مساء الفلّ

الزميل إبراهيم عرفات

اقتباس:و بين الفينة و أختها نسمع الموال القديم: "ممكن يا أخ تحكي لنا اختبارك؟" و يبدأ الأخ في الحكي حتى إنه ليشعرن و كأنه نابليون عصره و تكاد الأرض تتفتق تحت قدميه من جلاله.

بالعكس يا زميل. أنا أشعر كثيراً بأنّ هؤلاء لا يشعرون بأيّ جلال بينما يدلون بشهاداتهم، على العكس. ربّما يشعرون بأنّهم دمىً لا تقوم بأكثر من تقديم " نمرتها " حينما يطلب منها الحاضرون ذلك ليرفهّوا أنفسهم قليلاً ويزيدوا رصيد الحكايات لديهم بحكاية أخرى يسلّون بها بعضهم البعض في جلسات "الآمين".
وأعتقد على العكس من كلامك أنّهم يشعرون بذلك "الاستمساخ" لهم وهم يحكون شهاداتهم (من كلمة مسخ) ، بل إنّ بعض المسيحيّين يتمادى ويأخذ كلٌ منهم خيطاً من خيوط الدمية ليحركه يميناً أو شمالاً على حسب رغباته وفهمه -الخاص جدا- للرب ، حتّى ينقذ الدمية من التعليم الخاطيء ويقوّم حركاتها وسكناتها طبقاً لمفهومه وبما يحقق له متعته الشخصيّة
. وعندها تجد الدمية نفسها وسط مجموعة من المسرحيّين والمخرجين البارعين الذين يتلذذون بتحريكها كما يشاؤون ، ولا تجد نفسها تعامل معاملة إنسانيّة كما كانت الأحلام الدعائيّة توهمها. فتجد نفسها وقد خرجت من أسرتها وهجرت أهلها وأحبابها وأحيانا شريك حياتها وأطفالها لتنتهي إلى شيء صناعي تافه لا قيمة له ولا مشاعر نحوه من أبواق القيم ومن "مايكات" المشاعر التي لا تفتأ تمنّي التائهين بها ليل نهار.
لهذا تكون الصدمة أشد إيلاماً ، وتكون العودة مجهشة بالبكاء كما عودة زينب ، وخاصّة لو أخذنا في الاعتبار عاملين :

الأول أن المتحولين يفتقدون إلى العواطف ويتعطشون لها بشكل هائل وذلك نتيجة لظروف حياتهم وتقصير أهاليهم أو قسوتهم وقلوب المحيطين بهم المتحجرة ، لهذا يتعرضون للأذى أكثر من أيّ مخلوق آخر عندما لا يجدون في المجتمع الذي هربوا إليه سوى السراب.

والعامل الثاني هو أن المبشّرين المولودين في المسيحيّة أيضاً يعيشون نفس الأوهام ، ولذا لا يستطيعون إلا تقديمها للأعضاء الجدد. ناهيك عن أنّهم لم يجرّبوا ترك كل شيء من أجل المسيح كما فعل المتحولون، ولهذا يتعاملون مع الأمور بمفهوم " النمرة" التي يدهشون لسماعها ومشاهدتها بعض الوقت ، ويصفقون لها ..كما يصفق المارّة للقرد العازف في الطريق ويشفقون على كوبه المعدني بقطعة نقديّة ، ليعودوا بعدها إلى حياتهم العاديّة ببلادة حس لا تزيدها حكايات التحوّل مع مرور الزمن إلا مزيداً من البلادة وال"حلّوفيّة" في التعامل (من كلمة حلّوف ).
في النهاية فإن الأب أو الأم أو الحبيبة أو الزوجة أو حتى العشيقة الداعرة التي ترتبط مع الإنسان بعواطف حميميّة لهي أكثر إشباعا من ألف بوق تبشيريّ وأكثر صدقاً من خمسة آلاف مايك زائف.

أراكم