{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
النهايات - عبد الرحمن منيف
bassel غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,109
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #8
النهايات - عبد الرحمن منيف
الكثيرين, فيومًا بعد يوم كان مجانين آخرون ينضمّون إلى مجانين البلدة, وكان الوافدون الجدد يمتلئون زهوًا حين تصيب طلقاتهم طيرًا من الطيور, وبين عشية وأخرى يتحولون إلى مهووسين لا يعرفون الراحة والهدوء إلاَّ بالقتل والركض وراء الطيور من مكان إلى آخر.

هكذا بدأت اللعبة أول الأمر, وهي وإن بدأت صغيرة خفية, فقد أثارت حنق عدد كبير من المسنين, ومن الذين ينظرون إلى الصيد على أنه وسيلة للرزق والحياة.

لقد كانت اللعبة أقرب إلى العبث ولا تناسب الرجال الذين يقدّرون مسؤولياتهم, ويجب أن ينشغلوا بالهموم الكبيرة التي أخذت تزداد يومًا بعد آخر. لكن اللعبة تكبر وتتسع كل يوم. والذين أبدوا بعض التردّد ما لبثوا أن تراجعوا, خاصة حين أخذوا يشاهدون طيور القطا محمولة بالعشرات. أما حين يقلبونها ليتأكدوا من كمية اللحم فيها فكانوا يقولون بصوت عال: - ضعيفة.. نعم إنها أضعف من أي سنة سابقة!

ولكي يتأكدوا من أن ما يقولونه هو الحقيقة, كانوا يقلّبونها مرة أخرى, ويشدّون على صدورها. وبهذه الحركات الإضافية, وبضغط الأصابع على اللحم الطري, كانت مواقفهم تتغير ويحسّون برغبة مغرية. أمَّا حين يبدأون بعدّها فكان التردّد يتراجع مع كل رقم جديد, لكن دون إعلان, ودون كلمات, ويكون كل واحد منهم قد اتخذ قرارًا داخليًّا أن يبدأ اللعبة!

والمسنّون الذين صرخوا بغضب, وعدُّوا هذا الهوس نوعًا من الفتنة أو الجنون, ولا يليق بالرجال في مثل هذه المحنة القاسية, ما لبثوا أن تراجعوا. صحيح أنهم لم يفعلوا ذلك سريعًا وبشكل علني, لكن اعتراضاتهم بدأت تقل وتتراجع يومًا بعد آخر, وبدأت كلماتهم تأخذ طابعًا ليّنًا أقرب إلى النصح:

- اذهبوا إلى المدينة واعملوا هناك. أما أن تنتشروا في هذه الأرض الغبراء, وأن تتشردوا بين الجبال والصحراء, من أجل طيور جائعة, وليس فيها سوى العصب والريش, فإنَّ ذلك مضيعة للوقت.

وحين يهزّ الشباب رؤوسهم إشارة إلى أنهم سمعوا ما قاله المسنّون, دون أن تعني الإشارة موافقة أو رفضًا, كان بعض المسنّين يضيف:

- إذا جاءت المصائب فإنَّها تجيء مرة واحدة!

وتستمرّ اللعبة تكبر, ويستمر الشباب في ترتيب لوازم الصيد لليوم التالي: يهيّئون الخرطوش, ينظّفون البنادق, يصنعون قطعًا من القماش الملون الملئ بالثقوب لاستدراج الطيور والاحتيال عليها. وحين يرى المسنّون ذلك, ويجدون لدى الشباب إصرارًا لا يتزعزع, كانت لهجة الكثيرين تصبح أكثر حنوًّا وخوفًا:

- هذا البارود يأكل الأخضر واليابس, يجب أن تحذروا!

ويرقب المسنّون بعناية الطريقة التي يُصنع بها الخرطوش ليتأكّدوا من أن الشباب يفعلون ذلك دون ما خطإ. فإذا تأكَّدوا كانت كلمة وحيدة تتكرر بلا انقطاع:

- كل البلاء من المجنون الكبير عساف!

عسّاف الرجل الذي يعرفه أهل الطيبة كلهم, نساءً ورجالاً, كبارًا وصغارًا, هو نفسه عساف الذي يبدو غامضًا ومجهولاً بالنسبة للجميع, وقلما يراه أو يجلس معه أحد.

بين الأربعين والخمسين, طويل مع انحناءة صغيرة, ضامر لكنه قوي البنية, أعزب لأسباب يختلف فيها الناس كثيرًا. قيل إنه كان يريد ابنة عمه, لكن أباها رفض (لأن عسافًا بلا عمل ولا يستطيع أن يعول نفسه, فكيف إذا تزوَّج وجاءه أولاد)? وقيل إن الفتاة رفضت وهدَّدت أن تحرق نفسها إن هم أجبروها على الزواج به, وتعللت بغرابة الطبع والقسوة. وحين سئلت أمها, في وقت متأخر, أبدت استنكارها الشديد, وقالت إن حذاء ابنتها يعادل رأس هذا المتشرد الذي يعيش في البراري والمغارات, ووصفته بالمجنون أيضًا. ولو حاول أي إنسان التحري عن أسباب أخرى لوجد الكثير. إن هذه القضية التي شغلت الطيبة وقتًا ما انتهت بصمت وهدوء, ولم تعد تشغل أحدًا. أما ما خلّفته من نتائج فاسم جديد لعساف: أبو ليلى. وبعض الذين استمروا يبدون اهتمامًا بهذا الأمر, تحوَّل لديهم هذا الاهتمام مع الأيام إلى نوع من الطرافة والسخرية, خاصة وأن عسافًا يرفض الإجابة عن أي سؤال له علاقة بهذا الموضوع. وهكذا تعوَّد الناس أن يكون عساف بهذا الشكل, ولو ظهر بشكل آخر لبدا غريبًا!

منذ كان صغيرًا شغلته قضية الصيد, وهذه القضية كبرت عامًا بعد عام ما دام عساف يكبر. وإذا كانت بسيطة وبدائية حين كان صغيرًا, ويفعل ما يفعله الصبيان في مثل عمره, فقد كان أكثرهم ولعًا وتعلقًا. أما حين مات أبوه, فقد استغرق في هذه الهواية الخطرة. لم يعد يكتفي بما يفعله الصغار. كان يقلد الكبار ويذهب حيث يذهبون, وكان يحاول باستمرار ابتداع وسائل جديدة للصيد. ونتيجة لهذا الوضع فقد اكتسب عادات خاصة أقرب إلى الغرابة. كان يقضي وقته في البساتين, بدأ التدخين في سنّ مبكرة, أصبح كثير التفكير والتأمل في كل ما حوله من طبيعة وبشر وحيوانات, وكان في أغلب الأحيان بعيدًا عن الناس, أما حين يكون بينهم فالصمت سلاحه تجاه الآخرين.

ظلَّ يتطور بهذا الشكل, وحين ماتت أُمه, تغيّرت طباعه أكثر من قبل, فبدل أن يعود إلى البلدة ويصبح مثل الآخرين, يزرع ويحصد ويستقر, فقد اشترى بندقية صيد من النوع القديم. وبدا الأمر غريبًا أن يكون فتًى في الثالثة عشرة يقلد الكبار ويلاحق الطيور التي لا يفكّر فيها مَن كان في عمره, وأن يقضي وقته كله خارج البلدة وحيدًا ينتقل من وادٍ إلى آخر ومن جبلٍ إلى آخر.

إن أجزاء كبيرة من حياة عساف بعد ذلك مجهولة, وحتى لو أراد هو نفسه أن يستعيد حياته, فلن يتذكر إلاَّ الشيء القليل, لن يتذكر أحداثًا كبيرة أو مهمة, سوى تلك التي لها علاقة بالصيد: أين ضرب الذئب? وكيف ضربه? كم مرة اضطر للنوم في المغارات خوفًا من الموت بردًا, بعد أن سقط الثلج وتراكم بكثافة ليسد الطرق ويجعل الحركة صعبة? ويتذكر عدد المرات التي رفض أن يضرب إناث الحجل لأنها كانت تسوق أمامها أفراخها الصغيرة. إن هذه الذكريات وما يشبهها لا تعني أحدًا غيره, وحتى لو أراد أن يتحدث فإنَّ حديثه يبدو غامضًا متداخلاً, ولا يستطيع أحد أن يتابعه!

06-15-2005, 05:53 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:45 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:46 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:48 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:49 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:51 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:53 PM
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:54 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:55 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:57 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:58 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:15 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:17 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:24 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:25 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Arab Horizon - 06-16-2005, 05:50 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-16-2005, 06:05 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة إبراهيم - 06-16-2005, 06:42 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:42 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:44 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Samer Almasri - 06-28-2005, 12:59 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  طلب كتب لعبد الرحمن بدوي غاندينو 0 395 06-21-2014, 07:02 PM
آخر رد: غاندينو
  اللغة العربية أم اللغات... كتاب منن الرحمن غالي 3 3,964 08-01-2010, 12:39 AM
آخر رد: غالي
  ومن سلسلة الأعمال الخالدة .. * أسفار شيلد هارولد * _ لورد بايرون _ ترجمة عبد الرحمن ب ali alik 0 1,248 07-04-2010, 03:39 PM
آخر رد: ali alik
  " المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار " للشيخ عبد الرحمن الجوبري louis 1 2,972 03-09-2009, 01:56 PM
آخر رد: louis
  عبد الرحمن شكري (المؤلفات النثريه كامله) moh3774 6 1,607 04-21-2008, 09:25 PM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS