مروان حبش إلى معتقلي فجر 24 أيار
الكاتب: مروان حبش المصدر: شام برس
إلى معتقلي فجر 24 أيار
إن ما يلفت الانتباه هو ما تناقلته الصحف عن أسباب اعتقال مجلس إدارة منتدى جمال الأتاسي "الترويج لأفكار الإخوان المسلمين". وأنا لا أعرف كثيراً عن بعض المعتقلين، ولكن من أعرفه منهم، أعرف بأنهم ينتمون إلى الفكر العلماني وينشطون فكرياً وميدانياً ضد السلفية، أما الذي أعرفه جيداً فهو المعتقل حسين العودات.



لقد كان أول لقاء لنا في أيلول 1953 حيث قبلنا كطلاب داخليين في دار المعلمين الابتدائية (مبنى القيادة القطرية حالياً)، وحينذاك انتسبت إلى حزب البعث المحظور، وكنا معاً في قيادة التنظيم الحزبي في الدار، كنا نتجاوز الثمانين طالباً من أصل طلاب الدار البالغ عددهم 300 طالباً، ويومها كان في سورية داران للمعلمين فقط واحدة في دمشق والأخرى في حلب ـ ونشطنا مع بقية البعثيين ضد حكم الشيشكلي، وحدث أول صدام بين قوات الشرطة والطلبة في الدار، لسبب مطلبي، وصدر أمر بإغلاقها لأجل غير مسمى.

عدنا إلى الدراسة بعد عشرين يوماً، وكان النضال ضد العهد قد بدأ يزداد، وكثيراً ما كنت أنا وحسين نذهب إلى جامعة دمشق لأخذ التعليمات من قيادة فرع حزب الجامعة ، وكانت المظاهرات شبه يومية وكنا المسؤولين عن إخراج مدرسة الصناعة (الوحيدة في دمشق وبني مكانها حاليا قيادة القوى الجوية)، ونعرج بعدها على ثانوية جودت الهاشمي، ويتشكل الحشد الكبير من الطلبة ونلتقي بطلاب الجامعة وبالطلاب الآخرين الوافدين من بقية الثانويات، وفي مقابلنا قوات الشرطة التي لم يكن بمقدورها المواجهة، مما اضطرهم إلى إنزال قوات الجيش في شهري كانون الثاني وشباط.

إن تلك الأيام ما زالت حية في الذاكرة وتزداد حيويتها كلما مررت من أمام التكية السليمانية، وأتذكر كيف كنا ـ وحسين ـ في المقدمة نخلع بلاط الأرصفة ونكسره لنقذف به قوات الشرطة والجيش، لنبعد هراواتهم عن أجسادنا، أو لنضطرهم إلى قذف القنابل الدخانية عن بعد ونخفف من آثارها علينا، وأتذكر، أيضاً، يومي 24 و 25 شباط 1954 في شارع النصر، إذ جاءت التوجيهات الحزبية لمحاصرة مبنى الإذاعة وإفشال خطة حسين حدة وعبد الحق شحادة اللذان كانا قد أذاعا تراجع أديب الشيشكلي عن الاستقالة، ويذكر حسين كما يذكر ذلك البحر من الطلبة "من محطة الحجاز إلى مدخل سوق الحميدية " زخات الرصاص بين أقدامنا، وكيف شكلنا بأجسادنا ذلك الجدار البشري لمنع مصفحات حسين حدة من الوصول إلى مبنى الإذاعة.

لن أطيل حديث الذكريات عن مقارعة عهد الشيشكلي، ولكن أجد لزاماً علي أن أختمه باقتحامنا "الطلبة وكنا نميز حسينا، لأنه أطولنا" مبنى المجلس النيابي لإخراج النواب ورئيس المجلس النيابي مأمون الكزبري الذي أعلن نفسه رئيساً للجمهورية بعد استقالة الشيشكلي.

كان حسين العودات في طليعة المتظاهرين، ككل رفاقه البعثيين وبقية الوطنيين ضد كل المخططات الأجنبية التي هدفت إلى تكبيل سورية بالأحلاف الأجنبية. كما كان علمانياً وفي طليعة الناشطين ضد إقحام الدين في السياسة، وبفصل الدين عن الدولة.

إن جيلنا "أو ما يحلو للبعض أن يطلق عليه الجيل الثالث للبعث" قد تحمل العبء الأكبر في نشر الوعي القومي والتنظيم البعثي، وتحمل بكل جدية مسؤولياته وتعرض للاضطهاد والفصل من المدارس ومن الوظائف، إن كان أيام الشيشكلي أو الوحدة أو الانفصال، كما أن جيل حسين العودات "مدنيين وعسكريين" قد تحمل مسؤولية تثبيت الحكم بعد 8 آذار.

لقد طور حسين العودات تفكيره العلماني واستفاد من اطلاعه على الفكر الماركسي، كما اطلع على الكثير من المدارس الفكرية، ويعد من بين المثقفين الجيدين في سورية، كما بقي ملتزماً بالفكر القومي، وكثيراً ما كنا نلتقي ونتحاور حول ضرورة إحياء التيار القومي، وهو التيار المغيب عن الساحة السياسة السورية، كما كان شديد الحماس لتحديث الفكر القومي بالعلمانية، والنظام العربي بالديمقراطية كي يصبح قادراً على الوقوف أمام التيارين الإسلامي والليبرالي اللذين يطغيان على الشارع العربي.

لقد كان حسين العودات، كأغلبية قدامى البعثيين وغير البعثيين يرى بأن الظروف لم تعد كما كانت قبل سنوات، وبأن الحكم يجب أن يقوم بمراجعة شاملة يستوعب من خلالها كل المستجدات، وفي مقدمتها قبول الرأي الآخر والحق في الاختلاف كضرورة للتقدم، وما كان حسين يوماً ولن يكون أبداً مع منهج الإخوان المسلمين، أو مروجاً لأفكارهم، وأحسب أن بقية المعتقلين، وأعرف البعض منهم وهم من العلمانيين "وينافسون فكر ومنهج الإخوان بالفكر والمنهج القومي والعلماني". وقدامى البعثيين ومعهم كل التقدميين والإسلاميين المتنورين ما زالوا يتذكرون المعركة الانتخابية التي جرت في مدينة دمشق عام 1956 وتنافس فيها البعثي رياض المالكي ضد مرشد الإخوان المسلمين مصطفى السباعي، والفوز الساحق الذي حققه المالكي، وأظن أن حسين العودات كان من بين البعثيين الذين عبأتهم قيادة الحزب للدعاية للمرشح البعثي.

يمكن كتابة الكثير عن نضال حسين العودات، ولكنني سأكتفي بما ذكرت ليكون كشهادة من رفيق لحسين أمام من يعتقلونه حالياً، وقد يكونون من الشباب الذين لم يطلعوا على ماضيه، أو على مواقفه الحالية.

وأخيراً يأمل رفاق حسين أن لا تطول محنته ومحنة بقية الذين اعتقلوا معه.



مروان حبش