اعتقال إدارة منتدى الاتاسي خطأ لكن اطلاقهم نكتة
الكاتب: عباس بيضون المصدر: السفير
اعتقال أعضاء إدارة منتدى الاتاسي خطأ بالتأكيد لكن اطلاقهم نكتة. نكتة بالطريقة التي تعرفها المخابرات، بالطريقة التي تحول بها حياتنا وأمورنا كلها الى نكتة. بالطبع لن يعتذر احد من احد. ولن يطلب احد اعتذارا. أجرأ ما نستطيعه هنا ان لا نشكر على <<المعاملة الجيدة>> و<<الخروج السريع>>. هذا جيد بالطبع بالقياس الى الايام الخوالي. محمد حبيب الذي افرجوا عنه من سنة وعادوا فاعتقلوه لن يكون عنده الخبر الطيب ذاته، اذ لم نسمع انهم افرجوا عنه ثانية. سيحتفظون به اكثر لدوام المعاملة الجيدة والحوار. نعم حوار، فثمة ما يسميه السجان حوارا في ذلك الكلام الذي يتبادله اثنان، أحدهما قادر على كل شيء والثاني مقدور لكل شيء.
لا اعرف من اعضاء ادارة منتدى الأتاسي إلا حسين عودات. لي معه لقاء مديد لكنه واحد تقريبا وبسببه أرجو ان يعتبرني صديقه الى الابد. لقاء واحد لكن يكفي لتعرف انك مع رجل ذي قامة، قامة بالمعنى الجسدي والاخلاقي. تعرف ان قامة كهذه تنحني للنسيم وحده. ان حبس حسين عودات قد يكون صعبا كحبس نسمة، اذ ان رجلا مثله في اناقته الروحية والجسدية ونبله الذي يصدر عنه كالزفير يحول كل مكان يحله وطنا. ليس سهلا ان نعرف سر انسان وحسين عودات ليس ضحلاً لنسبره فوراً لكن للكرم رائحة كالعطر، ومن لا يشمّها فلخبث في نفسه، وحسين عودات من ذلك المعدن الذي لا تصعب معرفة نبله. معدنه لا يرذله مكان مهما تدنى، ونعرف جيدا انه يخرج دائما كما دخل. بل دائما افضل وأكرم مما دخل. أتكلم عن حسين عودات لأنه صديقي. لكني اتكلم عنه ايضا كنموذج لكثيرين بين مثقفي سوريا يحرجني ان افكر بهم. لكثيرين من مثقفي هذه البلاد الملعونة التي يسمونها بلاد العرب. زوار السجون الذين خرجوا منها انضج وأصلب. مدمنو البؤس الذين لا يزعزعهم فقر ولا تهديد. افكر ان هذه البلاد ليست بائسة الا لأنها ساهية عما فيها، ولأنها مجوّعة للدرجة التي لا تعود تفكر فيها بأغنية، ولأن الكفاف يغنيها عن ان تفكر بالجمال، ولأن الإدقاع والإجحاف يجعلانها في غنى عن مكارم جلى وعن تضحيات خاسرة وعن تجارب اعمق واقسى من القبر. انها تفكر احيانا بالموتى وحدهم فهم لا يجوعون ولا يعطشون، ووحدهم من ننتبه فجأة الى ان جثثهم اختفت عن الارض.