«كوريدور » أميركي في سوريا

ليس لدي معلومات عن شريط حدودي عازل بين سوريا والعراق، [][SIZE=6]ولكنني أؤكد لك اننا نتوغل في الاراضي السورية منذ شهور، هكذا قال لي مسؤول بالخارجية الأميركية ثلاثة تصورات طرحت في هذا الشأن. التصور الأول هو نموذج الشريط الحدودي، الذي كان يعزل بين اسرائيل وجنوب لبنان، للقيام بعمليات استباقية ضد المقاومة اللبنانية، مؤيدو هذا الطرح يرون علاقة سوريا بالعراق وبالمقاومة اشبه بالحالة اللبنانية مع اسرائيل، ولديهم الادلة بأن هناك مراكز استقبال للمقاتلين العرب المقبلين من الخليج خصوصا، تقام في سوريا من اجل تسهيل مهمة «المقاومة» في العراق، ولكي تقل عمليات المقاومة لا بد من التوغل في شريط عمقه عشرة كيلو مترات داخل الاراضي السورية للقضاء على مراكز الدعم اللوجستي للمقاومة القائمة داخل الاراضي السورية. هذا التصور هو تصور وقائي أمني بحت، لا يهدف الى زعزعة الاستقرار السوري، وانما يستهدف مراكز دعم المقاومة.

التصور الثاني هو اشبه بما كان حادثا في العراق قبل الحرب الاخيرة، والتي كان فيها العراق مقسما الى ثلاث مناطق، منطقة الشمال والتي كان يحظر فيها الطيران العراقي فوق الاراضي شمال خط عرض 36 درجة وكذلك ما بعد خط عرض 33 درجة في منطقة الجنوب، هذه المنطقة الثانية كانت ايضا منطقة ما يسمى بـ No Drive zone والتي كان يحظر فيها ليس الطيران وحده، وانما السيارات الحكومية ايضا. ويدرس البنتاجون الآن هذه الخطة على طول الشريط الحدودي بين سوريا والعراق، شريط طوله 380 ميلا. في هذا التصور الجديد يكون الوضع السوري معقدا حيث تحتل اسرائيل منطقة الجولان، وقد يحتل الأميركيون عشرة كيلو مترات على طول الشريط الحدودي، وبذلك يحاصر النظام في منطقة الوسط، كما كان الوضع مع صدام قبل الحرب الاخيرة، فهل هذه الخطة اعلان جديد بنية الولايات المتحدة لزعزعة النظام وحصاره؟!

التصور الثالث والذي ناقشته الولايات المتحدة مع بعض زعماء الدول العربية، هي فكرة «كروريدور» او ممر عازل بين سوريا والعراق، حسب قول مسؤول عربي كبير، هذا الشريط الذي جرى الحديث حوله سيكون في اقل من مساحة العشرة كيلومترات المطروحة في التصور الاول، ولكنه لم يلق مقاومة عربية، [SIZE=6]بل على العكس، فحسب أحد المصادر المطلعة وافقت بعض الدول العربية على هذا الطرح حتى تثبت ان مواطنيها ابرياء فيما يخص المرور من سوريا الى العراق، لالحاق الاذى بالأميركيين، تصور الممر العازل المقبول عربيا ربما سيكون هو الحل النهائي، ما بين تصور العراق وتصور الشريط الحدودي بين اسرائيل ولبنان.

في ظل تصريحات أميركية مختلفة قالت في السابق ان الادارة الأميركية تتجنب اي مواجهة عسكرية مع سوريا، يبدو تأكيد المسؤول الأميركي بأنهم يتوغلون في الاراضي السورية، ومنذ اكثر من ثلاثة اشهر بشكل منتظم، يؤكد على ان الامور قد تسير في طريق المواجهة لا محالة.

فليس من الممكن لاي نظام سواء سوريا او غيرها ان تقبل بمثل هذا الشريط الجديد، اي نوع من الاحتلال الأميركي من ناحية، في الوقت الذي تحتل فيه اسرائيل اراضي الجولان العربية السورية من ناحية اخرى، مثل هذا السيناريو يوحي بنوايا سيئة ضد النظام في سوريا، فهل يدفع ذلك سوريا في اتجاه تصعيد خيارهم الخاص بمقاومة الأميركيين، وكسر شوكتهم في العراق قبل ان يدخلوا الى الاراضي السورية؟ ام ان سوريا ستقبل بالوضع الجديد مما يهز هيبة الدولة داخليا واقليميا ويؤدي الى استقواء المعارضة على النظام؟

اقامة هذا الشريط الحدودي الأمني بين العراق وسوريا هو مطلب عراقي ايضا، وقد طالب بعض المسؤولين العراقيين الولايات المتحدة باقامة هذه المنطقة العازلة، وكان آخر هذه الطلبات في الزيارة العراقية الاخيرة لواشنطن حسب احد المصادر العليمة.

اذن، نحن امام وضع يزداد تعقيدا في منطقة الهلال الخصيب، عدم استقرار في العراق، قلاقل في لبنان، وها هي القلاقل ايضا تبدو متجهة نحو سوريا.

قد يرى البعض ان مثل هذه الخطة الأميركية الجديدة للتعامل مع الوضع على الحدود بين سوريا والعراق، هي دليل آخر على ان الولايات المتحدة تخطط الى مزيد من التفتيت بين الدول العربية، وكذلك تفكيك الشرق الاوسط واعادة تركيبه، ربما هذا صحيح من منظور اقليمي، ولكن المنظور الأميركي متمسك بالدليل على ان هناك عمليات حربية، تمول من داخل سوريا، وان هناك مراكز استقبال لافواج المقاتلين، وخصوصا المقبلين من الخليج منهم، للدخول الى العراق، كل هذه الادلة الأميركية هي التي ادت الى مجموعة الهجمات الأميركية الاخيرة داخل الاراضي السورية، لتعقب المقاومة على طريقة رامسفيلد بضربها استباقيا داخل الاراضي السورية قبل ان تدخل الى العراق.

[SIZE=5]ردة الفعل السورية الاخيرة على مثل هذه التهديدات، كانت تجريب صاروخين من طراز «سكود دي» التي يصل مداها الى 700 كيلو متر، فيما كانت ردتا الفعل الأميركية والاسرائيلية على هذه التجارب، هو ان «سوريا تعزل نفسها» فهل هذا مؤشر على ان هناك نية لعزل سوريا وحصارها وزعزعة الاستقرار فيها؟ يبدو ان الامر يتجه في هذا المسار ولكن هذه المرة بوتيرة اسرع.

سوريا الآن في موقف لا تحسد عليه، وهي تحتاج الى مساعدة الاشقاء العرب، ليس بارسال مقاتلين من نوعية رجالات القاعدة، وانما بطرح مبادرة ديبلوماسية تمثل مخرجا لسوريا وتطرح اطارا frame work يخرج سوريا من مرمى البندقية الأميركية.