أوراق عن سورية: خطى الانتقال

تابعت التكهنات والتحليلات والتوقعات حول مؤتمر القيادة القطرية المتوقع اوائل حزيران، من الصحافة واذاعة دمشق الرسمية. وكانت الاذاعة تشجع على المناقشة «بشجاعة وصراحة». ولكن الشجاعة والصراحة لا تحلان على النقاش هبوطاً. انهما ممارسة طويلة وتقليد يوحي بالطمأنينة. ومع ذلك كان واضحاً ان سورية مقبلة على تغيير ما. فنقيب المحامين الاستاذ احمد عيدو تحدث عن «الفساد الذي بلغ حداً لا يطاق». وتوقع ان يعلن الرئيس الاسد «العفو العام الذي ينتظره الجميع». وقال ان هذه اصلاحات تريدها سورية وليست الاصلاحات الاميركية المطلوبة. والحقيقة انه ليس مهماً كثيراً او قليلاً من يضع الاصلاح في موقعه. وبتأثير من. فالثورة الفرنسية اثرت في استقلال اميركا وفي الثورة الروسية. وقبل ان تطالبنا اميركا بالاصلاح خرج عبدالرحمن الكواكبي في سورية منذ اكثر من قرن، وطالب رفاعة الطهطاوي وقاسم امين وطه حسين وعبد العزيز حسين بحقوق المرأة ورفع الاستبداد والزامية التعليم ورفع مستوى المناهج وحماية الجامعات والقضاء من السطوة والفساد. وقد تحدث النقيب عيدو عن حال القضاء في سورية بأسى.

لا تحتمل هذه السلسلة المزيد من الحلقات، ولا بد من الانتقال من العرض الى الاستخلاص. واحب ان اقول ان سورية ليست في حاجة الى اصلاح بل الى تغيير. وخير ان يأتي العفو الرئاسي متأخراً من الا يأتي ابداً. لكنه لا يكفي. يجب ان يشعر السوري بأن هذا العفو ترافقه الحرية الدائمة، وانه بداية، لا مجرد مدخل الى مناخ وطني ائتلافي جديد، عنوانه المساواة في الفرص والمساواة امام القانون والغاء السجون السياسية الا في الحالات المتفق عليها عالمياً ضمن اطار حقوق الانسان الكاملة.

ففي نهاية المطاف هذه سورية. ولم يعد من المقبول ان تظل معزولة الى هذه الدرجة عن مداها الحيوي في العالم العربي والعالم الاوسع وخصوصاً في حوض المتوسط، حيث تشكل منارة تاريخية وفناء جغرافيا، جعله الرومان ذات مرحلة اسماً لمنطقة بكاملها. فمتى كانت الثوابت الوطنية او القومية تحول دون النمو وملاحقة العصر او مسابقته، والى متى يمكن لدولة مثل سورية، غنية ذلك الغنى الشديد بالطاقات البشرية والثروات الطبيعية، لا تفيد اطلاقاً من امكانات التبادل التجاري مع الآخرين ومن الفرص الهائلة في الاستثمار والشراكة الاقتصادية؟ والى متى تكون لدولة صغيرة مثل البحرين بورصة فيما لا تزال سورية تتردد في فتح البنوك وسن القوانين وضم البلد الى الاسواق العربية، صغيرة او كبيرة؟

التغيير ليس قوانين ولا مراسيم. انه شعور عام. وهو يتحقق عندما يشعر المواطن ان الدولة سلّمت امره الى رقيبه الأهم والأكثر انضباطاً وفعالية: ضميره وخلقه ومثله! وعندما يشعر المواطن ان الأمن ضرورة مقدسة، ولكن ليس على حساب المقدسات الاخرى.