتواجه المزيد من العمليات من مجموعات لن تستطيع أن تنسبها إلى حركة أو جسم سياسي واضح. لكن حتى نصل إلى تلك المرحلة، على إسرائيل أن تمر وتتحمل عواصف العمليات الثأرية القادمة التي سبــــبتها لنفسها بهـــذه الجريمة الغـــــبية.

٭ كاتب وباحث فلسطيني - كامبردج

03-23-2004, 06:04 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
مـات آخر دونكيشوت على الساحة الفلسطينية ! - بواسطة فرناس - 03-23-2004, 06:04 PM

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 4 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS