{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
النهايات - عبد الرحمن منيف
bassel غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,109
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #5
النهايات - عبد الرحمن منيف
الطيبة بداية الصحراء. من ناحية الشرق البساتين والنبع والسوق بعد ذلك, وعند الأفق, تبدأ سلسلة الجبال. ومن ناحية الشمال والغرب تمتد سهول فسيحة, يتخلّلها بين مسافة وأخرى بعض الهضاب. وهذه السهول تزرع بأنواع كثيرة من الحبوب. كانت تزرع بالحنطة والشعير والكرسنة والبرسيم وبعض أصناف البقول, وفي الأماكن القريبة من البلدة ترتفع مساكب الخضرة, قريبًا من الأشجار المثمرة. أما من ناحية الجنوب فكانت الأرض تشحب تدريجيّا, وتخالطها الحجارة الكلسية, وتبدأ تُقفِر ذراعًا بعد آخر حتى تتحول في بداية الأفق إلى كثبان رملية, وبعد ذلك تبدأ الصحراء.

في المواسم الجيدة تخضرّ الطيبة وتعبق من كل جهاتها, وتمتلئ بالورد والنباتات العجيبة الألوان والأشكال في بداية الربيع. حتى الجهة الجنوبية التي تبدو في أواخر الصيف متجهمة قاسية, لا يعرف الإنسان ولا يستطيع أن يفسر كيف كانت قادرة على أن تقذف من جوفها كل هذه الكنوز, وكيف كانت تشد أهل الطيبة في بداية الربيع لكي يذهبوا أفواجًا لالتقاط الثمار العجيبة المخبوءة في بطن الأرض, وما يخالط ذلك المهرجان من الذكريات عن أيام كانت فيها الحياة أكثر روعة وخصبًا. إن هذه البلدة تتصف بمزايا وصفات ليست متاحة لكثير من القرى المجاورة. حتى الرعاة الأغراب الذين كانوا يحلمون بالوصول إلى المراعي الخصبة, لا يجرؤون على الاقتراب كثيرًا من مراعي الطيبة, ولا يتجاوزون حدًّا معينًا, لأنهم يعرفون طباع أهل الطيبة وما يتّصفون به من حدة, وما قد يرتكبونه من حماقات إن اعتدى غريب على رزقهم أو حياتهم.

هذه الأمور يعرفها ويتصف بها كل من عاش في الطيبة, ويعرفها أيضًا الذين عاشروا أهلها. وإذا كانت بعض القرى قادرة على أن تقذف من جوفها أبناء كثيرين, وترميهم في أنحاء الأرض كلها, وتفقد بعد ذلك كل صلة بهم, فإنَّ الطيبة تختلف كثيرًا, لأنها تولّد في نفوس أبنائها حنينًا من نوع لا ينسى. وحتى الذين سافروا وابتعدوا كثيرًا, كانوا يردّدون دون انقطاع اسم الطيبة, ويحنون إلى أيامها الماضية, ويتمنون لو عادوا إليها ذات يوم ليعيشوا ما تبقَّى لهم من العمر. والذين لا يذهب بهم التفكير والخيال هذا المذهب, كانوا يفكّرون في العودة إليها بين فترة وأخرى, وهناك يقضون أيامًا جميلة, ويتذكّرون كل ما حصل في سنوات سابقة, ويمرون على كل البيوت, ويجلسون في مقهى السوق ومقهى النبع, ويعبّون الهواء بقوة وشهوة لعله يمنحهم قوة تمكّنهم من مواجهة الأيام المقبلة والاستمرار في الحياة الجديدة التي بدأوا يحيونها في أماكن أخرى!

وإذا كان الناس يفضلون, في بعض الأوقات, تذكّر الأيام الجميلة من الماضي, فإنَّ الأيام القاسية يصبح لها جمال من نوع خاص. حتى الصعوبات التي عاشوها تتحول في الذاكرة إلى بطولة غامضة, ولا يصدقون أنهم احتملوا ذلك كله واستمروا بعد ذلك!

هذا الوفاء الذي يكنّه أهل الطيبة لبلدتهم لا يقتصر على شيء دون غيره, ولا يقتصر على المقيمين وحدهم, فالذين سافروا طلبًا للرزق أو الدراسة, وعاشوا في أماكن بعيدة, لا يكتفون بأن يرسلوا الطحين والسكر والرسائل وبعض الحاجات الأخرى إلى البلدة. إنهم يأتون لقضاء وقت غير قصير في الطيبة أيضًا, خاصة بعد أن يعجزوا عن إقناع أقربائهم بالسفر إليهم.

صحيح أن هذه الفترات التي يقضونها في الطيبة تسبّب لهم ألمًا عميقًا, وتولد في النفوس أحزانًا لا يعرفون كيف يكتمونها, خاصة حين يرون المياه وهي تشحّ وتكاد تنقطع من النبع, ويرون المجرى وقد جفَّ, ثم يتملكهم شعور بالاختناق حين يسمعون أصوات الفؤوس وهي تهوي على الأشجار الجافة. فإذا أضيفت إلى ذلك أخبار الذين رحلوا وغيَّبتهم الأرض من الأصدقاء والأقرباء, الصغار والكبار, فإنَّ الحزن يتحوّل إلى حالة عصبية, ويأخذ الحديث مجرى جديدًا. يبدأ القادمون, برغم صغر سنهم, يلومون الكبار, ويوجهون لهم كلمات التقريع:

- قلنا لكم مئات المرات: هذه الأرض لا تطعم حتى الجرذان, وأنتم, هنا, تتشبثون بها, وكأنَّها الجنة. اتركوها, ارحلوا إلى المدينة, هناك يمكن أن تجدوا حياة أفضل من هذه الحياة التي تعيشونها ألف مرة!

وحين يصمت المقيمون, خاصة من المسنّين, ويتطلّعون بحزن إلى وجوه الذين يتكلمون, يتراءى لهم, للحظات, أنهم لم يروا هذه الوجوه, ولم يعرفوها من قبل. ويتراءى لهم في لحظات أخرى أن الكلمات التي يسمعونها قالها أناس غيرهم, أو أن المدينة أفسدتهم تمامًا وجعلتهم يتكلمون مثل هذا الكلام. وتمتد في أذهان المسنين صور لا نهاية لها, صور الطيبة في كل الفترات, حين كان العشب ينبت على الصخور وعلى سطوح المنازل, وحين كانت الينابيع تتفجر من كل مكان, كانوا يتذكرون ذلك ويعبّون أنفاسًا عميقة وكأنَّهم يتنفسون رائحة الخصوبة تتولد من كل الكائنات, ليس من البشر وحدهم, وإنما أيضًا من الحيوانات والجماد. يتذكرون كل شيء, ويتذكرون أكثر مذاق الأطعمة التي كانوا يأكلونها فيتحرّك اللعاب في أفواههم!

وبرغم أن الأبناء الذين هجروا الطيبة منذ وقت طويل, واستقرّوا في المدينة البعيدة, لا يعنون ما يقولونه تمامًا, أو لا يقصدون إليه, فإنَّ تلك

06-15-2005, 05:48 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:45 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:46 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:48 PM
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:49 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:51 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:53 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:54 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:55 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:57 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:58 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:15 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:17 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:24 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:25 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Arab Horizon - 06-16-2005, 05:50 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-16-2005, 06:05 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة إبراهيم - 06-16-2005, 06:42 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:42 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:44 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Samer Almasri - 06-28-2005, 12:59 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  طلب كتب لعبد الرحمن بدوي غاندينو 0 395 06-21-2014, 07:02 PM
آخر رد: غاندينو
  اللغة العربية أم اللغات... كتاب منن الرحمن غالي 3 3,965 08-01-2010, 12:39 AM
آخر رد: غالي
  ومن سلسلة الأعمال الخالدة .. * أسفار شيلد هارولد * _ لورد بايرون _ ترجمة عبد الرحمن ب ali alik 0 1,248 07-04-2010, 03:39 PM
آخر رد: ali alik
  " المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار " للشيخ عبد الرحمن الجوبري louis 1 2,974 03-09-2009, 01:56 PM
آخر رد: louis
  عبد الرحمن شكري (المؤلفات النثريه كامله) moh3774 6 1,608 04-21-2008, 09:25 PM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS