في ما خص المحنة والخلاص السوريين
حازم صاغيّة الحياة 2005/05/28

خرجت من دمشق، في الآونة الأخيرة، آراء متضاربة في شأن قضايا أساسية. فقيل إن مؤتمر القيادة القطرية لحزب البعث سيحل القيادة القطرية، وقيل انه سيعززها.

وقد ذُكر ان سورية أوقفت تعاونها الأمني والاستخباري مع الولايات المتحدة، ثم ذُكر أن الأخيرة هي التي اوقفت التعاون المذكور. كذلك جاءت الأخبار والتكهنات في صدد النهج الاقتصادي الذي ستعتمده السلطة ينطح واحدها الآخر.

وهو تضارب مقلق في بلد مركزي السياسة والاقتصاد والإعلام، [SIZE=5]لا سيما وأن حدثاً زلزالياً، كالانسحاب من لبنان، لم يُثر نقاشاً أو مراجعة رسميين، ولا أدى الى مساءلة مسؤول أو محاسبة معنيّ. وما يرفع درجة القلق ان واشنطن والحكومة العراقية تواليان اتهام دمشق، بطرق بعضها وديع وبعضها حاد ونزق، بالتساهل مع الإرهاب في العراق، فيما تتلاحق الاتهامات لسورية بإبقاء مخابراتها في لبنان.

بيد ان شيئاً واحداً لم يمسسه التضارب هو: القمع. فما تعرض له «منتدى جمال الأتاسي» يؤكد ان الحكام البعثيين لا يملكون علاجاً لمآزقهم إلا ما استخدموه توطيداً لسلطانهم. وهذا الاستحضار للفزّاعات القديمة كانت له تتمات رأينا إحداها في الاجتماع الأخير لـ«الفصائل» الفلسطينية في دمشق، ورأينا أخرى في التصعيد والتهديد اللذين انطوى عليهما خطاب حسن نصرالله، الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني.

وحيال الجديّ والمصيري يُستحسن الاقلاع عن نفخ الصدر بالهواء. فـ«استراتيجية» كهذه تفضي، كما يقول مثل صيني، الى تسرب الهواء الى البطن والمعدة. والنتيجة إذّاك تكون معلومة سمعاً وشمّاً.

ذاك ان البيئة التي استهدفها ضرب «منتدى جمال الأتاسي» ليست معادية، بحال من الأحوال، للشعارات التي يرفعها النظام، أو للسياسات الاقليمية والخارجية التي يتبعها. وهو ما يدل على ان التآكل وصل الى محطة متقدمة، فيما أسفر «نهج» التكتيل والتجميع حول النظام، بعد الانسحاب من لبنان، الى فشل خالص. فلا أفاد العزف على وتر المؤامرة التي يمثلها القرار 1559، ولا أفاد العزف الموازي على الوتر الوطني الشوفيني رداً على الإشارات الوطنية الشوفينية اللبنانية. فأغلب الظن، تالياً، ان استعراض «أوراق القوة الاقليمية»، بانتفاخ صدر امبراطوري، لن يفيد كذلك.

[SIZE=5]وإذ تنحدر الأمور على النحو هذا، يُخشى من المضي في تجويف سورية وتسليمها لقمة سائغة لمشروع اميركي طامع، أو لتنازع أهلي لا يجد ما يوقفه أو يلجمه. وأمام احتمالات سوداء كهذه، يعمل النظام على تغذيتها من الموقع المقابل، يُستحسن استدعاء بعض الغيرة على الشعب والوطن السوريين بديلاً من التترّس وراء الاحتكار السلطوي.

والحال ان ثمة خوفين يتسابقان في الأداء وإن لم يكن في النتائج: أحدهما تطور عاصف، موحى به أميركياً أو غير موحى، يترك سورية من غير سلطة، [SIZE=6]والثاني إمعان السلطة القائمة في نهج قد يؤجل الانفجار إلا انه يفاقمه لدى حدوثه. وليس في الوسع، قطعاً لدابر الاثنين، إلا التفكير في تفكيك تدريجي لسلطة البعث، تفكيكٍ يقي المجتمع شر الانفجار كائناً ما كان السبيل الذي سيسلكه. وقد أبدى المعارضون السوريون ما يكفي من علامات تشي بعزوفهم عن الحلول الفورية والقطعية، وبابتعادهم عن الثأرية والانقلابية. فهل تُبدي السلطة علامات مقابلة تنم عن قدر من تغليب الصالح العام؟

التجارب السورية والعربية، لا تحمل، للأسف، على التفاؤل.