{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
النهايات - عبد الرحمن منيف
bassel غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,109
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #6
النهايات - عبد الرحمن منيف
الصعوبات التي كثيرًا ما تتكرر, تحملهم على أن يقولوا كل شيء, وتحملهم أكثر على أن يفكروا بهذه الطريقة. ومع ذلك, وبالرغم منه, فإنَّ هؤلاء في مواطنهم الجديدة لا يكفّون عن ذكر الطيبة, والحديث عن مزايا موهومة لا تتمتع بها أي بلدة أخرى في المنطقة كلها. كان هؤلاء الأبناء لا يكتفون بالحديث, فإنَّ تعلقهم بالطيبة يدفعهم في حالات كثيرة, وفي لحظات الشوق المذكِّرة, لأن يفعلوا أشياء لا حصر لها ولا تخطر ببال: كانوا يقيمون أفراحهم في الطيبة, يجدّدون هذه الأفراح في الطيبة, يبعثون أبناءهم خلال فصول الصيف, لكي يعيشوا مثلما عاشوا حين كانوا صغارًا. وحين تأخذهم النشوة يدعون أصدقاءهم لقضاء بضعة أيام في هذه البقعة الرائعة: (في الطيبة السماء قريبة, شديدة الصفاء, والليالي هناك مليئة بنشوة لا تجدونها في أي مكان آخر من هذا العالم. أما الفواكه, أما الألبان, كالجبنة حين تكون طازجة, والزبدة حين تقطف, والدجاج والخراف الصغيرة وهي تشوى على نار الحطب... أما هذه الأشياء وأخرى وغيرها في الطيبة, فلا يمكن أن يكون لها مثيل. ثم هناك الصيد. الصيد وفير, فالحَجَل والأرانب, وحتى الحيوانات المتوحشة التي انقرضت في معظم البقاع, يمكن أن توجد في بعض الأودية العميقة المحيطة بالطيبة. والينابيع الغزيرة, إن الينابيع, إذا كانت أمطار تلك السنة وفيرة, تتفجّر من شقوق الأرض, وتتدفّق من تحت كل صخرة. ومياه هذه الينابيع باردة نقية, حتى إن الإنسان لا يشبع حين يشرب من تلك المياه).

هكذا كانت الأحاديث تجري. أما إذا جاءت فاكهة الطيبة إلى المدينة, في سلال صغيرة, فكان هؤلاء الأبناء لا يملّون أبدًا من تقليبها والنظر إليها. كانوا يفضلون أن يقدّموها إلى ضيوفهم, وأن يتحدثوا عنها. أما إذا جرى الحديث عن أجبان المدينة وألبانها, فكثيرًا ما كانت وجوه هؤلاء الأبناء تتغير, تمرق مثل ومضات خاطفة مظاهر القرف والذكرى في وقت واحد, ويتصورون للحظات أنهم غير قادرين على أن يتذوّقوا شيئًا من الطعام غير ذاك الذي يأتي من الطيبة!

أشياء كثيرة تتولّد في النفوس, في نفوس المقيمين والراحلين, وهذه الأشياء من التداخل والتعقيد بحيث لا يستطيع أحد أن يفسرها.

صحيح أن الطيبة, مثل أماكن أخرى كثيرة, شحيحة الأرض, قليلة المياه, لكن فيها شيئًا يجذب الإنسان ويشدّه إليها شدّا محكمًا. وإذا بدأ المسنّون الحديث, في السهرات الطويلة خلال الصيف, فإنَّهم يتحدثون بلغة تروق كثيرًا لهؤلاء الذين أتوا من المدينة. (قبل سنين كثيرة كانت الجبال المحيطة بالطيبة خضراء مثل البساتين, لكن الأتراك, وهم يبنون سكة الحديد, ثم وهم يسيّرون القطارات, لم يتركوا شجرة إلاَّ وقطعوها. كانوا يريدون أخشابًا, ولا يهمّهم من أين. والأشجار التي لم يستطيعوا الوصول إليها, التي كانت في المعاصي وفي قمم الجبال, أحرقوها وهم يرحلون. أما الجبال التي ترونها عارية الآن من المدينة البعيدة وحتى الطيبة, فقد رأيناها خضراء حين كنا صغارًا. كان الفارس يضيع في الغابات الكثيفة التي تملأ السهول القريبة من الطيبة).

مثل هذه الأحاديث توقد في الأذهان صورًا لا نهاية لها, وأبناء الطيبة الذين سمعوها مرات كثيرة, كان يروق لهم أن يدفعوا المسنين لاستعادتها مرات ومرات, خاصة وهم يستقبلون ضيوفًا من المدينة. كانوا يريدون, بطريقة غامضة, أن يثبتوا ميزة خاصة لبلدتهم. وهذه الميزة, وإن كانت لا تظهر بالوضوح الذي يشتهون في الوقت الحاضر, فإنَّها تكمن في مكان ما, ولا بدَّ أن تظهر. ويضيفون بمكر وغموض: (ليس هناك أفضل من أن يقضي الإنسان أيامه الأخيرة في هذه البلدة المباركة). وبالمكر نفسه, يدفعون المسنّين لأن يتحدّثوا عن الأعمار. وهذا الحديث الذي يروق لبعض الرجال, كان يزعج النساء ويدفعهن إلى المقاطعة, وبعض الأحيان إلى الاستفزاز, لكن لا يكاد الحديث يأخذ مجرى جدّيًّا مرة أخرى, حتى يتحدث المسنّون عن نقاوة الهواء وعذوبة الماء, ويتحدثوا عن فوائد النوم المبكر واليقظة المبكرة, ثم نوع الأكل الذي يأكلونه, ويعزون الأمراض الجديدة والموت المبكر والمفاجئ, الذي يداهم المدينة, إلى مجموعة من الأسباب لم يألفوها ولم يسمعوا بها من قبل!

وأحاديث السهر تبدأ دون منطق وبلا نظام, وقد يتخللها بعض الألعاب البريئة. وتلك الأمور تجري عفوًا للحظة, وبلا تخطيط سابق. ومهما تشعّبت وتباعدت, ومثلما بدأت بالغابات والأشجار والينابيع, فلا بدَّ أن يجري الحديث أيضًا عن أيام القحط والصعوبات التي عاشتها الطيبة خلال تلك السنين. وإذا كانت اللذة والأيام الرائعة المليئة بالخصب تحرّك المشاعر, فإن المصاعب التي عاشها البشر وتغلبوا عليها تحرك مشاعر أخرى, مشاعر تزخر بالقوة وبعظمة من نوع خاص, حتى أبناء الطيبة الذين سمعوا هذه الأحاديث مرات كثيرة, يلذّ لهم أن يسمعوها من جديد, وفي كل مرة تبدو لهم جديدة مليئة بالبطولة والعبر: (كنا نأكل الأعشاب وجذور النباتات. كنا نأكل الجرابيع. حتى الجراد الذي كثيرًا ما كان يأتي في سنوات المحل, أو الذي يسبّب المحل, كنا نأكله. صحيح أن الحياة آنذاك كانت في منتهى القسوة والصعوبة, لكن الرجال في تلك الأيام كانوا رجالاً, كانوا أقوياء وقادرين على الاحتمال والصبر, وكانوا قادرين على أن يأكلوا الصخر. أما رجال هذه الأيام...). ويبتسم بعض المسنّين, ويتذكر الآخرون. وينظرون بعضهم في وجوه بعض, وبعضهم في وجوه أبنائهم, ثم في وجوه الضيوف!

06-15-2005, 05:49 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:45 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:46 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:48 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:49 PM
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:51 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:53 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:54 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:55 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:57 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:58 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:15 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:17 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:24 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:25 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Arab Horizon - 06-16-2005, 05:50 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-16-2005, 06:05 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة إبراهيم - 06-16-2005, 06:42 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:42 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:44 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Samer Almasri - 06-28-2005, 12:59 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  طلب كتب لعبد الرحمن بدوي غاندينو 0 400 06-21-2014, 07:02 PM
آخر رد: غاندينو
  اللغة العربية أم اللغات... كتاب منن الرحمن غالي 3 3,969 08-01-2010, 12:39 AM
آخر رد: غالي
  ومن سلسلة الأعمال الخالدة .. * أسفار شيلد هارولد * _ لورد بايرون _ ترجمة عبد الرحمن ب ali alik 0 1,252 07-04-2010, 03:39 PM
آخر رد: ali alik
  " المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار " للشيخ عبد الرحمن الجوبري louis 1 2,976 03-09-2009, 01:56 PM
آخر رد: louis
  عبد الرحمن شكري (المؤلفات النثريه كامله) moh3774 6 1,611 04-21-2008, 09:25 PM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS