لكل رقعة جغرافية ظروفها، ولكل حالة ظلم ظرفيتها، ولكل واقع معطياته...
لا المحتل ولا ظروف المحتل ولا نوايا المحتل ولا خطابه ولا إجراءاته على الأرض تلتقي هنا أو هناك ففيم هذا الخلط؟

فلسطين احتلت قبل أن تكون دولة مستقلة، والعراق اختطف من حظيرة الأمم المتحدة دولة غير منقوصة الشرعية، ولا يجري التفاوض على حق كل شبر فيها بالاستقلال بعكس فلسطين التي تعرضت لمؤامرة لا يعلم إلا الله كيف الخروج منها في العقود القابلة.

فلسطين كانت عرضة لنضال طويل الأجل منذ ثورة الـ36 بل قبلها، بينما يستكثر البعض على العراق أن يحافظ على مقاومته بعد احتلاله بعامين اثين بل منذ اليوم الأول للاحتلال!!

فلسطين احتلت لأهداف عقائدية صرفة وكانت العوامل الاستعمارية الأخرى ثانوية، بينما كان البعد الديني في احتلال العراق ثانويا والعوامل الأخرى لها الأولوية!

فلسطين تعترف حتى اليوم بالحالة المقاومة ولم تتخل عنها مع كل ما شجر بين الفصائل من جدل، ولا تزال الحركات الوطنية تتسمى بحركات المقاومة، وتحتفظ بأجنحة عسكرية، بينما يخلط الحابل بالنابل في العراق ولا يعترف بأي حالة مقاومة إلا تلك الحالة الشيطانية الخرساء التي تتحلى بالسكوت عن الحق في ما تسميه بضبط الأعصاب والمقاومة السلمية! في حين أن الجعفري من بعد العلاوي يتوسلون للمحتل ألا يرحل عن أرضهم حتى يضبط لهم أمنهم الذي أرادوا انتزاعه ولو على أنقاض العراق وأشلاء أبنائه! على أن بعض من يتشدقون بالمقاومة السلمية كجماعة الجلبي والربيعي لا يعترفون بحالة الاحتلال أصلا!:lol:

هل يعترف العراق بحركة مقاومة ككتائب الأقصى أو القسام؟
من لم يعرف حكمة فتح فليعرفها اليوم حين لم تستجر ولا غيرها من الفصائل لفتنة داخلية كما تفعل منظمة بدر متلبسة بزي الحرس الوطني وصلاحياته!


ومع هذا فبودي أن أسأل إخواننا الشيعة انفسهم: ألستم تقولون أن مقاومة حزب الله هي التي دحرت الصهاينة وأخرجت الاحتلال من جنوب لبنان؟
فعلام تحرمون المقاومة في العراق من هذا الحق؟
ولماذا علينا أن نقبل بإبادة دولة وجتمع كما يجري محملين ذلك للمقاومة لا لأولئك الذين فككوا بنية الدولة وسرقوا مقدراتها وأغرقوها بحرب طائفية لا يعلم إلا الله مداها!

قبل أن نتحدث عن الشرعية المصطنعة أليس من حقنا أن نسأل عن الشرعية التي لم تنسلخ بأي قرار دولي إلا قرار الاحتلال؟
أين جيش العراق وأين شرطته الأصلية؟ ومن المسؤول عن فقدان الأمن في ذلك البلد، وتسليم الصلاحيات الأمنية لعصابات طائفية تفتقد الدربة والخبرة الكافية لتغطية مهام السلطة؟

لو كانوا حريصون على استقرار البلد لما لجأوا إلى أسلوب صدام الذي ظاهروا الدنيا على محاربته والتشنيع عليه، فقد فرض صدام يوما حكومة صنعها على عينه وسلطها على شعب الكويت الشقيق، وسلمها مهام الأمن والجيش كما فعل الأمريكان بالعراق تماما، وتشاور مع الكويتيين طويلا في التأسيس لهذا الواقع الجديد فرفض أكثرهم ولا يزال البعض يحاكم بتهمة التعامل معه!
حسنا لم كانت حلالا لبوش حرام على صدام؟!
ولماذا قبلنا جميعا بالحالة الكويتية المقاومة للاحتلال العراقي، بينما يراد منا أن نقف صفا ضد الحالة العراقية المشابهة!

أما الحديث عن مقاومة السوريين في الجولان أو مقاومة العرب جميعا في فلسطين فهو كلام عريض يراد منه التضليل لا أكثر لأننا نعلم جميعا أن للمقاومة منافذها، وأن هنالك حسابات واقعية تحول دون فتح بعض الجبهات لبعض حين ، غير أنه ليس الرد على مثل هذه العوائق بالامتناع عن المقاومة في الجبهات المتاحة،
هذا من جهة،

ومن جهة أخرى فإننا ما طالبنا ولن نطالب غير أهل العراق بالدفاع عن عراقهم وإن كنا نتمنى من جميع إخوانهم في الخارج أن يكونوا داعما ماديا ومعنويا لهم بما استطاعوا،
وتماما كما أن الفسلطينيين الأشاوس يناوؤون عدوهم على أرضهم، فإن من حق المقاومة العراقية أن نعترف بحقها في الصمود ونضال العدو،

وإن تكن اعتبارات سياسية تكبل قادتنا أن يقفوا مع قضية فلسطين أو قضية العراق الموقف اللائق، فلا أقل من أن تحافظ النخب والجماهير العربية والمسلمة على مواقفها المبدئية بعيدا عن الضغوط السياسية التي تتعرض لها الحكومات،

ولنتذكر جميعا أن الشعب المصري البطل لا يزال بعد ثلث قرن من مصافحة السادات لبيغن يرفض التطبيع مع الصهاينة ، وهذا يكفي في الدلالة على أن الشعوب تستطيع أن تتحرك بهامش أوسع من هامش الساسة لو أبصرت الطريق وتملكت العزيمة وأرادت الحياة

واسلموا لود واحترام (f)