الآيات 67 - 73
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

تخبرنا هذه الآيات عن قصة أشد غرابة من الكفر ذاته، وما لنا - كفقيه - إلا أن نردّها على من دسها في مصحفنا الشريف علَّ المولى عز وجل يغفر لنا ولهم ما تقدم وما تأخر من ذنوبنا وذنوبهم.

إخواني
القصة المزعومة تنسب لربنا سبحانه وتعالى، وكالعادة، من الصفات البشرية الخبيثة ما لا يمكن لعقل أن يقبل أن إلها هو كما تروي الآيات. ونظرة وافية لتفاسير من سبقنا في هذا العمل الجليل تؤكد صحة ما ذهبت إليه حكمتنا من تفنيد قاطع لتفاصيل هذه القصة غير المقنعة. فقد اتفق الأربعة الكبار على رواية الرجل المقتول ظلماً من قبل ابن أخيه الطامع بإرثه ودية دمه فقتله ورماه على باب أحدهم ونهاراً طالبه بدية عمه المقتول.

اتفق المفسرون على أن الله طلب ذبح بقرة ولم يحدد عنها صفة معينة، لكن بني إسرائيل طلبوا معرفة صفاتها فحدد الله لهم عندئذ أصعب الصفات نكاية بهم، ولو أنهم لم يسألوا لقبل الله أي بقرة ذبحوها، وهذا هو المأخذ الأول. فربنا الحليم الذي نعرف لن يستثار ويستفز من قبل ثلة من الكفرة، طلب ذبح بقرة، فسألوا، فلو قال الله: أي بقرة فهل أنقص من حكمته الإلهية؟ من شخصه المتعال؟ من ألوهيته بأي حال؟ نشهد أن إلهاً حكيماً كربنا لن يلتفت كالبشر لاستفزاز ضعاف النفوس، ولقبل أي بقرة بدون نكايات بشرية تافهة.

وعن صفاتها أنها غير سمينة ولا ضعيفة، ليست كبيرة ولا صغيرة، لونها صاف بلا بقع تشوبه، منظرها جميل تسر الناظرين، وهي بقرة مدللة بمعنى أنها لم تعمل مطلقاً لا في حرث الأرض ولا في السقاية، وهي سليمة من كل عيب. ولمزيد من النكاية جعل الله هذه البقرة معدومة الوجود إلا عند عجوز طلبت فيها ثمنا مرتفعاً، فاضطر اليهود لدفع الثمن، وبذلك خلص رب العالمين ثأره من أسئلة اليهود وجعلهم يدفعون الثمن. فهل تقبلون أن تكون هذه الصفات لرب العالمين؟ نحن، سبارتاكوس الإسبرطي نرفض رفضاً قاطعاً نسب هذه الصفات لربنا، ونحكم بأن الآيات مدسوسة على مصحفنا الشريف.

نتابع

بعد ذبح البقرة، يدعّي الرواة أن الله طلب أن يُضرب القتيل بجزء منها، ففعلوا، فقام القتيل من مماته وشهد أن ابن أخيه هو قاتله، وعاد فمات.
حاشى لنا أن نشك بقدرة رب العالمين على أي فعل يريده فهو القادر على كل شيء وهذا نعرفه ونؤمن به، لكنّا نعرف أيضاً أن ربنا لا يلجأ للف والدوران ولا يستعمل حيل السحرة الذين يطلبون عرف الديك الأفريقي مخلوطاً بزنجبيل ياباني مع قرن الكركدن الأصفر ثم يسقى منه القتيل ليقوم ويشهد ...

جاء القوم لموسى طالبين عون ربه في كشف حقيقة القاتل، فلجأ الله لهذه السلسة من الأعمال:
ذبح بقرة
ضرب القتيل بجزء منها
إحياء القتيل
شهادته
عودته للموت

وكما أسلفنا، فالله سبحانه قادر على كل شيء إلا اللف والدوران، فالله قادر أن يحيي القتيل للشهادة بدون ذبح بقرة، وبدون ضربه بجزء منها، فلم اللجوء لحيل السحرة والتهويل في الأمر؟ إلهنا الحكيم يدل اسمه على حكمته، لا يلجأ لحيل صبيانية كهذه، وحاشى لنا القبول بهكذ ترهات، وعليه نقول: الآيات مدسوسة لأنها تنسب لإلهنا ما لا يمكن قبوله من صفات بشرية خسيسة مثل النكاية والتعجيز والحيل السحرية واللف والدوران.

وليس لنا إلا أن نستشهد بقول ربنا عز وجل في هذه السورة المباركة ذاتها في الآية 79:
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ

لأن ما سبق ليس من عند الله، لأن الله لا يشهد لنفسه بكل الصفات السيئة السابق ذكرها.